[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
تتفق روايات الأسرى ممن أفرج عنهم أخيراً مع آخرين عايشوا بدايات الثورة الفلسطينية، بأن سجون الاحتلال الإسرائيلي تشهد أنواعًا من التعذيب هي الأكثر فظاعة بشاعة وسادية، بشكل لا يتصوره عقل، لكن شهادات أسرى ما بعد السابع من أكتوبر تختلف تماماً عما عايشه الأسرى قبل بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
يقول أحد أسرى غزة المفرج عنهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي، إن نحو 30 جندياً تناوبوا على ضربه خلال وقت قصير من اعتقاله في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ووثق المركز الفلسطيني للإعلام شهادة المحرر زين الدين، والذي اكتفى بالتعريف عن اسمه الأول، مبيناً أنه أمضى 25 يوماً في سجون الاحتلال دون أن يعرف المكان الذي احتجز فيه.
ويروي الشاب أنه تعرض لأنوع مختلفة من التعذيب والحرمان، كالشبح المستمر طوال أسبوع والضرب على مختلف أماكن جسدنا، والحرمان من قضاء الحاجة أو الحصول على الماء.
يقول: “طلب ذات مرة من أحد الجنود الماء. سألني الجندي عن حاجتي للماء حقاً، فأخبرته بأنني أشعر بالعطش، فطلب مني فتح فمي وبصق بداخله”.
خسر زين الدين 20 كجم من وزنه في السجن وبصحة متردية وبعظام مكسرة، مبيناً أن الأسرى يحرمون من تناول الطعام لفترات طويلة، “يعطوننا طيلة اليوم قطعة من الخبز، مع قطعة صغيرة من الجبن، بالكاد تكفي طفل صغير، إضافة لحرماننا من النوم ومن الاستحمام”.
ويصف الشاب الأيام التي قضاها في المعتقل بأنها “جنهم”، مشددا أن كل ما يمكن تخيله من أساليب تعذيب تعرض لها رفقة الأسرى، من ضرب همجي وسب وشتم، وإجبار على ترديد مسبات للأمهات والأعراض، وتعمد بعض السجانين شتم ديننا والنبي محمد”.
ويلخص زين الدين شهادته عن سجون الاحتلال بأن “الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود، لهول ما يتعرض له الأسرى من بشاعات وانتهاكات وظلم كبير لا تطيقه الجبال”.
حفلات التعذيب
ووفق شهادات نشرتها هيئة شؤون الأسرى، فإن معظم أسرى قطاع غزة، تعرضوا للإغماء، عدة مرات خلال التعذيب، بينما بات شائعا في السجون ما يسمى بـ”حفلات التعذيب”، حيث يجمع سجانو الاحتلال الأسرى في ساحة معينة، ويمارس بحقهم تعذيبًا ساديا ووحشيا مروعًا.
ثلاثة من الأسرى زارتهم الهيئة ونقل عنهم محاميها شهادات مروعة، جاء فيها: “نتعرض لفاشية حقيقية، تعرية من الملابس، وضرب وتعذيب وتنكيل، وتقييد الأيدي والأرجل، وتعصيب العينين”.
ويضيف الأسرى الثلاثة أنهم حولوا إلى لفرائس لهذه الوحوش المسعورة، التي تتلذذ بجوعنا وعطشنا وصراخنا، ومرضنا، لدرجة أننا لسنا متخليين أننا على قيد الحياة.
وتتابع الهيئة سرد شهادة الأسرى: “رحلة الموت تبدأ من لحظة الاعتقال، مرورًا بالنقل في العربات والشاحنات العسكرية، وصولا إلى السجون التي تمنينا الموت قبل أن نصلها، لما رأيناه من حقد وجنون، من جنود في بدايات أعمارهم، ينكلون بنا، ويعذبونا بشكل لا يوصف”.
ويضيف الأسرى الثلاثة: “منذ اعتقالنا، نقضي معظم وقتنا جالسين على أقدامنا، أو منبطحين على بطوننا، واستخدمت الكلاب في ترهيبنا، والاعتداء علينا، لا نبالغ إن قلنا أن معظم أسرى غزة فقدوا الوعي مرات عدة بفعل التعذيب الممنهج”.
تجويع وتعذيب وحشي
وتطابقت شهادات أسرى من غزة أفرجت عنهم سلطات الاحتلال قبل أيام، مع محررين آخرين أكدوا تعرضهم للتجويع وأنهم لم يشبعوا منذ 7 أكتوبر الماضي، “فما كان يقدم وجبات سيئة وبملاعق معدودة”.
وأوضحوا أن الأسرى يحرمون من الماء لمدة 23 ساعة، وخلال ساعة واحدة عليهم قضاء كل احتياجاتهم من الماء شربًا ووضوء ونظافة.
ويشير الأسرى إلى استخدام جنود الاحتلال أساليب متعددة للشبح وبوضعيات مختلفة، ولساعات طويلة، أشدها قساوة أسلوب شبح “الموزة”، وتقييد أيدي الأسرى بأرجهم من الخلف وهم جالسون على الكراسي، وإجبارهم على الوقوف لفترات طويلة وقضاء حاجتهم وقت الشبح.
ووثقت تقارير حقوقية عديدة لمؤسسات نادي الأسير، وهيئة شؤون الأسرى، تعرض الأسرى لإهمال طبي كبير وحرمان من الرعاية الطبية تسبب بانتشار الأمراض الجلدية، وإطلاق الكلاب البوليسية الجائعة على الأسرى لنهشهم.
