[[{“value”:”
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام
في وقت يعيش في مئات آلاف الفلسطينيين أوضاعًا قاسية في خيام التهجير بفعل النكبة الثانية، جاء قرار إسرائيل بحظر شاهد نكبتهم الأولى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”.
وصوت الكنيست الإسرائيلي الاثنين، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024، على تشريعين مصممين لتعطيل عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة.
ويُنهي أحد التشريعين الاتفاقية الموقعة عام 1967 بين دولة الاحتلال والأونروا بشكل فوري، بينما يحظر التشريع الآخر عمل الأونروا في ما يشار إليه بـ “الأراضي السيادية لدولة إسرائيل” (الأرض الفلسطينية المحتلة)، وهو ما سيسمح، حال دخوله حيز التنفيذ في غضون 90 يوماً، بإغلاق مقر الأونروا في القدس المحتلة، حيث تُدار عمليات الأونروا لجميع الأرض الفلسطينية المحتلة، وبالتالي سيُحرم ملايين اللاجئات واللاجئين الفلسطينيين في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة من خدمات أساسية تقدمها الأونروا، خاصة في التعليم والرعاية الصحية.
ومنذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، عمدت حكومة الاحتلال إلى مهاجمة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، وبدأت خطة إنهاء وجودها عبر منعها من ممارسة عملها وعرقلته، واستبدال عملياتها على الأرض بمؤسسات دولية وأممية أخرى، وصولاً إلى إصدار تشريع جديد يحظر عملها، ومصادرة مقرها الرئيسي في القدس المحتلة.
تخوفات مشروعة
اللاجئون الفلسطينيون في قطاع غزة والضفة الغربية عبروا عن تخوفهم من أن يؤثر قرار الاحتلال هذا على الخدمات التي تقدمها الوكالة لهم سميا التعليم والإغاثة والصحة، مؤكدين أن القرار الإسرائيلي قد ينهي عمل الوكالة الذي استمر منذ 7 عقود.
اللاجئ محمود بصلة (66 عامًا) قال لمراسلنا: “ما بكفي قتلنا بالصواريخ، يريدون إنهاء الشاهد الأخير على نكبتنا، يريدون قتلنا بالجوع والمرض” وشدد أن الأوضاع مأساوية في ظل عمل الوكالة متسائلًا: كيف هيكون الوضع بعد حظرها؟.
اللاجئ بصلة من عائلة هجرت من قرية الجورة عام 1948م، ويعيش حاليا في مدينة دير البلح بعد الهجوم الإسرائيلي الدامي على مدينة خان يونس في الأشهر الأولى من العام، ويصف الأشهر الأخير بـ”نكبة النزوح”.
ومنذ بدء الهجوم يعيش بصلة حياة حياة بائسة مع أسرته وأبنائه وأحفاده، في خيام متهالكة بمنطقة دير البلح، حيث تفتقر للبنية التحتية وأساسيات الحياة. وتؤوي المنطقة مئات آلاف الأسر النازحة، التي تعود جذورها أصلا لعائلات لاجئة تشرف “أونروا” على الخدمات المقدمة لها بالرعاية الصحية والتعليم والاحتياجات الأساسية منذ النكبة.
ويشير بصلة إلى أن وكالة الغوث تواجه التقييد الإسرائيلي لخدماتها منذ سنوات طويلة، وفي حرب الإبادة واجهت الوكالة الأممية الهجمة الأشد خطورة في محاولة لإنهاء عملها، من خلال التحريض المستمر عليها من أعلى المستويات في دولة الاحتلال، وصولا لقرار الكنيست حظرها بالقراءة النهائية.
ضمن حرب الإبادة
مراسلنا تجول في خيام النازحين في وسط دير البلح، وأكد كثير منهم أن قرار حظر الأونروا، يندرج في سياق حرب الإبادة الشاملة ضد الشعب الفلسطيني، ومحاولة تصفية قضيته وإنهاء وجوده على هذه الأرض.
وقالت المواطنة أم إياد يونس والتي تندرج من قرية “بربرة” وتنزح في خيمة مهترئة في منطقة البصة بدير البلح، أن قرار حظر الوكالة يعني قرار بالإعدام بحق آلاف اللاجئين، تقول: احنا بالوكالة ميتين وجوعى، فماذا سيحصل لنا لو ألغيت بالكامل.
وأضافت أن القرار ضد الوكالة هو سياسي لإنهاء القضية وتهويد ما تبقى من الأرض، لكنها أكدت أنهم سيفشلون.
أما المواطن حسن عطا الله فقد أكد أن حظر الوكالة هو ذروة التصعيد ضد الوكالة الأممية، مشيرًا إلى أن هذا الاستهداف ليس الأول من نوعه، حيث إن الوكالة تتعرض لحرب إسرائيلية منذ سنوات طويلة، في محاولة لتغييبها كونا الشاهد على نكبة فلسطين 48.
وتقدم وكالة “أونروا” خدماتها لأكثر من 5.5 ملايين لاجئ فلسطيني في مناطق عملياتها الخمس، بالضفة الغربية وقطاع غزة، ومخيمات الأردن ولبنان وسوريا.
