قبل السابع من أكتوبر كانت أمتنا تسقط سقوطاً حرّاً في بحر من الانحطاط السياسي، وكنا ننتظر الغرق في قرن جديد من الانحطاط بعد وصول قطار التطبيع السريع إلى الجميع لاسيما بعد انكسار جدار التطبيع الحاجز في دول مؤثرة متمنِّعة.
لقد كان الطوفان طوفاناً انقلابيّاً حقّاً، قلَب كلَّ شيء، وأعاد الأمور إلى التركيب الأول، وإلى جوهر القضية الفلسطينية ليس السياسي والقانوني والإنسانيّ فحسب، بل إنه أعادها إلى مربّعها الديني العقائديّ بصورة لم يسبق لها مثيل دون تمييز بين متديّن وغيره.
هذا الطوفان فضح حقيقة التوحّش في الفكرة الصهيونية وفلسفتها التدميريّة العميقة، وأظهر كيانها السياسيّ في شكله الحقيقي كعصابة كاملة الأوصاف، وهي عصابة مسكونة بالغضب والتوحّش والانتقام ذات سلوك دمويّ عريق في التوحّش لا يمكن تبريره بأي سياق قانوني أو أخلاقيّ أو إنسانيّ مما سيسرّع في انفضاض الحلفاء عنها والأصدقاء الأخفياء والظاهرين، وسيجعلها وحيدة في مواجهة مصيرها.
هذه الدماء الطاهرة التي سفكت في حرب الطوفان أعادت الطهر والقداسة إلى قضية فلسطين، وأعادت مركزيّتها إلى صدارة الأولويات النفسية والانفعاليّة، وعمّقت الحبّ لفلسطين والتعاطف مع شعبها.
هذه البطولات الفذّة شحنت النفوس بطاقة فخرٍ هائلة تحفر بأظافرها بحثاً عن طريقة توجع بها هذه العصابة حيث كانت، وسترون كيف سيندفع العمل لفلسطين في موجات متتابعة في كل مكان، تتصعّد في همّة وعزم وعناد.
فهل ركبتَ الموجة، وماذا أعددتَ لها !