[[{“value”:”
المركز الفلسطيني للإعلام
في الوقت الذي كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تتوغل في رفح بأقصى جنوب قطاع غزة، وفي جباليا بشماله، هاجم الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية، غادي آيزنكوت، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، واتّهمه بأنّه يبيع الوهم للإسرائيليين، وأنّه لن يحقّق أي نصر كامل في قطاع غزة.
وأكّد آيزنكوت في “مؤتمر مائير داغان للأمن والاستراتيجية”، الذي عقد في أواخر مايو/ أيار الماضي، أنّ من يقول “إننا سنحل كتائب رفح التابعة لحماس ثم نعيد المختطفين، يزرع الوهم الكاذب. هذا موضوع أكثر تعقيداً”. وأضاف: “الحقيقة أنّ الأمر سيستغرق من ثلاث إلى خمس سنوات لتحقيق استقرار جيد، ثم سنوات عديدة أخرى لتشكيل حكومة أخرى. النصر الكامل هو مجرد شعار جذاب».
ووصف آيزنكوت رئيس الوزراء الإسرائيلي بالفاشل، مشيراً إلى أنّ ثمة طرقاً للنصر في غزة، وليس من بينها الانتصار الكامل على حركة أيديولوجية، لو جرت انتخابات اليوم لكانت ستفوز بها، في إشارة إلى حركة حماس.
المأزق الكبير
من جهته، يقول الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، إنّ نتنياهو صوّر الهجوم على رفح على أنّه المهمة الأخيرة التي تفصل إسرائيل عن إعلان النصر في حربها على غزة. بينما يرى الباحث أنّ غالبية الإسرائيليين فقدوا ثقتهم بإدارة نتنياهو، ولم يعودوا يُصدّقون ما يقوله عن الحرب.
ويضيف علوش أنّه مع دخول شهرها الثامن والعجز العسكري الإسرائيلي المتواصل في تحقيق أهدافها، وآثارها الكبيرة على إسرائيل وعلاقاتها بالعالم، وعودة الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية، يَظهر بوضوح أن إسرائيل لا تخسر الحرب فحسب، بل صنعت لنفسها مأزقاً إستراتيجياً كبيراً يصعب الخروج منه.
مقتل 3 عسكريين من كتيبة ناحال بتفجير عبوة داخل منزل في رفح
ويتابع الباحث أنّه على عكس الأشهر الماضية، عندما كانت إسرائيل تتعمّد القتل والتدمير الهائل على نطاق واسع كوسيلة لتحقيق نصر سريع، فإن الهجوم على رفح مُصمم بدرجة رئيسية كوسيلة للضّغط على حماس من أجل انتزاع صفقة تُساعد نتنياهو على الادّعاء بأنه استطاع تحقيق أهداف الحرب، والانصراف بعد ذلك إلى توظيف الصفقة في معركته الداخلية للخروج من هذه الحرب بأقلّ ضرر عليه.
وهنا يجد نتنياهو نفسه عالقاً بين أوهامه بتحقيق النصر وبين واقع الصمود الذي تسطّره المقاومة. وبالتالي، يرى علوش أنّ المقترح الإسرائيلي الجديد لإبرام صفقة شاملة مع حماس، والذي أعلنه الرئيس الأميركي بايدن وليس نتنياهو، يُظهر حجمَ المأزق الإستراتيجي الكبير الذي تواجهه إسرائيل أوّلاً، ونتنياهو ثانياً.
السير وراء السراب
وفي سياق متصل، يقول الكاتب والمحلل الفلسطيني، أحمد الحيلة، إنّ بنيامين نتنياهو يكرّر الحديث عن هدفه بتحقيق “النصر المطلق” في عدوانه المتواصل على قطاع غزة منذ ثمانية أشهر، وهو ما دعا العديد من القيادات السياسية والمرجعيات العسكرية الإسرائيلية إلى تسخيف تلك المقولة، ودحضها بكونها مجرد أوهام في رأس نتنياهو.
ويؤكّد الكاتب أنّ نتنياهو يُدرك أنّ الحرب لم تحقّق أهدافها التي أعلنها منذ اليوم الأول، ويُدرك أيضاً أنّ الأفق صعب ومعقّد، وأكبر من السيطرة عليه ودفعه بالاتجاه الذي يريده في المدى المنظور.
