الهدنة المؤقتة في غزة.. فرصة لالتقاط الأنفاس وأمل بوقف دائم للعدوان

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

مؤقتا، انقشع غبار المعركة، وحل مكانه دموع وآهات، ولملمة جراحات، على وقع تدمير كبير أصاب غزة، وجرائم بشعة ارتكبتها قوات الاحتلال، وأشلاء وجثث متحللة ومتفحمة، تملأ الطرقات والمباني وكثير منها لا يزال تحت الركام، دون أن يمنع كل ذلك المواطنين من تعبير عن حالة صمود ودعم للمقاومة.

هدنة إنسانية مؤقتة، هكذا يحلو للسياسيين تسميتها، وهي فرصة لالتقاط الأنفاس قليلا بعد 48 يوما من الحرب الطاحنة التي لم ترحم حجرا ولا شجرا ولا بشرا، فإلى أي مدى يمكن أن تصمد هذه الهدنة المؤقتة وسط همجية الاحتلال، وما المخاوف التي تعترض طريقها وربما تشكل مفاعيل لانهيارها؟.

وبدأت الهدنة الإنسانية المؤقتة تمام السابعة من صباح الجمعة وتمتد لأربعة أيام، حيث تمكنت المقاومة من فرض شروطها على المحتل وإجباره على الموافقة على إطلاق سراح نساء وأطفال فلسطينيين، بواقع ثلاثة لكل أسير صهيوني، وذلك بعد العجز والفشل الذريع الذي منيت به آلة الحرب العسكرية في قطاع غزة وفشلها في كسر شوكة المقاومة أو إطلاق سراح أيٍ من أسراها.

الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني، يقول لـ “المركز الفلسطيني للإعلام” : “التهدئة في سياقها العام تشكل انتصارا للمقاومة انطلاقا من عدة مسارات، فبعد أن كانت إسرائيل تطالب بإبادة حماس وإنهائها، اليوم تفاوض إسرائيل حماس بشكل غير مباشر، وبعد أن قالت إسرائيل إنها ستفرج عن الأسرى بالقوة العسكرية، الآن تفرج عن أسراها بصفقة تبادل”.

يضيف الدجني: في تقديري أن التهدئة جاءت بعد ضغط أمريكي بصورة أساسية، ولم تكن يوما رغبة من نتنياهو، لكن هناك توتر في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ويخشي نتنياهو أن يتحول الخلاف إلى إجراءات سلبية باتجاه دولة الاحتلال، لأن بايدن الذي تتراجع شعبيه وهو على أبواب الانتخابات بحاجة إلى ما يقفز به لأعلى من خلال الإفراج عن المواطنين الأمريكيين لدى المقاومة.

وعن فكرة استمرار التهدئة، يقول: نعم هناك تحديات أمام استمرار التهدئة، حتى وإن كانت المقاومة من أكثر الذين سيلتزمون بها، وشعبنا الفلسطيني بالتأكيد بحاجة ماسة لها من أجل تعزيز صموده من خلال إدخال المساعدات الإنسانية ومن خلال رسم ابتسامة على شفاه ذوي الأسرى وشفاه أبناء شعبنا ممن سيفرج عن أبنائهم من السجون الإسرائيلية من نساء وأطفال.

وتابع: هذه الصفقة تؤسس لصفقة أكبر، سيما بعدما كسر نتنياهو الحاجز، قد تكون هناك صفقة أكبر نعم، لكن بتقديري من ضمن التحديات هو عدم التزام إسرائيل بهذه التهدئة كما حصل في 2014 عندما قصفت منزل محمد الضيف وقتلت زوجته وابنه، قد تعود إسرائيل لذلك في حال كان هناك أي تراخي أمني من قبل المقاومة ومن قبل قياداتنا الفلسطينية، مطلوب أن يكون هناك توخي للحيطة والحذر.

وبرأي الدجني، هناك احتمال كبير أن تتمدد الهدنة، بسبب طبيعة تركيبة هذه التهدئة، خاصة في حال استمرت وكان هناك سلاسة في التعاطي مع الإجراءات، حينها أظن ممكن أن تتمدد للإفراج عن مزيد من الأسرى.

من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة: “لا شك أن هذه التهدئة تشكل نقطة تحول في مسار الصراع مع العدو في هذه الحرب، في بعدين، الأول أنها أسقطت أحد أهم الأهداف التي خرج من خلالها الاحتلال في هذه الحرب بادعاء أنه لن يكون هناك صفقة وأن تحرير أسراه سيكون عبر عملية عسكرية”.

البثعد الآخر أنه كان هناك سقف عالي للاحتلال، أنه لن يكون هناك وقف إطلاق نار إلا بعد إجبار حماس على تسليم الأسرى، وبالتالي أحد أهم الأهداف سقطت وظهر معها تراجع واضح في مستوى الخطاب داخل مجلس الحرب الإسرائيلي، وأيضا على مستوى الرأي العام العالمي والدول التي كانت راعية وداعمة للاحتلال في حربه، حسب عفيفة.

وأضاف عفيفة لـ “المركز الفلسطيني للإعلام“: “نحن اليوم أمام اختبار مهم جدا لناحية مدى صمود هذه التهدئة، لأنها مرتبطة بشكل أساسي ومركزي بمدى الاستمرار في الإفراج عن الأسرى لدى المقاومة من المدنيين، وربما يكون الأمر قابل للتمديد بناء على ما يتوفر أيضا من أعداد أخرى من هؤلاء الأسرى”.

