[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
يواجه حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة عملية سحق عمراني بالقوة النارية الإسرائيلية، ترافقها عملية تهجير قسري لسكانه، حيث يقوم جيش الاحتلال بعملية نسف للمباني وتسويتها بالأرض مد البصر من شارع 10 إلى شارع 8، فما الذي يجري هناك؟
ويُعد حي الزيتون قريبًا من مناطق تمركز الاحتلال في جحر الديك وسط قطاع غزة، كما أنّه المنطقة الأقرب إلى الفاصل الجغرافي المعروف باسم محور “نتساريم” الذي تعمل سلطات الاحتلال على توسعته ليشمل الزيتون كاملاً مع جزء كبير من حي الصبرة، كجزء من خطة تقسيم القطاع إلى مناطق أمنية والسيطرة على مرافق الحياة المدنية واستبعاد المنظمات الإنسانية الدولية، وإنشاء ما يسمى “قيادة مدنية” تُدير توزيع المساعدات الإنسانية.
ومنذ بدء الهجوم البري على قطاع غزة بداية نوفمبر/ تشرين ثاني 2023، نال حي الزيتون النصيب الأكبر من الاجتياحات الإسرائيلية التي خلفت دمارًا هائلًا في منازله وبنيته التحتية، فضلًا عن استشهاد وإصابة المئات من أهله.
ففي الـ20 من فبراير/ شباط الحالي، شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي بمشاركة لواءين من الفرقة 162، عملية عسكرية على حي الزيتون، استمرت أسابيع، واجه خلالها معارك ضارية وصعبة مع قوى المقاومة الفلسطينية.
وفي 4 مارس 2024 الماضي أعادت قوات جيش الاحتلال انتشارها في الجانب الشرقي من الزيتون، في إشارة لإصرارها على البقاء في الحي الذي تراه ضمانة لسيطرتها على شمال قطاع غزة. وفي 5 مايو 2024 نفذ جيش الاحتلال عملية عسكرية استمرت 6 أيام، لمواصلة ما أسماه “تفكيك البنية التحتية” للمقاومة في المنطقة، وفي 24 أغسطس 2024 عاد جيش الاحتلال للتوغل البري في الحي مصحوباً بعمليات قصف جوي، حيث يواجه مقاومة عنيفة كبدته قتلى وجرحى.
وتحوّل الحيّ صاحب التجربة الكبيرة في مواجهة الاجتياحات الإسرائيلية إلى جحيم لقوات الاحتلال حيث تصدت المقاومة منذ بدء حرب الإبادة على غزة في 7 أكتوبر 2023 لألوية متنوعة في الجيش، والتحمت مع قوات المدرعات والمشاة، على الرغم من تركيز اعتماد الاحتلال على الألوية المدرّعة في “جيشه” في محاولات تقدّمه ومحاولة استهدفه للمقاتلين في الحيّ. وقد دلّ استقدام هذه الألوية على الخشية الإسرائيلية من المعارك الشرسة التي قد توقع جنوده في القنص والأسر.
وقد قادت الفرقة 36، وهي فرقة مدرعات تصنّف من أكبر التشكيلات في جيش الاحتلال، الهجوم على الحي، وتتبع لها 4 ألوية، أشهرها غولاني، إلى جانب اللواء المدرعات 401 الذي يُعرف بـ”آثار الحديد”، وهو يتشكل من كتائب مدرعات، ومن فرق مشاة وكتيبة هندسة، ويصنّف بأهميته في المعارك الميدانية.
وشارك في معارك حي الزيتون فوج المدفعية 215 التابع لسلاح مدفعية جيش الاحتلال، وهو يتشكل من كتيبة الخدمة العادية، إضافة إلى كتائب احتياط، وهو سلاح عن تشغيل المدفعية المتوسطة والطويلة المدى.
شارك أيضاً في هذا الحيّ “لواء ناحال” الذي تأسسّ عام 1982، وهو أحد الألوية التي تسمى بـ”النخبة” في “جيش” الاحتلال، وعادةً ما يكون نطاق خدمته العسكرية في المناطق الخطرة، وتتضمّن مهامه الدوريات القتالية وعمليات المراقبة، إضافة إلى الدعم التكتيكي لعمليات التوغل.
