[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
التعريف المباشر للبطولة والفداء كان من أهم عناوين معركة طوفان الأقصى، التي بدأت منذ عام ولا تزال رحاها دائرة حتى اليوم؛ حيث تميزت بالتوثيق اليومي لمشاهد الالتحام بين أبطال المقاومة وجنود الاحتلال في يوم الاقتحام الكبير في السابع من أكتوبر عام 2023 وما تلاه من معارك أذهلت المراقبين، وأبهرت المناصرين، ونكست رؤوس المحتلين.
عامٌ كامل صاغت فيه فصائل المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة حماس-، وسرايا القدس -الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي-، نموذجًا حيًّا للمقاتل الذي لا يهاب الموت، بل يُقدم نحو العدو بكل بسالة وإقدام في التحام مباشر أو مواجهة مفتوحة أو تحرك مكشوف مهما كانت خطورة ما يفعل، حتى وإن كان الثمن إزهاق روحه برصاصة أو حتى صاروخ يمزق جسده.
في لحظة فارقة استيقظ العالم على مشاهد لمقاتلين أشداء يقتحمون ثغور عدوهم في مستوطنات غلاف غزة، والتي تحميها فرقة إسرائيلية لها من قوام العدد والعدة والتدريب العالي ما أهّلها لتكون الجدار الأقوى بين المقاومين في غزة وبين مستوطنات الاحتلال، لكنّ المَشاهد التي تم بثها في صبيحة هذا اليوم أظهرت أن تلك الفرقة لم تصمد أمام المقاومة ذات الأسلحة الخفيفة والجنود الشجعان.
بطائرات شراعية لا يتجاوز ثمن أحدها بضع مئات الدولارت، وبسيارات ودراجات بخارية وحتى سيرًا على الأقدام، داهم مجاهدو المقاومة قواعد الاحتلال العسكرية في مستوطنات غلاف غزة، بعد أن اخترقوا الجدار العازل، ليفاجئوا جنود الاحتلال من فرقة غزة -المسؤولة عن العمليات العسكرية في القطاع- بمداهمة غرفة عملياتهم، بل وحتى غرف نومهم.
شوهد جنود القسام بأسلحتهم الخفيفة محلية الصنع، وهم يعتلون دبابات أمريكية الصنع ذات تحصينات هائلة، وأجهزة استشعار دقيقة.. لينتزعوا منها الجنود الإسرائيليين قتلى أو أسرى، بينما لا يبدي جنود الاحتلال غير الاستسلام والخوف من المهاجمين.
لم يكتف المقاتلون بالهجوم الأول، واستغلوا حالة الارتباك الأمني والعسكري والاستخباراتي لدى لاحتلال، واستمروا في الانقضاض على نقاط الارتكاز والغرف العملياتية مرة تلو الأخرى خلال 6 ساعات، حتى إن بعضهم كانوا يحملون الأسرى إلى قطاع غزة ثم يعاودون الكرة إلى مستوطنات الغلاف ليكملوا مهمتهم القتالية.
بعد الساعات الأولى لمعركة الاجتياح بدأ الاحتلال بهجومه الدموي عبر طائراته وقنابله على قطاع غزة بكل ما فيه من بنى تحتية ورجال ونساء وأطفال ومؤسسات، واستمر القصف لأسابيع مُخلفًا آلاف الشهداء والجرحى، وذلك قبل أن يبدأ اجتياحه البري في الشهر الثاني للحرب، ليبدأ حينئذ فصل جديد من فصول البطولة للمقاومة.
المواجهات، والالتحامات، ونصب الكمائن، ووضع عبوات شواظ على آليات الاحتلال، واستهداف الجنود والآليات بقذائف الياسين 105 والـ “تي بي جي”.. كلها وسائل بطولية نفذها المجاهدون في صفوف الاحتلال، ملحقة به خسائر فادحة اعترف بالقليل منها وتكتم على أكثرها.
