[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
حاملاً صرته على ظهره، أمام منزل مدمر، ظهر البروفيسور الفلسطيني خميس الإسي، في رحلة النزوح الـ 14 التي يعيشها منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية الجماعية على قطاع غزة، مجسدًا التغريبة الفلسطينية في نسخيتها الجديدة.
التغريبة الفلسطينية
على صفحته على فيسبوك، نشر استشاري تأهيل الأعصاب وطب الألم، وأستاذ مساعد ورئيس وحدة الطب القائم على الأدلة، والزميل في عدد من كبريات الجامعات الدولية صورته وهو يحمل “بكجة” النزوح” إلى جانبها تصميم لكهل فلسطيني يحمل على كاهله صرة تضم مدينة القدس، قائلاً: ما أشبه اليوم بالبارحة “التغريبة الفلسطينية” 1948==2024.
وحوّل البروفيسور الإسي صفحته منذ بدء حرب الإبادة إلى منصة للتعريف بالمآسي التي يعيشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بما في ذلك الحالات التي يعالجها رغم قلة الإمكانات وتدمير المستشفيات واستهدافها المتكرر.
التهجير تحت النار
بالعربي والإنجليزي كتب الإسي على صفحته: مسلسل “التهجير تحت النار” الذي لا ينتهي.. هجرة اضطرارية مؤقتة مع كل العائلة و الأولاد للمرة ال١٤ في مدينة غزة منذ أكتوبر 2023.
وشهدت صورة البروفيسور الفلسطيني تفاعلا كبيرًا، وتداولتها العديد من وسائل الإعلام المحلية والدولية.
معاناة عامة
وبكل تواضع يقول الأكاديمي الفلسطيني: ما نتحمله منذ 9 أشهر ليس معاناتي الشخصية المتواصلة والرعب فقط بل المحنة اليومية لـ 2.4 مليون فلسطيني في قطاع غزة المحاصر وخاصة في الحجر المسحوق لمدينة غزة.
ونزح الإسي من تل الهوى إلى الدرج، إلى مناطق الزيتون وأعاد الكرة بينهما عدة مرات حتى بلغ عدد مرات نوحه 14 مرة منذ بداية الحرب على قطاع غزة.
يقول: سكنت منزلي الجديد قبل بداية العدوان بـ3 أشهر فقط، وكنت أسست عيادتي الجديدة لـ الألم والأعصاب مُجهزة بأحدث الأجهزة الطبية لعلاج الألم وحقن المفاصل، وكان من المقرر افتتاحها بعد الحرب بـ5 أيام فقط.
وأضاف: كل القصف الإسرائيلي بدأ من تل الهوا خاصة وأنها منطقة الأبراج، وطال القصف منزلي وعمارتي التي لم أسكنه سوى 90 يومًا ودمرت عيادتي وأجهزتي الطبية وهي جديدة قبل أن تعمل.
وذكر أنه اضطر للنزوح مع أسرته لمنزلهم القديم بمركز غزة «منزل والدتي والأشقاء» محاولين أن نتأقلم على الوضع الجديد، ولم يمر سوى أسبوعين واجتاح الاحتلال المنطقة.
وأضاف: نزحنا مرة ثالثة غرب غزة ولم يمر سوى شهر واجتاح الاحتلال منطقة غرب فأجبرنا على النزوح لتل الهوى مرة أخرى وبعد الاجتياح نزحنا للمرة الخامسة لحي الدرج والتفاح، ثم نزحنا للمرة السادة لحي الزيتون، وثم هاجرنا للمرة السابعة إلى وسط غزة ثم إلى غرب غزة ثم إلى الشمال، وهكذا توالت عمليات النزوح.
قصة الصورة
ويوضح قصة الصورة الأخيرة: كنت أعمل في المستشفى وهاتفني ابني بأن الاحتلال بدأ في اجتياح منطقة الدرج والتفاح فركبت الدراجة مُحاولًا الاطمئنان على أسرتي، وحين وصلت وجدت عشرات الآلاف من البشر يحملون أمتعتهم للنزوح مرة أخرى لأن الاحتلال يقصف على المنطقة بشكل عشوائي ويطلبون من الجميع الإخلاء فورًا.
وقال: حملنا ما تبقى من الأمتعة ونزحنا لغرب غزة، فوصلنا تقريبًا 10 مساءً، فجلسنا في بيت أختي والذي حرقه الاحتلال سابقًا، ورغم التعب والألم حاصر الاحتلال غرب غزة بالدبابات وكان صعب العودة للدرج والتفاح، فنزحنا لـ حي النصر في نفس الليلة فكانت 3 نزوحات خلال 12 ساعة.
يقول: اضطررنا في كل مرة تجتاح قوات الاحتلال منطقة النزوح منها، أنا وعائلتي وأبنائي السبعة، مثلنا مثل مئات الآلاف في قطاع غزة.