ومن بين المستفيدين من خدمات الوكالة أكثر من 800 ألف لاجئ في الضفة، يعيش ربعهم في 19 مخيما، موزعة على مختلف المدن والقرى، كما أن أكثر من 70% من سكان القطاع البالغ تعدادهم مليونين و200 ألف هم من اللاجئين، ويتركز وجودهم في 8 مخيمات.
المواجهة في الأمم المتحدة
وفي السياق، أكد المستشار الإعلامي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” عدنان أبو حسنة أن مصادقة “الكنيست الإسرائيلي” على مشروعي قانون يحظران عمل الوكالة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 والقدس، قضية أكبر من وكالة “أونروا” وأن التحركات بشأنها يجب أن تكون في الأمم المتحدة ودول العالم التي رفضت هذا القرار.
وأشار إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة سيتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لوضعها في صورة “الحدث الجلل” الذي أدى لـ “حظر أونروا”، راجياً أن يكون هناك تحرك لإيقاف هذا القرار وتداعياته الخطيرة.
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيرتش” أنه سيعرض قرار “الكنيست” أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة – التي أنشئت “أونروا” بموجب القرار (302) الصادر من قبلها- مشدداً على أن لا بديل لوكالة “أونروا”.
وقال في منشور له على منصة (X ): ” إذا تم تنفيذ القوانين التي أقرها الكنيست الإسرائيلي اليوم، فمن المرجح أن تمنع (أونروا) من مواصلة عملها الأساسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع عواقب مدمرة على اللاجئين الفلسطينيين”، داعياً “إسرائيل” إلى “التصرف بشكل متسق مع التزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، حيث لا يمكن للتشريعات الوطنية أن تغير تلك الالتزامات”.
ومن جهته، أكد المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “فيليبو غراندي” أن ملايين الفلسطينيين سوف يُحرمون من الدعم الحيوي بما في ذلك خدمات التعليم والصحة إذا ما استمر عمل “أونروا” والتي تمتلك وحدها تفويضها والقدرة على تقديمها.
وقال “غراندي” عبر حسابه في منصة (X): إنه ينضم للأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” في الدعوة إلى استمرار عمل “اونروا”.
الذاكرة الجمعية للاجئين
فيما علقت مديرة العلاقات الخارجية والإعلام في وكالة “أونروا” تمارا الرفاعي على قرار حظر عملها في الأراضي الفلسطينية المحتلة بالقول:” إن أونروا تمثل الذاكرة الجماعية لوضع اللاجئين الفلسطينيين إلى جانب الخدمات التي تقدمها من تعليم وصحة وحماية”.
وأكدت أن اللاجئين الفلسطينيين يجدون الوكالة الأممية الكيانَ التابع للأمم المتحدة التي وافقت الجمعية العامة والمجتمع الدولي على تأسيسها، كما أنها ستبقى تمثل الـ 75 عاما من اللجوء والحرمان مشيرة إلى أن هذا جوهر هوية “أونروا” حتى لو انهارت خدماتها ستظل ممثلة للفلسطينيين.
حرب ممنهجة
وبدوره، قال رئيس “المرصد الأورومتوسطي لحوق الإنسان” رامي عبده إن “إصرار إسرائيل على إضفاء الصبغة القانونية على إجراءاتها المتلاحقة منذ سنوات ضد الأونروا يشكل إعلان حرب على مجتمع اللاجئين، وهم من أكثر الفئات ضعفا وحاجة للدعم الإنساني في المجتمع الفلسطيني”.
وأشار عبده أن هذا القرار يأتي في وقت تشتد ظروف اللاجئين والنازحين المعيشية تدهورا على كافة المجالات، بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة للعام الثاني في القطاع، وعملياتها العسكرية والحصار الشامل في الضفة الغربية”.
ويشدد على أن حظر أونروا وتقويض عملها بهذا الشكل -بعد سلسلة من الإجراءات السابقة بما في ذلك قتل 223 موظفا فيها وتدمير نحو ثلثي مرافقها في القطاع- “يشكل صفحة سوداء في تاريخ الأمم المتحدة، وعجزها عن حماية حتى وكالاتها وساحات عملها وقراراتها”.
وقد تصبح الوكالة الأممية عمليا “عاجزة -بفعل الإجراءات الإسرائيلية الجديدة- عن تقديم المساعدات الإنسانية والتعليم والخدمات الأساسية الأخرى”، وبالتالي حرمان ملايين اللاجئين من الغذاء والتعليم والعناية الصحية خاصة في القطاع، بحسب الناشط الحقوقي.
ويرى عبده أن “إسرائيل تريد استغلال الصمت الدولي المشين على مجمل سياساتها، بالتخلص من أونروا مرة واحدة وللأبد، ومحو قضية اللاجئين، فضلا عن تكريس المجاعة في غزة، في إطار جريمة الإبادة الجماعية المستمرة لصالح مخطط إفراغ القطاع من سكانه وفرض التهجير القسري”.
“}]]