وبالإشارة إلى مدينة رفح التي دخلها جيش الاحتلال لتكون الحلقة الأخيرة والحاسمة في تحقيق النصر المطلق بالقضاء على ما تبقى من كتائب القسام، يؤكّد الحيلة أنّ المقاومة ما زالت تقاتل فيها بقوّة، موقعة خسائر فادحة في جيش الاحتلال.
ويضيف أنّ ذلك يحدث بالتوازي مع معارك أكثر شراسة في شمال القطاع، ولا سيما في منطقة جباليا التي شهدت عملية أسر وقتل عدد من الجنود، ذكّرتنا بمعركة السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي، في رسالة واضحة أنّ المقاومة ما زالت فاعلة في عموم القطاع.
العتاد العسكري للجنود الذين وقعوا في كمين القسام بجباليا
ويتابع الكاتب أنّ هذا تحديداً هو حال حكومة الحرب بقيادة نتنياهو التي وعدت بالقضاء على حماس والمقاومة خلال الشهر الأوّل من المعركة، ثم بنهاية العام الماضي، ثم مع دخول مدينة خان يونس مطلع العام الجاري، إلى أن وصلت إلى مدينة رفح بعد سبعة أشهر من القتال المتواصل، وما زالت تَطرح آجالاً جديدة هي بين الأشهر والسنوات.
والنتيجة التي وصلت إليها حكومة نتنياهو، كما يرى الحيلة، أنّ العديد من وزرائه باتوا يدركون أنّ الحرب وصلت إلى طريق مسدود، ويرون أنّ إطلاق سراح الأسرى يجب أن يشكّل أولوية، لكن بنيامين نتنياهو نفسه لا يزال مصرّاً على موقفه رغم ذلك.
ويشدّد الكاتب على أنّ إصرار نتنياهو يعود لأسباب شخصية وسياسية وأيديولوجية لديه؛ فنهاية الحرب دون تحقيق “نصر مطلق”، ستنهي مستقبله السياسي وتحمّله مسؤولية الفشل، وستضعه في مواجهة ملفات الفساد التي تلاحقه أمام القضاء.
خسارة الحرب الإعلامية
وبالتوازي مع الحرب العسكرية، هناك حرب إعلامية تدور رحاها في وسائل الإعلام العالمية والمحلّية، وخصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يعجز اللوبي الصهيوني عن توجيهها أو التحكم بها.
تقول الصحيفة الفرنسية “لوفيغارو” إنّ مقطع الفيديو الذي يظهر خياماً تشتعل فيها النيران بمخيم للاجئين الفلسطينيين في رفح، حيث قتل 45 شخصاً في قصف إسرائيلي، صدم الرأي العام وأكد بشكل قاطع هزيمة إسرائيل في الحرب الإعلامية وتدهور وضعها في العالم.
وأوضحت الصحيفة، في عمود بقلم رينو جيرار، أنّ مقطع الفيديو الذي انتشر على نطاق واسع للخيام التي تشتعل فيها النيران، يعادل صورة الفتاة الصغيرة التي أحرقت بـ “النابالم” في حرب فيتنام، وهي تركض عارية على الطريق، وعلى وجهها علامات الرعب.
خيام النازحين برفح تحترق بفعل قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي
وذكّر الكاتب بأنّ تلك الصورة والتقارير الواردة، من فيتنام وقتها، حولت الرأي العام ضد الحرب، ليقرر الكونغرس حينها تخلي الولايات المتحدة عن فيتنام الجنوبية، وهو ما تسبب في هزيمها في أقل من عام.
ويتابع جيرار، وها هي إسرائيل كذلك تخسر حربها الإعلامية اليوم في غزة، رغم ما لذلك من أهمية كبيرة في الصراعات المعاصرة، بسبب الاستخدام الواسع النطاق للهواتف الذكية المزودة بكاميرات التي يمكنها نشر الصور على الفور عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
ويختم الكاتب بقوله: “إذا كان الإسرائيليون قد عرفوا دائما كيف يبقون وسائل الإعلام الغربية والرأي العام الغربي إلى جانبهم، فإنّ صورتهم كضحايا للمحرقة في ذهن العالم تحولت تدريجياً إلى صورة الظالم المتسلط، وهو ما أدّى إلى تدهور صورتهم في العالم”.
“}]]