غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
يرى مراقبون ومحللون أنّ ما تسعى أمريكا لإعادة تسويقه من حلولٍ ميتةٍ أصبحت في طي النسيان، عبر الحديث عن “حل الدولتين”، ما هو إلا سعيٌ أمريكيٌ محمومٌ لاستمرار نفوذها وسطوتها في المنطقة وإعادة هندستها سياسيًا وأمنيًا وفقًا لرؤيتها بعد أن فشلت الحلول العسكرية بعد طوفان الأقصى، وهو الأمر الذي سيفشل وينهار على “صخرة المقاومة”.
وأكد الكاتب والمحلل السياسي حازم عياد في تصريحاته إلى المركز الفلسطيني للإعلام، أنّ استمرار أمريكا في إقحام “ملف حل الدولتين وملف التطبيع” ضمن الحوارات والنقاشات الدائرة حول وقف إطلاق النار ومرحلة ما بعد الحرب، هي محاولة أمريكية لتعويم مشروعها السياسي الذي مكنها خلال الخمسين عاما الماضية من الحديث عن السلام الأمريكي في الاتفاقيات المتتابعة التي توجتها بالاتفاقيات الإبراهيمية، وهي محاولة لتكريس هذا النفوذ وتعويمه بعد ان تعرض لانتكاسة كبيرة عقب طوفان الأقصى.
وقال عيّاد: إنّ أمريكا تعمد لإقحام هذه القضية ضمن أي ترتيبات لما بعد الحرب، أو ضمن أي مفاوضات حول وقف إطلاق النار باعتباره شرطَا أساسيًا لهذا الوقف أو للإغاثة الإنسانية الذي ستتبعه إعادة الإعمار التي يتوقع أن تنطلق عقب انتهاء الحرب على قطاع غزة.
ولفت إلى أنّها تريد أن تقفز على المطالب والحقوق الفلسطينية التي يمكن أن تطالب بها المقاومة الفلسطينية وطالما عبّرت عنها وهي رفع الحصار وانسحاب الاحتلال من كامل الضفة الغربية ومن القدس، ووقف الاعتداءات وتفكيك مستوطناته، وتحقيق تطلعاتها لدولة فلسطينية وعودة اللاجئين.
تحويل نصر الطوفان إلى هزيمة
كما شدد على أنّ أمريكا تريد إقحام هذه الملفات لأنها تريد اعترافًا فلسطينيا عربيا بالكيان الإسرائيلي ليتحول إلى كيان طبيعي، وهذا بالنسبة لها سيقلب النصر الذي حققه الفلسطينيون إلى هزيمة.
وأكد في الوقت ذاته على أنّ ذلك من شأنه أن يكرس نفوذها وسيبقي على فعالية هذا النفوذ من خلال تكريس الكيان الإسرائيلي كقوة أساسية وفاعلة في المنطقة العربية ومحور لأي مشاريع سياسية أو اقتصادية ومستقبلية.
وقال عيّاد إنّ حل الدولتين بالنسبة لأمريكا هو عنوان لنفوذها وعنوان لتأثيرها السياسي في المنطقة يؤكد على أنّها هي القادرة على ترتيب أوضاع المنطقة وهندستها سياسيًا بعد أن فشلت في هندستها عسكريًا عقب طوفان الأقصى، فكل الترسانة العسكرية الأمريكية والإسرائيلية لم تنجح في كسر شوكة المقاومة ولذلك هي تسعى لإحياء هذه المشاريع الميتة والعبثية التي لا تمثل أكثر من كونها وعودًا لن تتحقق، ولا تسعى أمريكا إلى تحقيقها؛ بل هي وسيلة لإدارة نفوذها في المنطقة العربية.
ولفت إلى أنّ هذه هي رؤية أمريكا لهذا الحل، وهذا هو الدافع الحقيقي، فهو الوسيلة الوحيدة لتعويم نفوذها بعد الضربة التي تلقتها هي وحليفتها إسرائيل التي تعد أهم أدوات هذا النفوذ، وأهمّ اختراق للمنطقة وأمنها.
هندسة المنطقة وفقًا للرؤية الأمريكية
وأشار المحلل السياسي إلى أنّ هذا الحلّ أيضًا يشمل هندسة المنطقة أمنيًا وفقًا للرؤية الأمريكية، وإدماج الكيان الصهيوني سياسيًا واقتصاديًا في المنطقة، وتقزيم الحقوق الفلسطينية في حدودٍ ضيقة، وتجاهل حقوقه الأوسع وهي حق العودة والحق في تقرير المصير وإدارة شؤونهم.