واعتاد الإسي خلال نزوحه توثيق هذه المعاناة بالصور ونشرها لا سيما ما حدث خلال نزوحه الأخير من منطقة الدرج إلى النصر.
مبتسمًا وبملامح تعكس الإرادة والتصميم رغم مرارة لا يمكن إخفاءها، ظهر الإسي في مقابلة صحفية تابعها المركز الفلسطيني للإعلام ليروي جانبا من معاناته التي تمثل معاناة أكثر من 2 مليون إنسان في قطاع غزة.
يقول: “ابنة أختي تقول لي أنت أشبه بالرحالة.. فأجبتها لا، نحن أشبه بالتغريبة الفلسطينية، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه، فتذكرت صورة المسن الذي يحمل القضية الفلسطينية على أكتافه وهكذا جاءت فكرة الصورة”.
وأعاد آلاف المدونين مشاركة صورة البروفيسور الإسي مصحوبة بتعليقات وتضامن واسع، وتأكيد على ضرورة أن يتدخل العالم لينهي هذه المأساة.
ويوضح الإسي أن الذين شاركوا الصورة بحثوا عنه وعن سيرته الذاتية ومسيرته العملية لتصل الصورة بعد إعادة نشرها آلاف المرات إلى مسامع الجامعات الدولية التي كان يعمل فيها أو يتعامل معها، ليستغربوا حاله وما وصل إليه خلال الحرب من وضع مأساوي.
قامة علمية
والدكتور الإسي صاحب مسيرة عملية وعلمية طويلة وعالمية، فهو الأول عربيًا الذي يُمنح درجة الزمالة الفخرية من جامعة أكسفورد، وعضو هيئة الخبراء في منظمة الصحة العالمية لطب الألم، وبروفيسور في علم أعصاب وطب الألم واستشاري تأهيل الأعصاب وطب الألم، إضافة إلى أنه جاب جامعات بريطانية ودولية عدة ودرّس فيها.
يضيف: “ربما لأنني شخصية معروفة أثرت الصورة في الرأي العام داخل فلسطين وحول العالم، بين متعاطف مع حالي خلال الحرب ومن مستغرب لما أعيشه، ولكنني أريد القول لهذا العالم: إن هذه الصورة لا تعبّر عني فقط، الصورة تحمل رسائل أكبر ومعاناة أكبر”.
والإسي من مواليد غزة ويعيش فيها وتلقى تعليمه في العديد من دول العالم، قبل أن يعود إلى المدينة التي يعشقها كما يقول في مقابلته الصحفية، أملًا في دعم القطاع الصحي في غزة وفلسطين.
يقول: على مدار الـ20 عامًا الماضية حاولنا نقل الخبرات العلمية لتدعيم وتخريج أطباء أكفاء مُميزون يُنافسون أفضل الأطباء على مستوى العالم.
وأكد أن الصورة تعكس معاناة 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة، كما تعكس معاناة أكثر من 11 مليون فلسطيني يحلمون بالعودة إلى البلاد (فلسطين)، يحلمون بأن يصبحوا مثل بقية الشعوب في العالم، لأن الشعب الفلسطيني متعلم ومثقف وطموح ومعطاء.
وأوضح أنه كان شاهدًا على تحول القطاع لأطلال وإبادة الحياة به؛ جراء عدوان الاحتلال وقصفه بآلاف الأطنان من المتفجرات على المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ.
وأشار إلى أن ما يزيد عن 400 ألف مواطن نزحوا نحو الجنوب كان من بينهم الكثير من الأطباء حفاظًا على حياتهم وحياة أسرهم، في إشارة إلى النزوح الواسع بعد أوامر الإخلاء الإسرائيلية في 13 أكتوبر الماضي.
وقال: بكل صراحة رفضت النزوح خارج غزة؛ بسبب تزايد القصف الشديد ووصول عدد الشهداء يوميًا لـ1000 شهيد في ظل قلة ونُدرة الأطباء بالمستشفيات بسبب «النزوح الإجباري»، فقررت البقاء في غزة داعمًا للأطباء مُحاولين تقديم كل الدعم لآلاف الجرحى والمصابين في ظل ظروف قهرية جراء العدوان.
وأشار إلى أن بعض الأشياء دمرها الاحتلال عدة مرات حتى لا يمكن إصلاحها مرة أخرى، ومن بين هذه الأشياء بعض المستشفيات: «فلك أن تتخيل أن قطاع غزة كان يضم 36 مستشفى عاملة قبل الحرب، والآن يعمل 3 – 4 مستشفيات جُزئيًا بعد خروجهم عن الخدمة والمنظومة الصحية».
والبروفيسور أنموذج لعلماء فلسطين البررة الذين تحملوا الصعاب وعاشوا آلام المعاناة والحرب والبؤس ليداووا جراح الناس.
“}]]