لكن أبرز ما نقله لنا الإعلام العسكري خلال هذه الحرب، والذي لم يكن معهودًا في المشاهد المنقولة من حروب أخرى، هو قيام المجاهدين بتفجير آليات الاحتلال من مسافة صفر، وذلك عن طريق وضع عبوة ناسفة فوق الآلية أو تحتها ليتم تفجيرها بعدها بثوان، إما ذاتيًّا بنزع لاصق الأمان منها، أو باستهدافها من قبل أحد المجاهدين.
لاقت هذه المشاهد إعجابا كبيرًا من المتابعين، ومفجأة صادمة من قبل العدو الصهيوني؛ لما فيها من دلالة على قوة المجاهدين وشجاعتهم واستعدادهم للتضحية والموت، وذلك لأنها تستلزم خروج المجاهد من النفق، وانكشافه لجنود الاحتلال المزودين بأحدث تقنيات المراقبة، وكذلك الطائرات التي تغطي المنطقة، ثم أجهزة الاستشعار وعدسات المراقبة التي تحتوي عليها الآلية المستهدفة؛ حيث يغامر المجاهد بنفسه متحديًا كل هذه العقبات، ليقوم بوضع العبوة بنفسه على ظهر الآلية أو تحتها ومن ثم يفجرها.
استهداف الآليات الإسرائيلية من دبابات نمر وميركافاه وناقلات جند وجرافات عسكرية، كانت بمثابة عمليات يومية سجلت المقاومة بعضها وبثتها لتوثيق ما يقع في صفوف الاحتلال الإسرائيلي من خسائر ينكرها جيش الاحتلال وإعلامه.
ورغم كثرة تلك العمليات إلا أنها كانت تمثل خطورة شديدة على منفذيها؛ حيث يكمن المجاهد في بناية مهدمة أو خلف ركام منزل أو حتى يترجل بنفسه ليقترب من مكان الآلية المستهدفة، ما يعرضه ومن معه لمخاطر الاستهداف أو التتبع، لكنه كان يعتمد على عنصر المفاجأة، وسرعان ما تتحول الآلية إلى كتلة من النار.
وفي المواجهات المباشرة سجل المقاومون تاريخًا مشرفًا من البطولات ومواقف الشجاعة والإقدام والفداء، وذلك ما أقرّ به العدو في تصريحات عديدة؛ حيث تكررت تصريحات إسرائيلية تفيد بأن جنود غزة لا يهابون الموت، وأنهم حولوا القطاع إلى مقبرة للغزاة.
ونقل إعلام الاحتلال بعض المشاهد التي تثبت ذلك، وكان من أهمها مشهد لمواجهات وقعت في مخيم جباليا شمال شرقي مدينة غزة، حيث ظهر مقاومان فوق سطح بناية يواجهان قوات الاحتلال بأسلحة خفيفة، بينما هم محاطون بجنود وآليات وطائرات إسرائيلية، وبينما يظهر أحدهما مصابا يقوم الاخر بالمواجهة وحده حتى يرتقي شهيدًا، وفي هذه اللحظة يقوم رفيقه المصاب ليواصل القتال حتى يلحق بصاحبه شهيدًا.
“أصناف الموت” التي وعد بها الناطق باسم كتائب القسام “أبو عبيدة” قبل الاجتياح البري، لم تكن استهلاكًا إعلاميًّا أو حربًا نفسية دعائية تهدف إلى ردع الاحتلال عن جرائمه، بل كانت وعدًا صداقًا وخبرًا واقعيًّا أعدّت له المقاومة رجالا أشداء، أذاقوا الاحتلال في الميدان فوق كل تخيلاته من بأس وقوة.
عامٌ من المواجهات والبطولات في قطاع غزة، أثبت للاحتلال أنه سيجد للعدوان ردًّا، وللاعتداء مقاومة، وللجنود والآليات الذين أرسلهم لارتكاب جرائمه، مجاهدين أولي بأس شديد تعهدوا بألا يكون قطاع غزة نزهة للمعتدين، وأن يحولوه إلى مقبرة لكل غاز محتل، وأن يذيقوه من “أصناف الموت” ما يكشف زيف تقدمه ويُظهر هشاشة جنده.
“}]]