لكن بكل الأحوال، خيار العودة للمواجهة يبقى حاضرا، وفق عفيفة، لأن مفاعيل المواجهة في هذه التهدئة حاضرة وحاضرة بقوة، لأن الاحتلال لا يزال موجودا في نقاط المواجهة في غزة وفي الشمال، وبالتالي نقاط التماس بحد ذاتها تمثل تهديدا.

المسألة الأخرى هي أن الاحتلال يواجه أزمة داخلية كبيرة نتيجة الصراعات والمزايدات الداخلية، ونتيجة هذه الأزمة هناك دائما هروب للأمام باتجاه استمرار المعركة، هذا جزء من عناصر تفجير الأزمة، كما يقول ضيفنا.

المسألة الثالثة هي عدم حسم قرار أمريكي وغربي بشكل واضح ونهائي بأنه ينبغي التوقف هنا، يقول عفيفة: يبدو أن الأوروبيين والأمريكان لم يحسموا هذه المسألة بشكل نهائي، هذه كلها مفاعيل ربما تؤدي إلى استمرار المواجهة.

وتابع أن هناك أيضا عناصر مهمة ربما تؤخر أو تقلل من حدة المواجهة واستئناف المعركة، منها أن الصفقة بحد ذاتها أفشلت أحد أهم أهداف العملية البرية، فجزء أساسي منها يصبح ليس حاضرا في هذا المشهد الآن.

المسألة الأخرى أيضا أن الصفقة بحد ذاتها سوف تخلق أزمة ضغط داخلي على نتنياهو وحكومته وخصوصا من ذوي الأسرى المتبقين، وسوف يكون السؤال لماذا تخرج هذه الشريحة ويبقى الآخرون، وبالتالي سوف سكون الضغط أكبر مما سيدفع نتنيياهو للتفكير للذهاب نحو صفقة كبرى أو صفقات متدرجة بهدن متدرجة.

كما يشير عفيفة، وهو رئيس شبكة الأقصى الإعلامية بغزة، إلى أن العملية العسكرية انكسر جزء من مسارها باعتبار أن التهدئة تحدث نوعًا من التراجع في الحافزية من جانب، وتعطي مساحة للمقاومة في غزة أن تعيد ترتيب أوراقها، وبالتالي تشكل قوة حاضرة وقادرة على إيقاع الخسائر بشكل أكبر وهذا أمر يؤثر على جيش الاحتلال وبالتالي يضعف الجبهة الداعمة للحرب سواء في الحكومة أو في الرأي العام الإسرائيلي.

ومن الكوابح أمام انهيار التهدئة حسب ما يقرأ وسام عفيفة: أن الغرب والعالم بدأ يشعر بالخطر وبأن هناك زيف وتضليل من جانب الحكومة الإسرائيلية في هذه المعركة، والعالم كله يسقط والمؤسسات الدولية تسقط في بحر الدماء في غزة وتسقط على صرخات ووقع إبادة جماعية.

والمجتمع الدولي اليوم بات يستشعر الضرر الذي سيلحقه من هذه الحرب على المستوى المتوسط والبعيد، هذا الأمر ربما يسحب أيضا حالة الإسناد التي حظي بها الاحتلال منذ بداية المعركة، حسب ضيفنا.

وبرأي عفيفة: من الممكن أن يتحول هذا الإسناد إلى ضغط من أجل وضع جدول زمني واضح ونهائي والانتقال مباشرة من هذه التهدئة الى تهدئات اخرى بطريقة تقلص حجم الضرر أولا للإسرائيليين والضرر الذي يواجهه العالم نتيجة هذه المعركة مع مخاطر توسيعها وتداعياتها على المنطقة.

من جانبه، أكد القيادي في حركة حماس عبد الرحمن شديد أن شعبنا الفلسطيني فخور بإنجازات المقاومة وبطولاتها في قطاع غزة، والتي أجبرت المحتل على الجثو على الركب والخضوع لإرادتها وشروطها، وتنفيذ صفقة تبادل أسرى مشرفة.

وقال شديد لـ “المركز الفلسطيني للإعلام“: إن الهدنة الإنسانية المؤقتة وصفقة تبادل الأسرى التي سيفرج بموجبها عن 150 من الأسرى الأطفال والنساء الفلسطينيين هي أولى بشائر الانتصار على هذا العدو وانكسار عدوانه وسقوط أهدافه المعلنة لهذه الحرب البربرية على شعبنا في غزة.

وقال شديد: إن المقاومة ستلتزم بشروط إبرام هذه الصفقة، وإن باقي الأسرى سيكونوا على موعد قريب مع الحرية بإذن الله تعالى، ولن ينعم أي جندي إسرائيلي بالحرية قبل أن ينالها أبطالنا البواسل في سجون الاحتلال.

وأكد أن المقاومة ستبقى على عهدها مع القدس والمسجد الأقصى المبارك، تفديهما بالأرواح والمهج، وأن سيف القدس سيبقى مشرعا وطوفان الأقصى سيبقى هادرا حتى كنس آخر جندي صهيوني من بلادنا، مهما بلغ إجرام الاحتلال وعناده ومكابرته.

 

المحتوى ذو الصلة