جوع ومرض وقصف.. ثالوث يتربص بغزة وأطفالها

 ​   

غزة/PNNيواجه آلاف الفلسطينيين، خاصة الأطفال، شمالي قطاع غزة خطر الجوع والعطش والمرض، إلى جانب القصف الإسرائيلي المستمر منذ أشهر.

لم يعد الطفل فاروق أبو قمر (15 شهرًا)، يقوى على البكاء من شدة الجوع، فمعدته فارغة منذ عدة أيام بفعل النقص الحاد في المواد الغذائية شمالي قطاع غزة، وفقًا لما ذكرت وكالة “الأناضول”.

ويجلس والد الطفل، محمود أبو قمر، إلى جواره على سرير المرض داخل مستشفى كمال عدوان في بلدة بيت لاهيا، بانتظار تحسن حالة ابنه الصحية، وسط شعوره بالعجز تجاه طفله، الذي لا يستطيع تقديم الطعام له ليسكته.

ووصل سوء التغذية الحاد العام في غزة إلى 16.2%، وهي نسبة تتخطى العتبة الحرجة، التي تحددها منظمة الصحة العالمية عند 15%، كما توجد زيادة كبيرة في نسبة سوء التغذية الحاد العام بين الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و59 شهرا.

أيام دون طعام
وقال أبو قمر: “إنّ المرض سيطر على فاروق بسبب الإعياء الشديد والهزال اللذين أصاباه بفعل شح الغذاء والماء”، وأضاف: “يستيقظ فاروق باكيًا كل ليلة من شدة الجوع وقرقرة بطنه، لكننا لا نجد ما نطعمه إياه، حتى علف الحيوانات الذي كنا نأكله لم يعد متوفرًا”.

وأشار أبو قمر إلى أنه “في شمال غزة، نعيش دون أرز، دون خضار، دون طحين، دون أي مواد غذائية، المساعدات الغذائية والإغاثية لا تدخل”.

ولجأ سكان غزة والشمال إلى طحن علف الحيوانات للحصول على الدقيق اللازم لإعداد الخبز وضمان بقائهم على قيد الحياة، لكن مخزون تلك الحبوب يتضاءل بشكل كبير، حيث يجدون أنفسهم غالبًا يمضون أيامًا كاملة دون تناول الطعام، الأمر الذي يتطلب من البالغين تحمل الجوع حتى يتسنى للأطفال الحصول على الطعام.

ما ذنب الأطفال؟
وعلى سرير مجاور، يرقد الطفل أحمد حماد (3 سنوات) الذي يعاني من ارتفاع حرارته بشكل شديد، ويحاول والده بكل جهده التخفيف من حرارته وآلامه عبر وضع كمادات ماء باردة.

وقال والد حماد، إن “المرض يجتاح جسد طفلي الصغير بلا رحمة، هذا الجسد الذي أرهقته حياة صعبة ومجاعة لا تنتهي، لا أعرف كيف أتصرف أمام صرخاته القاسية وهو يتضور جوعًا”.

وأضاف “لجأنا لطحن علف الحيوانات وأكل لحوم الطيور، للتخفيف من جوع أطفالنا، لم أتخيل يومًا أن نصل إلى هذه الحالة، لم أتوقع أبدًا أن نضطر لتناول طعام الحيوانات”.

وتساءل: “ما ذنبنا؟ ما ذنب الأطفال؟ في شمال قطاع غزة، من ينجو من القصف لا ينجو من الجوع والعطش”، مضيفًا “لقد متنا جوعًا، لا يوجد طعام، نحن جائعون جدًا، هنا لا ماء ولا طعام، نريد أن تتوقف الحرب لنعود إلى حياتنا الطبيعية”.

وحفر العديد من سكان شمال غزة في الشوارع الترابية وفي أرصفة الشوارع للوصول إلى خطوط المياه للحصول على احتياجاتهم للشرب والغسيل، في ظل النقص الحاد بالمياه وأزمة العطش التي تعيشها غزة والشمال.

تدخلات متزايدة
وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، مؤخرًا أنه بين الأول من شهر كانون الثاني/ يناير الماضي والـ12 من شهر شباط/ فبراير الجاري، رفضت إسرائيل وصول 51% من بعثات خططت لها المنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني لإيصال المعونات وإجراء تقييمات إلى المناطق الواقعة إلى الشمال من وادي غزة.

وبحسب الأمم المتحدة، تشير التقارير إلى تزايد المستويات الكارثية لانعدام الأمن الغذائي الحاد في شتى أرجاء القطاع، حيث يتزايد عدد التقارير عن الأسر التي تكافح من أجل إطعام أطفالها، ويزداد خطر الوفيات الناجمة عن الجوع في شمال القطاع.

وأوضح مكتب “أوتشا”، إن أكثر من نصف شحنات المساعدات إلى شمال غزة منعت من الوصول الشهر الماضي، وأن هناك تدخلا متزايدا من الجيش الإسرائيلي في كيفية ومكان تسليم المساعدات.

ونوه إلى أن ما يقدر بـ300 ألف شخص يعيشون في المناطق الشمالية محرومون إلى حد كبير من الحصول على المساعدات، ويواجهون خطر المجاعة المتزايد.

تأثيرات المجاعة

وقال مدير مستشفى كمال عدوان الطبيب حسام أبو صفية، إنّ “سكان شمال غزة بدؤوا يتأثرون بالمجاعة وقلة التغذية المنتشرة بسبب الحصار الإسرائيلي”.

وبين “أن أغلب الحالات المدخلة إلى مستشفى كمال عدوان تصل في وضع حرج جدًا بسبب سوء التغذية”، منوهًا إلى أن “الأطفال المرضى القادمين من مراكز الإيواء يصلون المشفى في وضع حرج جدا جراء إصابتهم بنزلات معوية وأمراض تسبب لهم جفافًا متقدمًا يتطلب تدخلًا علاجيًا عاجلًا ومتقدمًا”.

وأشار أبو صفية إلى أن “قيام الطواقم الطبية بإدخال المرضى إلى أقسام العناية المركزة لحاجتها إلى المراقبة الطبية والعلاجية على مدار الساعة”، محذرًا “من أن قلة المستهلكة الطبية والمعدات والأدوات الطبية في مشفى كمال عدوان ونقص التغذية السليمة تهدد بأن تحصد هذه المجاعة الكثير من الأرواح”.

وأكد أن “الكادر الطبي في المشفى يعاني من المجاعة كالمرضى، وإدارة المستشفى عاجزة عن توفير وجبة طعام سليمة للكادر العامل في المستشفى، الذي يقدم الخدمة الصحية على مدار الساعة”.

وتساءل: “كيف سيقدم الطبيب أو الحكيم الخدمة الصحية للمريض وهو جائع؟، للأسف الجوع ينهش أجساد المرضى والكوادر الطبية والسكان شمال غزة”.

تحذيرات أممية
وأعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في الـ17 من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن السكان في شمال قطاع غزة أصبحوا “على حافة المجاعة ولا ملاذ يأوون إليه” في ظل الحرب المستمرة.

ولغاية يوم أمس الخميس، خلَّفت الحرب الإسرائيلية على غزة “29 ألفا و410 شهداء و69 ألفا و465 مصابا، معظمهم أطفال ونساء”، بالإضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض وكارثة إنسانية “غير مسبوقة”.

  

المحتوى ذو الصلة