[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
جباليا الجريحة لم تسقط، ولن نسقط وهي التي لا تزال تقاوم وتتحدى وتناور في وجه أعتى إبادة جماعية قد يشهدها العصر الحديث، تسقط فيها إسرائيل الموت صبًا في زقاق المخيم المكتظ.
عاثت الدبابات الإسرائيلية فسادًا في جباليا والمناطق المحيطة بها شمال قطاع غزة، في مشهد لا يمكن لصورة أن تصفه، فاقتحمت وسحبت معها أرواح الناس، داستهم المجنزرات وساوت أجسادهم بالتراب، وبين الحجارة، وتحت الركام، واستفردت بهم بعد أن منعت الطواقم الطبية والدفاع المدني من الدخول، وهددت الصحافيين بالقتل، وهم القلعة الأخيرة التي يحتمي الناس بها لنقل ما يحدث لهم من إجرام هائل لا تكاد تتخيله العقول.
هدفهم التدمير والقتل
الصورة بالكاد تخرج، ولا يصل منها إلا القليل، وبالمقابل تستفرد آلة الإجرام الهمجية بالأبرياء في المخيم الصامد، حيث قصفت مقاتلات الإجرام الصهيونية 13 منزلًا دفعة واحدة، أدت إلى 200 جريح وشهيد، إلا أن الجريمة لم تقف هنا، بل منعت قوات الاحتلال وبقوة النار المفرطة طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إلى موقع الجريمة.
شهود عيان من المخيم تحدثوا لمراسل المركز الفلسطيني للإعلام، وأكدوا أن هناك أحياء يئنون تحت الأنقاض، ولكن كل من يقترب من المكان، يطلق الاحتلال الإسرائيلي النار صوبه بقصد القتل، محاولًا تحقيق أكبر عدد ضحايا من الأبرياء، وعقابهم بسبب صمودهم وعدم امتثالهم لأوامر الإخلاء القسرية.
جنود الاحتلال يعيثون فسادًا في كل منزل يقتحموه، يحرقون، ويدمرون أي ذكرى، أو أي حياة، هدفهم التدمير والقتل فقط، يحاولون مسح المخيم بكل ما للكلمة من معنى.
الكلمات تعجز، والصور تعتم، والصوت يخرس، ما يحدث في جباليا لا يدخل عقلًا، ولا يتصوره عاقل، ولا يتجرعه إنسان، إلا في عالم كاذب يدعي الإنسانية ويصم أذانه عن أشد إبادة قساوة في التاريخ المعاصر.
دعوات حقوقية لتدخلٍ عاجل
وفي هذا السياق طالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بتدخل عاجل لضمان وصول طواقم الإسعاف والإنقاذ إلى مربع سكني في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، بعد أن قصفته قوات الاحتلال الإسرائيلي الليلة الماضية ودمرته بالكامل على رؤوس سكانه، مشددًا على ضرورة فتح تحقيق دولي جاد في هذه المجزرة المروعة.
وأوضح الأورومتوسطي في بيان له، اليوم الجمعة، أن فريقه الميداني أبلغ عن معلومات أولية حول قصف الطائرات الإسرائيلية الحربية في حوالي الساعة الثامنة مساء الخميس 24 أكتوبر/تشرين أول، 13 منزلاً على الأقل في “بلوك 7” بشارع الهوجا في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، جميعها مأهولة بالسكان الذين قرروا البقاء في المنطقة وعدم الاستجابة لأوامر التهجير القسري للبلدة، خاصة بعد استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي الأفراد الذين حاولوا مغادرة منازلهم وقتلهم في الشوارع أو اعتقلهم ونكل بهم.
وذكر أن المنازل التي تعرضت للقصف المباشر تعود لعائلة “النجار” و”أبو العوف” و”سلمان” و”حجازي” و”أبو القمصان” و”عقل” و”أبو راشد” و”أبو الطرابيش” و”زقول” و”شعلان”.
وبيّن أن فريقه الميداني توثق من مقتل أكثر من 25 شخصًا من عائلة “أبو راشد”، منهم أسر مسحت بالكامل من السجل المدني، فيما يجري الحديث عن 45 آخرين من العائلة نفسها، و30 قتيل من عائلة “عقل.”
وأشار إلى أن ما يتراوح بين 150-200 شخص، أغلبهم من النساء والأطفال، يسكنون في المنازل المدمرة، فيما أصيب عشرات آخرون من منازل مجاورة.