ولطالما شكل الزيتون عقدة قتالية قوية بمقاومتها وأهلها أمام توغلات الاحتلال التي لم تتوقف من إبان انتفاضة الأقصى، بعدما فجّر مجموعة من مقاتلي سرايا ناقلة جندٍ إسرائيلية عام 2004، ما أدى إلى مقتل 6 جنود من سلاح الهندسة في جيش الاحتلال.
واليوم، تعيد معركة طوفان الأقصى والمعارك البرية إلى ذاكرة الاحتلال ما شهده في العدوانيين عام 2008 و2014، حين واجهت المقاومة في “الزيتون” محاولات التوغّل الإسرائيلي بالكمائن النوعية التي أوقعت الجنود الإسرائيليين بين قتيل وجريح وأجبرتهم على الانسحاب.
واكتسب حيّ الزيتون، أكبر أحياء قطاع غزّة، أهميته الاستراتيجية انطلاقاً من مواجهته أبرز محاور التوغلات العسكرية الإسرائيلية تاريخياً، إضافة إلى أنه نافدة على شارعي الجلاء وصلاح الدين الذي جهد جيش الاحتلال للسيطرة عليهما، كشارعين رئيسين، بهدف عزل مناطق القطاع عن بعضها البعض.
وعلى مساحة 9 آلاف دونم تقريبًا في قلب المدينة القديمة جنوب شرقي مدينة غزة، يقع الحي الذي اكتسب اسمه من كثرة أشجار الزيتون التي تُغطي معظم أراضيه الجنوبية، ويُعد واحدًا من أقدم أحياء غزة، وثاني أكبرها سكانًا، إذ يبلغ عددهم 80 ألف نسمة.
ويتميز الحي وجود العديد من المعالم الأثرية والتاريخية القديمة، أبرزها مسجد كاتب ولاية الذي يضم مئذنة عتيقة، مكتوبا عليها كتابات منذ 735 ميلادية، بالإضافة إلى ومسجدي الشمعة والعجمي، وحمام السمرة، والمستشفى المعمداني، وكنيسة القديس بريفيريوس، وهي ثالث أقدم كنيسة في العالم؛ وبُنيت في القرن الخامس الميلادي، وقصفها الجيش الإسرائيلي في 17 أكتوبر الماضي.
وتسبب العدوان العسكري على الزيتون بدمار هائل في الحي، وفق أحمد ياسين الذي نزح من الحي قبل أشهر، مشيرا إلى حجم الدمار لا يمكن وصفه بعدما أحرق ودمر جيش الاحتلال غالبية منازله إما جزئيًا أو كليًا، بفعل القصف المدفعي والجوي الذي شهده خلال الاجتياحات المتكررة له.
ويبين أن جيش الاحتلال تعمد في مايو/ الماضي إحراق أكثر من 75 منزلًا بمحاذاة مستوصف الزيتون ومنطقة المصلبة وشارع مسجد علي، عدا عن تدمير المستوصف الذي يخدم عشرات آلاف المواطنين سواء من أهالي الحي أو المناطق المحيطة به، وكذلك تدمير آبار المياه وشبكات الكهرباء والصرف الصحي.
وفي هذا الإطار، يشير الخبير العسكري فايز الدويري إلى أنّ تكرار العمليات العسكرية في الزيتون تؤكد أن مزاعم الاحتلال بتفكيك كتائب القسام وأطرها التنظيمية بالمنطقة غير حقيقية، وضراوة معارك الزيتون المحتدمة تظهر أنه لم يتم تحطيم البنية المقاومة القتالية بالقاطع الشمالي.
ويوضح أن المشاهد التي ينشرها الإعلام العسكري لفصائل المقاومة وثّقت أدلة سقوط ألوية جيش الاحتلال وجنوده تحت نيرانها، وشكّلت دليلاً على حجم السيطرة الميدانية للمقاومة في حيّ الزيتون.
يقول الدويري إن الاحتلال يحاول إحكام السيطرة العسكرية على حيّ الزيتون لتحقيق عملية فصل شمال قطاع غزة عن جنوبه والجنوب، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى قطع إمدادات المقاومة ونقاط اتصالها، وهو هدف مركزي لقوات الاحتلال منذ بدء الهجوم البري على القطاع.
ويشير إلى أن طبيعة الأرض تساعد المقاومة على خوض معارك خلف خطوط العدو وتمنحها فرصة لمهاجمة الموجات اللاحقة من قوات الاحتلال.
“}]]