[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
تكشف شهادات الضحايا الناجين من جريمة الإبادة المتواصلة والتي ترتكبها قوات جيش الاحتلال في شمال قطاع غزة عن جرائم غير مسبوقة لعمليات الإعدام الميداني والتهجير القسري تحت القوة النارية، في واحدة من أفظع الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، حيث يتركب .
المسنة تمام عبد المقادمة من بلدة بيت لاهيا واحدة من الشهود على عمليات الإعدام الميداني، تروي ما عاشته من أهوال عندما قررت وأسرتها النزوح القسري من منزلها في شارع الشيماء تحت القصف المدفعي والجوي.
تقول الأم الستينية: “عندما بدأت الأمور تزداد سوءًا في شارع الشيماء بسبب كثرة القصف، تحركنا من منطقة سكنانا القريبة من عيادة الشيماء إلى منطقة عباس كيلاني في منتصف شارع الشيماء. ذهبت إلى منزل شقيقتي المتزوجة من عائلة عمر، وكذلك فعلت شقيقتي هيفاء وزوجها خالد الشافعي وأبناؤها التسعة”.
إعدام ميداني
تجمعت الأسرة في المنزل المكوّن من طابقين، إذ استقرت شقيقتها المتزوجة من عائلة الشافعي وزوجها وأطفالها في الطابق الأرضي، بينما جلست الحاجة تمام مع عائلتها وشقيقتها المتزوجة من عائلة “عمر” في الطابق الأول.
في ذلك اليوم 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بدأت آليات الاحتلال الإسرائيلي تتقدم نحو المنطقة التي تواجدت بها العوائل الثلاث في المنزل نفسه، “بقينا محاصرين، وبعد أقل من ساعتين فجّرت قوات الاحتلال باب المنزل واقتحموه علينا. بقيت مع عائلتي في الطابق العلوي، فيما كانت شقيقتي هيفاء وزوجها خالد الشافعي (58 عامًا) وأبناؤهما في الطابق السفلي”.
وتروي المقادمة في شهادتها للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ما حدث حينها: “سمعنا صوت إطلاق نار. كنا خائفين من مشاهدة ما يحدث وبقينا متجمعين في الطابق العلوي، في غرفة واحدة. ما هي إلا دقائق حتى دخل الجيش وأمرنا بالخروج مسرعين نحو المنطقة الشرقية في محيط ملعب بيت لاهيا ومدرسة أبو تمام”.
وحينما نزلت المقادمة وعائلتها إلى الطابق الأرضي وجدت زوج أختها خالد شهيداً بطلقين ناريين في بطنه والدماء تنزف منه، وابنه البكر إبراهيم (21 عاما) بطلق ناري بالرأس، “وقفت مصدومة للحظات ليهددني الجندي بالتحرك أو إطلاق النار. كان عددنا قرابة 26 شخصًا، وجدت شقيقتي هيفاء منهارة على زوجها وابنها، حاولنا إخراجها وهي تقول أريد توديعهما والجنود بعدد 12 كانوا يرفضون ذلك”.
وتضيف المقادمة: “خرجنا مسرعين من المنزل وطائرة كوادكابتر تحلق فوق رؤوسنا، وقرابة 15 جنديًا موزعين من حولنا خارج المنزل، وشقيقتي تردد وتقول: أعدموهم قدامي (أمامي). وفي طريق خروجنا، قالت شقيقتي إنه بمجرد تفجير البوابة ودخول جنود الاحتلال إلى المنزل، أطلقوا النار مباشرة على زوجها وابنها حينما كانوا واقفين في جانب الغرفة، قتلوهما دون أن يحرك أحدهما ساكنًا”.
وفي شهادتها للمرصد تقول هيفاء، زوجة الشافعي: “أمرونا بالخروج بسرعة، حاولت سحب زوجي وابني. رفضوا اقتراب أي أحد منهم، وهدودنا بالخروج تحت تهديد السلاح. حدث ذلك أمام الأطفال الصغار الذين أعدم والدهم وشقيقهم أمامهم وعددهم 4 أولاد و4 بنات”.
ولا تزال هيفاء وأطفالها يعانون من صدمة عصبية شديدة، وترفض التحدث مع أي شخص. وحتى توثيق المرصد لشهادتها، ما تزال جثة الشهيد خالد ونجله في مكان إعدامهما، حيث لم تتمكن العائلة أو طواقم الإنقاذ من الوصول لهما.
ويؤكد الأورومتوسطي توثيق عشرات جرائم القتل العمد والإعدامات الميدانية الجديدة التي نفذتها قوات جيش الاحتلال ضد عدد كبير من المدنيين شمال قطاع غزة ضمن عدوانها المتصاعد، في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها ضد الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ويرزح شمال قطاع غزة من 43 يوماً تحت حصار ناري إسرائيلي عبر قصف الجوي والمدفعي، يترافق مع عملية تجويع وقتل ممنهج بمنع للمعونات الإنسانية الغذائية، والصحية للمستشفيات، وتهجير قسري للأهالي من منازلهم بالقوة، وعزل كامل للمحافظة الشمالية عن غزة، في واحدة من أكبر عمليات التطهير العرقي في العصر الحديث.
ويشدد المرصد الحقوقي على أن آلاف الفلسطينيين المحاصرين في شمال قطاع غزة يعانون من الجوع والخوف، مبينا أن من يصاب منهم يتعذر غالبًا نقله للعلاج أو حتى علاجه ميدانيًّا، ليتوفى عدد كبير منهم ببطء بسبب عدم توفر الرعاية الطبية المنقذة للحياة.