وبينت التقارير أن النتائج التعذيب الوحشي تسبب في استشهاد عشرات الأسرى، وبتر أعضاء وأطراف آخرين، وفقدان بعضهم الذاكرة، مشيرة إلى أن الأسرى الذي أفرج عنهم خرجوا بأجساد منهكة ونقصان مرعب في الوزن قد يصل 40 كيلو جرام في 6 أشهر.
“أهلا بكم في جنهم”
“أهلا بكم في جنهم”، هو عنوان تقرير موسع نشرته منظمة “بتسليم” الحقوقية الإسرائيلية، وهي الجملة التي استقبل بها أحد الجنود مجموعة من أسرى غزة، مؤكدة أن تحول السجون إلى شبكات للتعذيب الممنهج.
ويسرد التقرير بشكل مفصل أدوات التعذيب التي يستخدمها الاحتلال في سجونه، مثل: غاز الفلفل، وقنابل الصوت، الهراوات الخشبية والحديدية، ومسدسات صعق الكهرباء، الكلاب المتوحشة، والضرب، واللكم، والركل، والشبح، وتعصيب الأعين لساعات وأيام وأسابيع طويلة.
كما يشمل التعذيب تقييد الأيدي والأرجل على مدار الساعة ولأسابيع طويلة، وشدها بشكل يؤدي إلى تلف الأعضاء وبترها، وإجبار الأسرى على طأطأة الرأس في وضعية القرفصاء والنوم على البطون لفترات طويلة جدًا.
وأورد تقرير “بتسليم” أدوات أخرى للتعذيب، منها: الضرب الشديد بالهراوات، والأحذية العسكرية، وكوابل الكهرباء على مختلف أنحاء الجسد، وضرب الأسرى على المناطق الحساسة.
ووثقت المؤسسة الحقوقية تعرض أسرى لأساليب تعذيب مروع كسحب العضو الذكري والخصيتين، والضرب بالمطرقة على الظهر والخصيتين، إلى جانب الاعتداءات الجنسية بوضع عصي أو أدوات حادة داخل الدبر، أو حتى من الكلاب البوليسية.
وتفيد معطيات نادي الأسير الفلسطيني باستشهاد 23 أسيرًا من غزة عرفت هوياتهم تحت التعذيب في معسكر “سديه تيمان”، مؤكدة إخفاء الاحتلال هويات العشرات من معتقلي غزة الذين استشهدوا في سجونه ومعسكراته.
في حين تؤكد تقارير حقوقية وإعلامية متطابقة، بأن الاحتلال قتل في سجونه بفعل التعذيب 60 فلسطينيًّا من قطاع غزة، فيما بدا سياسة انتقام واضحة بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي.
ويبلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال 9900، يضاف إليهم أسرى من غزة اعترف بهم الاحتلال وصنفهم بـ”مقاتلين غير شرعيين”، وعددهم 1584، بالإضافة لعدد غير معلوم في المعسكرات التابعة للجيش.
قوننة التعذيب
ووفق معطيات حقوقية نشرتها مؤسسة الضمير، أدخلت سلطات الاحتلال تعديلات على قانون “المقاتل غير الشرعي” الذي يحتجز أسرى غزة تحت مظلته.
وتؤكد المؤسسة أن هناك أساسا معقولا للادعاء بأن قوات الاحتلال تقوم بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بحق الأسرى من قطاع غزة، وبشراكة وتواطؤ من الحكومة والقضاة وسلطات إدارة السجون وقوات شرطة وجيش الاحتلال.
واستناداً لقانون “المقاتلين غير الشرعيين” يخضع أسرى غزة مباشرة للجيش وليس لإدارة السجون، ويمنع أي تواصل معهم عن طريق الصليب الأحمر أو المحامين، ولا يصرح بأسمائهم أو ظروف احتجازهم.
ويتيح القانون المعدل اعتقال أي شخص دون عرضه على أي سلطة قانونية حتى 75 يومًا، من بداية الاعتقال، إضافة إلى عدم السماح بأي استشارة قانونية لفترة تصل إلى 6 أشهر.
كما أجرت سلطات الاحتلال عدة تعديلات على قانون “الاعتقالات 1996” والتي أتاحت تمديد التوقيف كل مرة مدة 45 يوما لأغراض التحقيق الذي قد يصل إلى فترة 6 أشهر، دون أدنى رقابة قضائية حقيقية خلال هذه الفترة على ممارسات التعذيب والمعاملة الحاطة من الكرامة.
واستناداً لهذه التعديلات تتبع إدارة السجون سياسة الحد الأدنى مع الأسرى الأمنيين، وذلك بتقليص الحيز المعيشي لهم، وحرمانهم الخروج من الغرف، والحرمان من التعرض للشمس، والحرمان من الملابس وتبديلها، والحرمان من قص أظافرهم ولحاهم، ومنعهم من الاستحمام.
كما يتيح تعديل قانون أنظمة إدارة السجون لحالة الطوارئ الاعتقالية (قانون مؤقت/ السيوف الحديدية)، سحب كافة مقتنيات الأسرى، المنع من الصلاة، ومصادرة المصاحف، ومعاقبة الغرف التي يسمع فيها صوات الأذان، وسحب الأغطية والفراش، وكذلك اتباع سياسة القفل التي تتضمن إغلاق غرف السجن والعزلة التامة وإغلاق السجون أمام الزائرين من الأهل أو مندوبي منظمة الصليب الأحمر أو المحامين.
“}]]