ولفت إلى أنّ “هذا المشروع لا يمكن له أن يتحقق في ظل وجود مقاومة فرضت شروطها وأكدت على أنّها الفاعل الرئيسي في المنطقة”.
ونوّه عيّاد إلى أنّ “أمريكا تعوّل على محاولات إحياء السلطة من زاوية التنسيق الأمني ومن زاوية الدور الوظيفي الذي تحدده الإدارة الأمريكية، وهي بالنسبة لها تعتبر عنصرًا أساسيًا من هذا المشروع الأمريكي، ولا يُتوقع أن تنجح الولايات المتحدة في ترميم مشروع السلطة المرتبط بآليات التنسيق الأمني الأمريكي”.
وخلص في حديثه إلى المركز الفلسطيني للإعلام للقول: إنّ كل هذه المحاولات ستتحطم على صخرة المقاومة وصخرة المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني وهي بداية لنهاية النفوذ الأمريكي، وتفرده في فرض الحلول على المنطقة العربية والشعب الفلسطيني.
التحرر والاستقلال وتحقيق الحلم
وفي هذا السياق، عبر رئيس حركة حماس في الخارج، خالد مشعل عن رفض حركته والشعب الفلسطيني مصطلح حل الدولتين؛ مشددا على أن شعبنا الفلسطيني يطلب التحرر والتخلص من الاحتلال والاستقلال وإنشاء الدولة الفلسطينية.
وقال مشعل في تصريحاتٍ صحفيةٍ:” إن الغرب يتحدث أن معركة 7 أكتوبر فتحت أفقا لموضوع الرؤية السياسية ومن هنا يعودون إلى بضاعتهم القديمة وهي حل الدولتين”، موضحاً أن حماس لا تقبل بمصطلح حل الدولتين وهو مرفوض، لأنه يعنى أن لنا دولة موعودة في الوقت المطلوب أن نعترف بشرعية بالدولة الأخرى التي هي الكيان الصهيوني وهذا مرفوض رفضاً قاطعاً”.
وبين أن موقف حماس وموقف الشعب الفلسطيني في غالبيته العظمى خاصة بعد 7 أكتوبر تجدد الحلم والأمل بفلسطين من البحر إلى النهر ومن الشمال إلى الجنوب، وتساءل لماذا الفلسطيني عليه أن يقبل خُمس فلسطين ويصبح هذا هو الحل النهائي!؟، مبيناً أن حدود 67 تمثل 21% عمليا خُمس فلسطين، فلذلك لا يمكن القبول بذلك.
وهم العودة إلى ما قبل الطوفان
وقال الكاتب وائل قنديل في مقالته بصحيفة “العربي الجديد”: سوف تتوقّف الحرب، مهما طال الوقت أو قصُر، وسينتهي العدوان الأكثر همجيةً ونازيةً في التاريخ، وسيعود الضحايا إلى أطلال بيوتهم المدمّرة بفعل القصف الصهيوني، لكن شيئًا واحداً لا يمكن أن يعود، وهو الوضع الفلسطيني قبل 7 أكتوبر.
وأضاف بالقول: يُخطئ من يتصوّر أو يتوّهم أن بالإمكان استعادة معادلة الصراع كما كانت قبل “طوفان الأقصى”، فهذه نتيجةٌ مستحيلةٌ تجاوزها الزمن، ولن يعود إليها، والنتائج المستحيلة هي بالضرورة تعبّر عن خطأ في التقدير وفي القراءة، وليس أكثر خطأً من قراءة 7 أكتوبر أنه كان لحظة عابرة، مقطوعة الصلة بما كان قبلها وما سوف يأتي بعدها.
وختم بالقول: إنّ أصغر طفل فلسطيني يؤمن بأن ما جرى ويجري هو واحدةٌ من جولات معركة الحلم المؤجّل منذ 76 عاما، فلا تضحكوا على أنفسكم بأوهام ما قبل الطوفان وما بعده، وكما قلتُ سابقاً في ملحمة صمود المقدسيين بوجه الاحتلال والدفاع عن المسجد الأقصى: كل الأوهام سقطت في ليالي القدس المباركة، واستردّت الكلمات معانيها الصحيحة والحقيقية، فعرف الكلُّ أن التطبيع الحقيقي هو أن تحتضن شقيقك الفلسطيني وتصير القدس قدسك كما هي قدسُه، والأرض أرضك كما هي أرضه، والوجع وجعكما معًا والحلم حلمكما على السواء، والاحتلال ينهش روحك كما ينهش روحه، ويهينك كما يهينه”.