غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
ميغان رايس، شابة أميركية من أصول أفريقية، كانت تنشط على منصة التواصل الاجتماعي “تيك توك” وتنشر فيديوهات عن الطبخ، وعن الأكل الصحي، وعن “الشوبينغ”، ونقد الأغاني، وعن مواضيع تاريخية ومواضيع خفيفة، ولديها حاليا نحو 534 ألف مشترك، لكن كل شيء تغير بعد ارتكاب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجازر متتالية في قطاع غزة المحاصر.
ميغان التي كانت دائما ضاحكة ساخرة، ظهرت في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي حزينة باكية، تتحدث عن مقاطع فيديو نشرها بعض شباب غزة، تظهر حجم المأساة التي يخلفها القصف الإسرائيلي العشوائي على الأبراج والمباني السكنية وعلى المستشفيات في كل القطاع المحاصر.
“لا يمكن أن ننسى تلك الفيديوهات وتلك الصور الآتية من غزة، ستظل صورهم تطاردنا إلى الأبد” حكت ميغان باكية مضيفة “لن أنسى صورة ذلك الطبيب الذي أخبر بمقتل ابنه وذهب لرؤية جثته في ثلاجة الموتى ثم عاد إلى عمله، كما لن أنسى صورة ذلك الطفل الذي فر هاربا من البناية التي تعرضت للقصف وهو يحمل قطته”.
وتابعت “لا يوجد شيء أصعب من الإحساس بالعجز وعدم القدرة على تقديم المساعدة”، كما نشر موقع الجزيرة نت.
النبي أيوب
وسرعان ما نشرت ميغان مقطع فيديو آخر تشبه فيه حكاية الفلسطينيين بما جرى مع النبي أيوب (عليه الصلاة والسلام) وقالت إنهم مصرون على التوجه إلى الله بالشكوى والحمد حتى وهم يحملون جثث أطفالهم بين أيديهم. وقالت إن مثل تلك المشاهد تظهر إيمانا قويا ثابتا على عكس من يدعون المحبة والرحمة وهم “مجرد كذابين منافقين”.
قوة إيمان الغزيين وثباتهم في هذه الظروف الجحيمية كانت بداية ميغان رايس مع القرآن الكريم، إذ نشرت مقطعا آخر أكدت فيه أنها مستغربة جدا لقوة إيمان الفلسطينيين الذين يحمدون الله رغم فقد كل شيء، وتابعت أنها رأت الناس تقول إن الفضل في ذلك يرجع إلى الإسلام، والقرآن.
وعلقت على ذلك قائلة “أنا لدي الوقت، ولدي الفضول للبحث والمعرفة، لقد بدأت للتو قراءة القرآن لأعرف سر مصدر قوة أهل غزة”.
وتحكي ميغان أنها سرعان ما فوجئت بأشياء مثيرة جدا مع استمرار قراءتها لسور القرآن الكريم، من بينها أن أسلوبه مباشر حيث لا توجد به مقدمات، كما أنها فوجئت بأن الطلاق مسموح به في القرآن، وأن من حق المرأة أن تتطلق وتتزوج مجددا دون عوائق.
وتضيف بأن ما صعقها، وهي ذات الخلفية المسيحية، أنه من حق المرء أن يرد الظلم والاعتداء الذي وقع عليه بمثل ما اعتدي عليه، ووصفت ذلك بالأمر الرائع، وتوضح “لطالما أزعجتني قصة من صفعك على خدك الأيمن أدر له الخد الأيسر ” كما في العقيدة المسيحية.
ومن أكثر ما أثار استغرابها وإعجابها في نفس الوقت كون كثير من المسلمين يحفظون القرآن عن ظهر قلب.
مبادرة قراءة القرآن
التجربة الشخصية التي عاشتها ميغان جعلتها تفكر في تعميمها عبر إطلاق مبادرة عبر “تيك توك” لقراءة القرآن وتبادل الانطباعات والتجارب بشأن ذلك.
وأنشأت لأجل ذلك ناديا للكتاب متخصصا في الأديان، وأكدت أن البداية ستكون بقراءة القرآن ومحاولة فهمه، ثم تليه كتب مقدسة عند أديان أخرى، والهدف من ذلك إيجاد مساحة لمحاولة فهم الآخر بعيدا عن الأحكام المسبقة.
