غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
بعد 67 يومًا من الدعم اللامحدود، والانخراط الفعلي في قيادة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، جاءت تصريحات علنية للرئيس الأمريكي جو بايدن حاملة مواقف متباينة مع توجهات حكومة الاحتلال وطالب نتنياهو بتغيير بعض وزرائه، معبرًا عن انتقاده لللمسار الذي تنحوه إسرائيل في التعامل مع الواقع الميداني والأفق السياسي في غزة.
ما المفاعيل التي استدعت هذا التغير المفاجئ؟ وهل هو تغير فعلا؟ وكيف يمكن قراءته وسط انشغال المجتمع الأمريكي بالتحضير للانتخابات؟ هل هو مجرد تكتيك سياسي ذكي من جو بايدن لتحقيق مأرب ما، أم هو قناعة حقيقية باتت تتشكل في الولايات المتحدة بفشل إسرائيل في تحقيق أهدافها أو قدرتها على الانتصار المؤثر في هذه الحرب؟ محللون يتحدثون للمركز الفلسطيني للإعلام حول هذا الأمر.
وقال بايدن في كلمة خلال فعالية لجمع تبرّعات لحملته الانتخابية بواشنطن: “إنَّ الإسرائيليين بدؤُوا يفقدون الدعم الدولي”. كما حضّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على تغيير تركيبة الحكومة، مؤكدًا أن تلك الحكومة تعارض حلّ الدولتين، معتبرًا أن “سلامة الشعب اليهودي على المحكّ حرفيًا.”
ثم عاد بايدن ليقول لقادة إسرائيل: “لا ترتكبوا أخطاء ارتكبناها في 11 سبتمبر، فلم يكن هناك مبرّر لفعل أشياء كثيرة كاحتلال أفغانستان”. والملاحظ أن تلك التصريحات كررها في يوم واحد في أكثر من مناسبة، وإن اختلفت العبارات.
موقف سياسي تكتيكي
يقول الكاتب والمحلل السياسي ومدير مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية سليمان بشارات: “إن تصريحات بايدين التي تأتي في اليوم الـ 67 من الحرب على غزة، يمكن أن تفهم ضمن المواقف التكتيكية للإدارة الأمريكية التي لا تتنافى مع المواقف المبدئية التي ظهرت جليًّا منذ بداية الحرب والغطاء السياسي والدعم المالي والعسكري للاحتلال الإسرائيلي، بل إن الإدارة الأمريكية تعتبر شريكا مباشرا في إدارة الحرب من خلال وجود مستشاريها ومشاركة وزير خارجيتها بلينكن في جلسات مجلس الحرب الإسرائيلي، وبالتالي هذا يدفعنا إلى أن نقرأ هذه التصريحات من منطلقات عدة”.
وبرأيه، وصلت الإدارة الأمريكية لقناعة تامة بعدم قدرة إسرائيل على تحقيق أي من الأهداف التي وضعتها للحرب، وبالتالي يتطلب الأمر البحث عن استراتيجية أخرى غير استراتيجية الميدان العسكري، وهو ما قد يعزز الذهاب لمحاولة الضغط السياسي على المقاومة ومحاولة انتزاع المواقف إما من خلال ملفات الإعمار والمساعدات، أو ربما من خلال الوسطاء الذين يمكن أن يكونوا حاضرين في أي ترتيبات مستقبلية.
تخوفات من مغامرات إسرائيل
وأشار إلى تخوف الولايات المتحدة الأمريكية الجاد من المغامرة والمقامرة الاسرائيلية من الذهاب إلى توسيع نطاق الحرب، وهو الذي لا تريده واشنطن، وبالتالي بروز حالة الضغط لمنع حدوث ذلك.
وأشار إلى أن أمريكا تشعر أن الأحزاب اليمينية الإسرائيلية المتطرفة باتت تشكل خطرا في حالة الضغط على استمرارية الحرب، وبالتالي حان وقت اتخاذ الموقف الذي قد يشكل لها ضاغطا للقبول بالأطروحات السياسية التي قد يتم العمل عليها.
تأثير صورة الهزيمة
ويقول بشارات: “يبدو واضحا أن حجم الخسائر المتصاعدة في صفوف الجيش الإسرائيلي من شأنه أن يضاعف من صورة الهزيمة والهزة التي تعرضت لها إسرائيل في السابع من أكتوبر، وبالتالي فإن أمريكا ترى أنه قد حان الوقت للوقوف عند هذا الحد وعدم الاستمرارية في الانزلاق بذات الاتجاه الذي قد يعني انهيار المنظومة العسكرية الإسرائيلية واتساع فجوة الثقة بالجيش الاسرائيلي”.