ويشير الأورومتوسطي إلى توثيقه وجود عشرات الضحايا ممن استشهدوا تحت الأنقاض بعد قصف منازلهم دون توفر طواقم طبية أو دفاع مدني لإنقاذهم، حيث تواصل قوات الاحتلال لليوم الـ 25 تعطيل عمل الدفاع المدني وطواقم الإسعاف قسرا في مناطق شمال قطاع غزة.
تجويع وتهجير بالقوة
وفي شهادته عن الأهوال التي يعيشها سكان شمال قطاع غزة، تحدث (ع.ج) بإسهاب عن حالة الحصار وسياسة التجويع والإعدامات الميدانية التي ينفذها جيش الاحتلال في بلدة بيت لاهيا.
ويقول الرجل الخمسيني في شهادته للمرصد الحقوقي، الذي يحتفظ باسمه حفاظًا على حياته كونه ما يزال متواجدًا في منطقة خطرة: “منذ 10 أيام، تعاني بلدة بيت لاهيا من حملة إسرائيلية واسعة حيث يدفع جيش الاحتلال الناس من مناطق سكناهم نحو تجمعات معيّنة يحددها مع إخراج المواطنين من مناطق سكناهم”، مشيراً إلى أن جيش الاحتلال يدخل على المواطنين الذين ما يزالون في منازلهم ويعتقل عددًا منهم ويأمر الآخرين بالتحرك نحو المنطقة الشرقية للبلدة.
ويتركز سكان بلدة بيت لاهيا حالياً، وفقاً لشهادة (ع. ج) في 3 مآوي مجاورة لبعضها وقريبة من ملعب بيت لاهيا البلدي، وهي مدرسة أبو تمام، ومدرسة بيت لاهيا الاعدادية، ومدرسة بيت لاهيا الثانوية، مبيناً أنه ينام في مدخل مبنى مدرسة أبو تمام بسبب تكدّس النازحين داخل المأوى.
ويضيف أنه زوجته تعرضت لإصابة خطيرة في وقت سابق وتعاني من تدهور كبير في وضعها الصحي، وتضطر للنوم على الأرض رغم حاجتها الملحة لسرير بسبب إصابتها، “فهي مقعدة. وأي مواطن يحاول الذهاب للبقاء والنوم في منزله يتم قصف المنزل عليه وإطلاق قذائف مدفعية لإجباره للخروج من منزله”.
وبشأن حالة الجوع التي يعانيها السكان في بلدة بيت لاهيا، يقول (ع.ج): “حاليًّا، لا يوجد أي نوع طعام للمواطنين المتواجدين في المآوي الثلاثة والذين يقدّر عددهم بنحو 5 آلاف شخص. لتأمين الطعام، يعمل المواطنون على الخروج إلى المنازل وجلب ما تبقى من طعام هناك، وهناك العشرات الذين خرجوا لجلب الطعام ولم يعودوا بسبب إعدامهم في الشوارع”.
الكلاب تنهش جثث الضحايا
وأبرز المرصد الأورومتوسطي شهادة فلسطيني من عائلة حمودة، تمكّن من الوصول لمنزله قرب الدوار الغربي وجلب كيس طحين، قال فيها: “ونحن في طريق العودة شاهدت الكلاب تنهش في جثث ملقاة على جوانب الطريق لخمسة شبان أعرفهم من عائلتي زايد ورجب”.
وتابع: ” كان هناك كيس طحين ملقى بجانب أحد الضحايا، يبدو أنه كان نجح في الخروج بالكيس من منزله ولكن أطلق جيش الاحتلال النار عليه أثناء عودته لمأوى النزوح”.
ومضى بالقول: “وضع الطعام صعب جدًا في المآوي الثلاثة، وأي طعام نعمل على تأمينه من المنازل المجاورة نوزّعه على الأطفال أولًا وبكمية أقل على المسنين، في حين الشباب يأكلون رغيف خبز واحد يوميًّا في أحسن الأحوال”.
فشل المنظومة الدولية
وفي هذا الإطار، جدد الأورومتوسطي تأكيده أن “تلكؤ المنظومة الدولية” عن اتخاذ قرارات حاسمة تجاه مجازر الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وخاصة في شماله، “يجعلها شريكة في تلك الجرائم ويمثل ضوءًا أخضر لإسرائيل للمضي قدمًا في تصعيد جريمة الإبادة الجماعية، كما يعكس تجاهلًا صادمًا لحياة الفلسطينيين وكرامتهم”.
ويشير إلى أن المنظومة الدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية والاتحاد الأوروبي ومنظمات الأمم المتحدة المختلفة، جميعها “تعاجزت عن تحقيق الأهداف والمبادئ الأساسية التي قامت عليها، وأظهرت فشلًا مشينًا على مدار 13 شهرًا في الالتزام بحماية المدنيين ووقف جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة، وهو ما يفترض أن يكون في صميم عملها وسبب وجودها”.
وطالب الأورومتوسطي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتدخل الفوري لإنقاذ مئات الآلاف من سكان شمالي غزة، ووقف جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل للعام الثاني على التوالي، وفرض حظر أسلحة شامل عليها، ومساءلتها ومعاقبتها على جرائمها كافة، واتخاذ جميع التدابير الفعلية لحماية الفلسطينيين المدنيين هناك.
“}]]