وشددت ميغان على أن أكثر ما تفتخر به في هذا النادي حديث الإنشاء أن كثيرا من الأحكام المسبقة الخاطئة يتم تصحيحها فيه.
وسرعان ما بدأ الكثير من المعجبين بصفحتها الانضمام للمبادرة التي تضم -حتى كتابة هذه السطور- أكثر من 5 آلاف شخص، وبدؤوا ينشرون مقاطع فيديو عن تجاربهم مع سور القرآن الكريم.
يهودية تسلم
ومن أبرز المشتركين يهودية أميركية يحمل حسابها اسم “جاك جاك وايلدز” أعلنت شراءها نسخة من كتاب الله العزيز، شاكرة ميغان على مبادرتها، وسرعان ما بدأت تنشر مقاطع فيديو عن تجربتها مع آيات وسور القرآن الكريم.
وفي مقطع فيديو ظهرت وايلدز بأنها تتأكد تدريجيا مع استمرار قراءتها للقرآن أنه ليس ضد حقوق النساء، وفي مقطع آخر بدت وهي مستغربة جدا من كون أسماء الأنبياء الذين ظلت تقرأ عنهم ظهروا في القرآن، بمن فيهم عيسى (عليه الصلاة والسلام).
ومن أبرز ما تحدثت عنه وايلدز أنها تعيد برمجة أفكارها مع تقدمها “في التعلم والبحث وطرح الأسئلة” واكتشافها أشياء مهمة لم تكن تعرفها من قبل، ومن بين ذلك رفض القرآن للربا وتشجيعه التجارة بعيدا عن الربا الذي يعتبر من أسس عمل الرأسمالية، وأنه يضم حقائق علمية أثبتها العلماء حديثا.
ونشرت وايلدز مقطعا يشجع على الانضمام لوقفة في شيكاغو ضد استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، ينظمها “يهود لأجل السلام” يعلنون فيها “لا تفعلوا ذلك باسمنا”.
وبثت مقطعا مؤثرا يعبر عن رعبها من حال المستشفيات في غزة ومخاطر مقتل الأطفال الخدج في حال انقطعت الكهرباء عن المستشفيات.
وأول نوفمبر/تشرين الثاني الجاري فاجأت “جاك أتاك” الجميع وأعلنت أنها أسلمت، ورددت الشهادة بالإنجليزية، وأكدت أنها ستذهب إلى المسجد في أقرب فرصة لترديدها باللغة العربية وسط المسلمين.
قراءة وتضامن
أليكس، شابة نشطة على “تيك توك” بدأت بعد العدوان على غزة في قراءة القرآن ومشاركة مقاطع منه، وهي التي كانت قبل ذلك تنشر مقاطع عادية عن الأكل والشرب والرقص.
وتغيرت منشورات صفحة أليكس يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول، عندما نشرت مقطع فيديو تعبر من خلاله عن دعمها لفلسطين مصحوبا بمقطع “أنا دمي فلسطيني” للمغني الفلسطيني محمد عساف.
ويوم 24 من الشهر الماضي، نشرت مقطع فيديو تظهر فيه اقتناءها لنسخة من المصحف الكريم، وانضمامها لحملة ميغان في قراءة القرآن.
وكان أول انطباعاتها مع آيات الصيام، خاصة وأنه كان لديها أصدقاء مسلمون يحرصون على الصيام ولديها بعض المعلومات عن هذه الفريضة الإسلامية.
ومثل ميغان، أعجبت أليكس بالأسلوب المباشر للقرآن، وتناوله للمواضيع بشكل مباشر واضح، وذلك إلى جانب حق الإنسان المظلوم في رد الاعتداء الذي يتعرض له.
ومن أهم ما نشرته أليكس مقطع يندد بقطع الاتصالات عن غزة، وينتقد بشدة الصمت على المجازر المرتكبة في غزة.
سر الإيمان
“أليس” شابة أميركية انضمت لحملة ميغان، وأكدت في مقطع فيديو يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول أنها اشترت نسختها من المصحف الكريم.
والسبب في ذلك أنها تريد معرفة سر قوة إيمان أهل غزة الذين رغم أنهم فقدوا أطفالهم وأفراد أسرتهم وكل ما يملكون إلا أنهم مستمرون في حمد الله وشكره، ويطلبون منه أن يكرم أحبابهم الذين التحقوا برحابه.
بالمقابل -تضيف أليس- تراهم لا يشككون في دينهم أو معتقداتهم، وعلقت على ذلك قائلة “لو حدث لي ما حدث لهم لكنت طرحت عدة أسئلة حول وجود إله أصلا”.