وحسب متابعة بشارات، فإن الولايات المتحدة بدأت تشعر بشكل حقيقي بفقدان المواقف الدولية التي كانت تراهن عليها في توفير الغطاء للحرب، وأبرز دليل على ذلك ظهور الولايات المتحدة وحيدة في مجلس الأمن أمام رفض وقف إطلاق النار في مقابل تأييد باقي الدول ومن ضمنها التي تعتبر حليفا استراتيجيا لأمريكا كفرنسا وألمانيا.
سيناريوهات متوقعة
هذه الدوافع وغيرها، ربما أوصلت الإدارة الأمريكية لعدم وجود أي مخرج واقعي للانسحاب من الحرب بالمنظور الإسرائيلي، وبالتالي أصبح الخيار الآن أمريكيًّا بالبحث عن قرار لوقف الحرب، وترغب واشنطن أن يكون القرار إسرائيليًّا بغطاء أمريكي، وهذا ربما يدلل على أمرين، حسب بشارات.
الأول أن يكون هناك توافق ما بين شخصية بايدن ونتنياهو على تقديم هذا السيناريو وبالتالي توفر غطاء لنتنياهو أمام الأحزاب اليمينية المتطرفة للنزول عن الشجرة وبالتالي يظهر على أنه أجبر على اتخاذ هذا القرار حفاظا على مستقبل الدولة ومستقبل المشروع الصهيوني.
والثاني أن واشنطن نفد صبرها من غطرسة نتنياهو نفسه وأرادت أن تغير من العقلية السياسية التي تدير الكيان حتى يمهد ذلك لتقديم مشروع سياسي متكامل من شأنه توفير حالة من الهدوء لفترة طويلة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
نقد أمريكي داخلي وخارجي
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة حسام الدجني، أن الموقف الأمريكي يتغير نظرا لحالة الضغط التي باتت تتعرض لها الولايات المتحدة سواء خارجيًّا أو حتى في داخل المجتمع الأمريكي.
وقال: “على المستوى الخارجي، بات من الواضح أن الولايات المتحدة معزولة سياسيًّا في مواقفها، وهذا كان مؤشره واضح في السلوك التصويتي في آخر جلسة لمجلس الأمن عندما صوتت أغلب الدول 13 دولة بنعم لصالح وقف إطلاق النار، وبريطانيا الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة امتنعت عن التصويت، فيما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو ورفضت القرار.
وبرأيه، هذا يؤكد أن الواقع الخارجي ليس جيدًا، حالة الضغط الخارجي على المستوى الرسمي والشعبي، فالكل بات ينظر للولايات المتحدة نظرة اشمئزاز ونظرة أنها تدعم جرائم الإبادة وتنتهك حقوق الإنسان إلخ. كما غدت مصالح الولايات المتحدة مهددة في ظل المقاطعة الاقتصادية وما يجري في البحر الأحمر وقواعدها التي تتعرض للقصف بشكل دائم في العراق وفي سوريا وفي مناطق أخرى، هذا على المستوى الخارجي ساهم في تغيير موقف بايدن.
تغير لا يرقى لتطلعات شعبنا
لكنه قال: “الأهم هو المستوى الداخلي في الولايات المتحدة، فبايدن مقبل على انتخابات في 2024، وهناك مظاهرات ومواقف منددة بالسياسة الخارجية الأمريكية وتراجع شعبية بايدن، هذه هي السبب في إعادة النظر في سياسة بايدن وفي السياسة الخارجية الأمريكية، وهذا بات ملحوظا في الخطاب السياسي وحتى في المواقف.
ومن وجهة نظر المحلل الدجني، حتى اللحظة خطاب بايدن والإدارة الأمريكية وبالرغم من التصريحات الأخيرة، لكنها لا ترتقي لتطلعات وآمال شعبنا الفلسطيني ولا آمال كل دعاة الإنسانية وأحرار العالم في ظل هذه الحرب الوحشية على غزة.
صدام نتنياهو بايدن
بدوره، يرى الكاتب والمحلل السياسي، مأمون أبو عامر، أن السبب الأهم الذي استدعى تصريحات بايدن هو أن نتنياهو يتبنى سياسة تصطدم مع سياسة الرئيس الأمريكي ووجهة نظره تجاه حل الدولتين، وقد صرح نتنياهو مؤخرا شاكرا الولايات المتحدة لكنه أكد رفضه لحل الدولتين ورفض السلطة الفلسطينية سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة.