تعطل خدمات الإسعاف يزيد المأساة
ووفق الشهادات الأولية التي حصل عليها المرصد الأورومتوسطي، فإن المنازل المستهدفة تحولت إلى حفر وأكوام من الركام دفن تحتها الضحايا، مشيرًا إلى أن ما يزيد من المأساة هو تعطل خدمات الإسعاف والطوارئ والدفاع المدني، ما يعني أن أي أشخاص يحتمل بقاؤهم أحياء مرشحون للموت، بمن في ذلك المصابون في المنازل المجاورة الذين يحاولون علاج أنفسهم بشكل بدائي، في حين تمكن عدد محدود منهم من الوصول إلى مستشفى “كمال عدوان” في بيت لاهيا، والذي اقتحمه الجيش الإسرائيلي فجر اليوم ونكل بمن فيه من طواقم طبية ومرضى واعتقل العديد منهم.
وأوضح الأورومتوسطي أن هذا المربع السكني الذي تعرض للإبادة الإسرائيلية الجماعية هو الجزء الثاني من مربع سكني يضم من 30-40 منزلًا بات مدمرًا بالكامل بعد أن استهدفه الجيش الإسرائيلي في الاقتحام الأول لشمالي غزة، بما يعني أن مساحة 400 م2 باتت مدمرة وأبيدت فيها أكثر من 30 عائلة.
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أن القانون الدولي يحظر النقل أو الترحيل القسري للسكان، ويشكل ذلك بحد ذاته جريمة دولية مكتملة الأركان، فضلا عن كونه يعد فعلا من أفعال الإبادة الجماعية عندما يتم ارتكابه مع نية القضاء على مجموعة محمية بموجب القانون الدولي.
استهداف مستشفى كمال عدوان
الجريمة مستمرة، والقصف لم يترك محرمًا، بل وانتقل إلى مستشفى كمال عدوان وكان أول أهدافهم فيه محطة الأكسجين المركزية ما أدى لوفاة عدد من المرضى قاطعين سبل الحياة، وحتى الهواء الذي منحه الله للعالمين أقطعوه.
مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس من جانبه أعلن فقدان الاتصال مع طاقم مستشفى كمال عدوان الذي اقتحمه الجيش الإسرائيلي اليوم الجمعة واحتجز داخله مرضى وكوادر طبية ونازحين، في ظل عملية إبادة يتعرض لها شمال غزة منذ 21 يوما.
وقال غيبريسوس إن منظمة الصحة فقدت الاتصال مع الطاقم الموجود في مستشفى كمال عدوان منذ صباح اليوم، ووصف ما يحدث في المستشفى بأنه تطور مقلق للغاية، لأن الموقع مكتظ بنحو 200 مريض يعانون من إصابات مروعة، وفيه المئات من الأشخاص الذين لجؤوا إليه طلبا للحماية.
وقبل فقدان الاتصال به قال حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان للجزيرة إن عددا من العاملين في الطاقم الطبي بالمستشفى أصيبوا نتيجة القصف الإسرائيلي.
وأضاف أبو صفية أن المستشفى كان ينتظر وصول المساعدات الطبية، لكن بدل ذلك وصلته الدبابات.
جريمة حرب بدعمٍ أمريكي
كما اعتبرت حركة حماس اقتحام الجيش الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان “جريمة حرب بدعم أميركي”.
وقالت الحركة في بيان “اقتحام جيش الاحتلال مستشفى كمال عدوان بمشروع بيت لاهيا وفرض حصار عليه واعتقال المرضى والجرحى والطواقم الطبية والعائلات النازحة واقتيادهم إلى جهة مجهولة يعد جريمة حرب وانتهاكا صارخا للقوانين الدولية”.
وأضافت “تواصل حكومة الاحتلال الصهيوني ارتكابها حرب الإبادة شمال قطاع غزة غير مكترثة بأي تداعيات، في ظل الدعم والحماية الكاملة التي توفرها الإدارة الأميركية لها”.
وأشارت إلى أن “ما يجري شمال غزة من مجازر وقصف إجرامي مركز على المنازل ونسف مربعات سكنية على رؤوس قاطنيها، مما أدى إلى استشهاد العشرات من الأبرياء -جلهم من الأطفال والنساء- هو إمعان صهيوني في حملة التطهير العرقي”.
ودعت الحركة قادة الدول العربية والإسلامية إلى “تحمّل مسؤولياتهم تجاه حماية شعبنا وعدم الاكتفاء ببيانات الإدانة، والتحرك لوقف ما يتعرض له من حرب إبادة وتطهير عرقي”.
ثأر المحتل مع مدينة الصمود
آلة القتل المرعبة لا زالت تدور في جباليا، وبيت لاهيا، حتى أضحت منطقة شمال غزة مقبرة جماعية كبيرة، تباد منذ عشرين يوما، إبادة متواصلة، مع تهديد للطواقم الطبية والدفاع المدني والصحافيين، تهديد مباشر بالقتل.
في هذه الدقيقة، لا صوت يعلو فوق صوت الآهات القادمة من الشمال، شمال قطاع غزة الذي يباد للمرة الألف، ثأر بين المحتل وجباليا، مدينة الصمود التي حمل أهلها على أكتافهم مسؤولية إسقاط مشروع الاحتلال الجديد، أو ما أسموه بـــ(خطة الجنرالات) وهي في الحقيقة لا تحمل مخططا واضحا سوى القتل، الهدف الوحيد للمحتل منذ أكثر من سبعين عاما.