وأكدت أن أول ما صدمها وهي تقرأ القرآن اهتمام الإسلام بحقوق النساء، وتشديده على ضرورة الالتزام بمطالبهن، وأنهن متساويات في الحقوق والواجبات مع الرجال.
وتحدثت عن التعدد وقالت إنها معجبة بكونه يشهد تضييقا في الإسلام وليس “خيارا مفتوحا للجميع” خاصة إذا كان الرجل لا يستطيع الوفاء بالتزاماته فلا يمكنه التعدد البتة.
وعبرت “أليس” عن إعجابها بتحريم زواج المرء من زوجة أبيه، مؤكدة أنها خطوة مهمة ورائعة.
مضايقات بالجملة
وقد تعرضت ميغان وأليكس ووايلز وغيرهن من اللواتي انخرطن في حملة قراءة القرآن الكريم لانتقادات شديدة من طرف مؤيدين للصهيونية وإسرائيل، وتعرضن للسخرية الشديدة.
وقالت ميغان إنها تعرضت لحملة لاذعة من طرف بعض غير المسلمين يطالبونها فيها بعدم نشر أي شيء عن الإسلام لأنه دين خطير، وعلقت على ذلك قائلة “أنا أقول لهم أنا أتعلم، وأنا أبحث، وأنا أدرس، لدي الكتاب المقدس الذي ورثته عن جدتي، افتحوا عقولكم وقلوبكم قليلا”.
وعبرت ميغان عن دعمها ومشاركتها في حملة مقاطعة لعدة مؤسسات اقتصادية عالمية بينها ستارباكس، ماكدونالدز، ديزني لاند، ميغان، وأكدت أن المقاطعة ضرورية حتى تعلم تلك المؤسسات الاقتصادية “أنه يجب ألا تمول المذابح في غزة”.
وعبرت عن سخطها من “منع تيك توك فيديو لي لأنني تحدثت عن قطع الاتصالات والنت في غزة، اعتبروا المقطع مخالفا لشروط الاستخدام، ودعما لأشخاص ومنظمات خطيرة. إنهم يساهمون في استمرار المجازر لكن بطريقتهم الخاصة”. كما قالت إنهم أغلقوا بثها المباشر “خلال قراءة سورة يوسف !”.
وبالنسبة لأليكس فقد تعرضت أيضا لحملة انتقادات وتعليقات مسيئة، حيث خاطبها أحدهم وقد وضع علم إسرائيل على حسابه قائلا إنه سيمنحها 6 أشهر لتقرأ القرآن ثم تعود بعد ذلك إلى حياتها العادية، فردت عليه بمقطع فيديو تؤكد فيه أنها ستستمر في تحسين أسلوب حياتها بعيدا عن النمط الاستهلاكي، وختمت كلامها قائلة “فلسطين حرة”!
بينما عبرت جاك أتاك -في مقطع فيديو باكية- عن صدمتها العميقة للتعليقات الودودة التي توصلت بها من طرف المسلمين، وأكدت أنها لا تجد الكلمات المناسبة للتعبير عن شكرها لكل تلك التعليقات.
ومن جانبها أبرزت “أليس” أنها في طريق التعلم والبحث وتصحيح الكثير من معلوماتها عن الله تعالى، وعن الأنبياء، مبرزة مثلا أنها بدأت تنظر بشكل جديد لأبينا آدم (عليه الصلاة والسلام).
ويوما عن يوم، وبينما يزداد عدد المجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق سكان غزة ويزداد ثبات أهل القطاع المحاصر، ترتفع نسبة المشتركين في نادي ميغان لقراءة القرآن الكريم -وفي غيره- واللافت للانتباه أن جلهم من النساء، وأكثر ما يجذبهن هو دفاع القرآن عن النساء وعن حقوقهن، والتعامل معهن على نفس الدرجة مع الرجال في الأحكام.
كما تستمر ميغان -وكثيرات ممن معها بالنادي- في نشر مقاطع فيديو تفضح مجازر الاحتلال في غزة، وتكشف للأميركيين معاناة سكان القطاع وقد استهدف الاحتلال المنازل والمستشفيات والمساجد والكنائس؛ تفعل ميغان ذلك ولا تكاد تكمل المقطع بسبب بكائها الشديد تأثرا بما يعانيه الضحايا.