وأشار أبو عامر إلى أن هذا الموقف المتطرف من نتنياهو كان صادما بالنسبة للولايات المتحدة التي تتبنى حل الدولتين، ومعلوم أنه منذ البداية كان بايدن يطلب من نتنياهو أن يكون له رؤية واضحة للتعامل مع أزمة غزة وألا يكون هناك حلا عسكريًّا إلا ضمن رؤية سياسية، لكن نتنياهو اعتمد المسار العسكري بمعزل عن المسار السياسي، هذا جانب.
مفاعيل الانتخابات الأمريكية
جانب آخر، برأي أبو عامر، فإن استطلاعات الرأي المعتمدة والوازنة في أمريكا أشارت إلى أن بايدن قد يخسر الانتخابات القادمة أمام ترمب بعدة نقاط، حيث حصل ترمب على 47 نقطة، مقابل 43 نقطة لبايدن، هذا تراجع كبير لمكانة الرئيس قبيل موعد التحضير للانتخابات واختيار مرشحي الأحزاب.
وبالتالي فإنه إذا فقد بايدن الأمل للفوز بأصوات الحزب الديمقراطي معنى ذلك فإنه سيفقد مكانته وربما يتم اختيار مرشح آخر بديلا عنه، وحتى ولو كان صهيونيًّا، لكن صهيونيته بالنسبة له ليست مقدمة على مصلحته الشخصية، بحسب ضيفنا.
ويضيف: “هنا ستظهر معضلة أمام بايدن في أنه سيكون في تحدي أمام الولايات المتأرجحة الخمسة الأساسية، والتي في معظمها يؤثر فيها الصوت العربي، ولهذا فإن ساعة التحضير للانتخابات بدأت تدق أمام بايدن، ولهذا رأى أنه لا بد أن يكون هناك توجه واضح بالنسبة لكبح جماح نتنياهو التي أعلنها بقوة وبصريح العبارة، وقد وضع بايدن في موضع محرج، ولهذا بدأ بايدن يستعمل أوراقه الخاصة من أجل وضع نتنياهو في الزاوية وإحراجه داخل إسرائيل وفي الخارج”.
خلاف شخصي مع نتنياهو
بكل الأحوال، فإن هذا ليس تحولا من الموقف تجاه إسرائيل برمتها، بقدر ما هو تحول في الموقف من نتنياهو شخصيًّا، وعودة أخرى إلى الموقف السابق الذي سبق الحرب وهو الموقف الأمريكي الشخصي من نتنياهو، خاصة في ظل علاقته مع الجمهوريين المعادين لبايدن، هذا أثر بشكل أو بآخر على طبيعة الموقف.
وقال أبو عامر: “واضح تمامًا أن الأمور بدأت تستعيد شكلها السابق وهي العلاقة المتوترة بين الرجلين، وبالتالي الصدام السياسي ممكن في هذه الظروف، لكن بايدن لن يتخلى عن إسرائيل لكن ليس بمنطق نتنياهو بل بمنطق الولايات المتحدة التي تريد تسوية والخروج من هذه الأزمة ولا يمكن لأمريكا أن تستمر بتوفير غطاء على كل هذا الإجرام الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وبالتالي أعتقد أنه بدأ التحرك الأمريكي للاستجابة للمطالب الأمريكية الداخلية، خاصة استطلاعات التي أظهرت رفض سياسة بايدن تجاه الحرب.
ضوء أخضر للتحرك ضد الحرب
ويرى أبو عامر أن موقف بايدن ليس تكتيكيًّا، و قال إن البيان الذي صدر عن رؤساء وزراء أستراليا وكندا ونيوزيلاندا بعدم القبول بأن تكون تكلفة الحرب القضاء على حماس وقتل المدنيين بهذه الصورة، هذا مؤشر واضح أن هناك ضوء أخضر أمريكي لهذه الدول لبدء التحرك للضغط على نتنياهو لتغيير سياسته وتقديم برامج جديدة، ربما كل هذا يساعد في التوصل لوقف الحرب وإيجاد مبادرة أمريكية للخروج من عنق الزجاجة الحالي.
كما نبه أبو عامر إلى تأزم الموقف فعلى جبهة اليمن وتصاعده، فأمريكا لا تريد مع قرب الانتخابات أن تذهب إلى الحروب، والمجتمع الأمريكي يعارض هذه الحروب خاصة بعد الفشل في العراق وأفغانستان، ولم تكن هناك نتائج مثمرة في ذلك، ولا تزال تكلفة حرب أوكرانيا تخيم على المجتمع الأمريكي في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالولايات المتحدة الأمريكية.