ورغم قتامة المشهد، وعظم المأساة، وحجم الإبادة، يواصل أصحاب الأرض الأطهار الأبطال، قتال الغرباء، آخذين على أنفسهم عهدًا بأن لا يسقط المخيم، ولا شمالي القطاع، حتى باعترافهم حيث لا يزال مقاتلو القسام تلقين جنود الاحتلال أقسى الضربات.
اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بمقتل ضابط وجنديين اثنين في معارك شمال قطاع غزة.
وأوضحت هيئة البث الإسرائيلية أنه أثناء حصار مستشفى كمال عدوان فجرا استهدفت دبابة من الكتيبة 196 في لواء المدرعات 460 بسبب عبوة ناسفة انفجرت أثناء سيرها، ونتيجة قوة الانفجار قتل 3 من طاقم الدبابة وأصيب جندي آخر.
خطة قتال طويلة
وأعلنت كتائب القسام استهداف آلية عسكرية إسرائيلية بعبوة شواظ في شارع القصاصيب بـمخيم جباليا شمالي القطاع، وأكدت سرايا القدس تنفيذ قصف بقذائف هاون استهدف جنود وآليات الاحتلال بنفس المنطقة.
وذكرت سرايا القدس أن مقاتليها استهدفوا بقذيفة “آر بي جي” جرافة عسكرية إسرائيلية في شارع السكة شرق مخيم جباليا، كما استهدفوا آلية عسكرية إسرائيلية بعبوتين مزروعتين مسبقا قرب محطة البراوي في بيت لاهيا شمالي القطاع.
وكانت تقارير إعلامية عالمية أكدت أن حركة حماس أعدت نفسها لخطة قتال طويلة ما يجعل هزيمتها في شمال قطاع غزة أمرًا صعبًا.
تكتيكات حماس تجعل هزيمتها أمرًا صعبًا
ونقلت “نيويورك تايمز” عن محللين عسكريين وجنود إسرائيليين قولهم “إن تكتيكات الكر والفر التي تنتهجها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) شمال غزة تجعل هزيمتها أمرا صعبا”.
ذكرت الصحيفة أن قتل حركة حماس عقيداً إسرائيلياً (إحسان دقسة) في شمال غزة يوم الأحد الماضي، أكد كيف أن الجناح العسكري للحركة (كتائب القسام) لا يزال يشكل تأثير حرب عصابات قوية، ولديه ما يكفي من المقاتلين والذخائر لتوريط الجيش الإسرائيلي في حرب بطيئة وطاحنة وغير قابلة لتحقيق انتصار حتى الآن.
وقال محللون إسرائيليون للصحيفة إن مقاتلي “حماس” يختبئون عن الأنظار في المباني المدمرة وشبكة الأنفاق الضخمة تحت الأرض التي تمتلكها الحركة، والتي لا يزال الكثير منها سليماً على الرغم من جهود إسرائيل لتدميرها.
المحلل السياسي صلاح الدين عووادة يقول للصحيفة الأمريكية إن “قوات حرب العصابات تعمل بشكل جيد، وسيكون من الصعب للغاية هزيمتها، ليس فقط في الأمد القريب، ولكن على المدى البعيد أيضاً”.
وتقول الصحيفة إنه “بعد أكثر من عام من القتال المسلح، من المرجح أن يكون مقاتلو حماس المتبقون معتادين الآن على اتخاذ القرارات ذاتياً، بدلاً من تلقي الأوامر من هيكل قيادة مركزي”، لافتة إلى أن الجماعة جندت أيضاً خلال الصيف مقاتلين جدداً، وإن كان لا يعرف عددهم، أو مدى جودة تدريبهم.
ولفتت الصحيفة إلى أن “حماس” استفادت من انسحابات جيش الاحتلال الإسرائيلي من الأحياء والمناطق بعد فترة قصيرة من السيطرة عليها، مؤكدة أن ذلك يسمح للحركة بالعودة وإعادة فرض السيطرة، الأمر الذي يدفع الجيش الإسرائيلي في كثير من الأحيان إلى العودة إليها مجدداً بعد أشهر أو حتى أسابيع.
وبينت الصحيفة أن عدم وجود استراتيجية لدى إسرائيل يثير تساؤلات من جانب الإسرائيليين والفلسطينيين حول سبب عودة الجيش الإسرائيلي مجدداً إلى جباليا. وقال المحلل إلإسرائيلي مايكل ميلستين: “نحن نحتل الأراضي، ثم نخرج منها… إن هذا النوع من السلوك يعني أنك تجد نفسك في حرب لا نهاية لها”.
“}]]