[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
لم ينتظر المواطن محمد أبو طير (45 عاما) كثيرًا للتوجه إلى أرضه بعد سماعه بخبر انسحاب جيش الاحتلال من منطقة الزنة شرقي خانيونس لتفقدها إثر العدوان الصهيوني الأخير على المنطقة.
عشق الفلسطيني لأرضه لا يشبهه عشق، ولعل أبو طير أنموذج حي لهذا العشق، فيحمل روحه على كفه ذاهبًا إلى أرضه لتفقدها من أثار العدوان الصهيوني الهمجي، يقول لمراسلنا: الأرض في دمي، أحرص عليها كطفل مدلل، أحبها حبًا لا يحبه حبيب لحبيبه.
يتابع أن أرضه الزراعية تبلغ مساحتها 20 دونمًا يزرعها بالقمح والخضروات، وأنه بدأ منذ اللحظات الأولى لانسحاب الاحتلال باستصلاح ما يمكن إصلاحه، رغم فادحة الأضرار، فالاحتلال دمر الأرض ويحاول قهر السكان وحرمانهم من موارد الخضروات والفواكه.
يؤكد أبو طير أنه بالزراعة يواجه الفلسطيني التجويع والحصار، وأنها سلاحه للبقاء، والعودة وتقرير المصير، رغم الإبادة الجماعية المستمرة منذ 11 شهرًا.
أبو طير نزح من منطقته بفعل التوغل البري عدة مرات، إلى مواصي خانيونس غربًا، يقول: عندما غادرت الأرض في الزنة غادرتها خوفًا على الأطفال، إلا أن عشقي للأرض أكبر من هذا الخوف، وقد يكون عشقي لها ثمنه الدم.
ويشير أبو طير إلى أنه قرر استصلاح الأرض، رغم أنف الاحتلال وإبادته الجماعية، وأن الاستصلاح هذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك عشقه لهذه الأرض، وأنه بالزراعة يتجذر الصمود والبقاء.
مواجهة المجاعة
وفي مكان آخر، حيث شمال قطاع غزة الذي تحاول إسرائيل قتله بالتجويع والحصار، يحاول المزارع محمد الكفارنة إصلاح ما يمكن إصلاحه من أرضه الزراعية التي جرفتها الآليات الصهيونية في بداية العدوان الصهيوني.
وقال الكفارنة: رغم الموت والتدمير، وسياسة الاستهداف، عدنا إلى بيت حانون لتعمير الأرض، والبقاء فيها رغم أنف المحتل المجرم، في محاولة لمواجهة التجويع والحصار.
وبعد محطات كثيرة في رحلة النزوح التي أجبرت عليها عائلة الكفارنة في الساعات الأولى لبدء حرب الإبادة في السابع من أكتوبر الماضي، اتخذت قرارًا جريئا وقويا بالعودة إلى منزلها وأرضها في بلدة بيت حانون، تلك البلدة التي كانت واحدة من محاور التقدم الأولى في الاجتياح البري.
عائلة محمد الكفارنة ترفض ولا تزال فكرة النزوح من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، يقول: لن نترك أرضنا لو دفنا فيها عن بكرة أبينا، أريد أن أموت هنا.
وكانت فكرة استصلاح الأرض وإعادة زراعتها، مهمة صعبة جدًا إلا أن محمد الكفارنة وجد فيها فرصة للتحدي وتحقيق الإرادة، فالاحتلال يحاول قتلهم بالتجويع والحصار، وهو قرر المواجهة باستصلاح الأرض البالغة مساحتها 150 دونمًا.
يقول: فكرة الاستصلاح صعبة للغاية في ظل الحصار والمنع الكامل، وهي بالتأكيد كمن ينحت في الصخر، إلا أنني قررت المواصلة رغم كل ذلك.
الزراعة في قلب الحرب، رسالة حياة، يقول الكفارنة: إعادة الزراعة إلى الأرض، يؤكد لنا أننا سنعيد إعمار البلد كلها، اللون الأخضر يمنحنا السعادة، وبكل تأكيد هذه المحنة ستمر.
ولا يخفي المزارع الكفارنة مخاوفه من إعادة الاحتلال تدمير أرضه بعد استصلاحها، إلا أن ذلك لم يمنعه فهو مصر على الزراعة وإعادة الحياة إلى الأرض، رغم ندرة الموارد والمواد اللازمة.
غالبية أراضي غزة الزراعية خارج الخدمة
ويقدر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن الاحتلال أخرج 75% من المساحة الإجمالية للأراضي الزراعية في القطاع عن الخدمة خلال الشهور الماضية منذ اندلاع الحرب.
وتتركز المساحة الكبرى من المساحات الزراعية في المناطق المحاذية للسياج الأمني الإسرائيلي في شرق القطاع وشماله، حيث يتعذر على المزارعين الوصول لأراضيهم في تلك المناطق منذ اندلاع الحرب لخطورتها، إضافة إلى الاستهداف المباشر لمساحات أخرى بالقصف والتجريف.
ويقدر الناطق باسم وزارة الزراعة في غزة المهندس محمد أبو عودة – في تصريح صحفي- أن نحو 500 دونم تم استصلاحها في شمال القطاع بالفترة الأخيرة وزراعتها بالخضراوات، إضافة إلى مساحات من الأراضي المزروعة بأشجار الفواكه وحافظ المزارعون عليها.
وهذه المساحات هي التي توفر الكميات الشحيحة من الخضراوات والفواكه في الأسواق، وبأسعار باهظة وجودة متدنية، بسبب “الظروف غير المثالية في عمليات الإنتاج الزراعي”، فمثلًا كيلو الفلفل الأخضر يصل ثمنه 400 شيكل (حوالي 110 دولارات) وكيلو الباذنجان يباع بنحو 80 شيكلًا (حوالي 22 دولارا).
ويقول المسؤول في وزارة الزراعة إن مبادرات شبابية أو شخصية تقف غالبا وراء عمليات استصلاح الأراضي الزراعية في شمال القطاع، وبدعم مؤسسات لإعادة عجلة الإنتاج الزراعي، غير أنه يقول إن المساحات حتى اللحظة ليست كبيرة لتنهي المجاعة.
ولمواجهة المجاعة الحقيقية التي تعصف بأهالي شمال قطاع غزة، مئات من العوائل باتت تخوض غمار الزراعة المنزلية، رغم أنها لا تمتلك أي خبرة في هذا المجال، سوى الإرادة لتحدى الظروف الصعبة.
المواطن محمود أبو العطا 70 عاما، من بلدة الفلوجا شمال قطاع غزة، يقول لمراسلنا: نحن هنا في شمال القطاع محرومون من الخضروات والفواكه، نموت بالجوع، نعتمد فقط على المعلبات، ومن هنا تبادرت إلى فكرة الزراعة في المنزل، لمواجهة هذا الواقع الأليم.
وأضاف أنه زرع القليل من البندورة والخيار، للمساعدة على البقاء، وحققت جزءًا من النجاح، وباتت هذه الفكرة منتشرة بشكل كبير في شمال القطاع، في تعبير عن إرادة الحياة.
“}]]