[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
تتساءل مها عثمان عن الطريقة التي تمكنها من إبقاء أطفالها الأربعة بعيدين عن العدوى البكتيرية التي أصيبوا بها بينما تنساب مياه الصرف الصحي بين خيام النازحين، وتتراكم أكوام القمامة على طول الشوارع.
تضيف أن أطفالها الأربعة يصابون بأمراض جلدية صعبة، وأخبرها الأطباء بوجود عدوى بكتيرية ناجمة عن التلوث، تتساءل: كيف أحافظ على أطفالي من المرض في ظل هذا الوضع المزري.
والسائر في شوارع قطاع غزة من شماله إلى جنوبه، يرى بأم عينيه، مستنقعات الصرف الصحي المنتشرة التي أحدثت مكاره صحية كبيرة تزكم الأنوف، وكوارث صحية ما فتئت المنظمات الصحية الدولة والأممية تحذر منها.
في شارع 24 بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، وهو من أهم الشوارع المدينة التي تعج بمئات الآلاف من النازحين، تكاد مياه الصرف الصحي تمنع الحركة في الشارع الحيوي حيث تطفوا عبارات الصرف تطفو بقوة.
والحال في الشوارع الأخرى لأصغر مدن قطاع غزة يشبه بعضه، فلا لا يكاد يخلو زقاق من مسطحات الصرف الصحي، حيث جذبت المياه الملوثة الحشرات الطائرة وأبرزها “البعوض” وديدان وحشرات أخرى زحفت إلى خيام النازحين، منغصة عليهم حياتهم المريرة.
تقول عثمان (45 عاماً) النازحة في شارع النخيل غرب دير البلح وسط القطاع، إنها تقطن في خيمة تحيط بها مياه الصرف الصحي والنفايات في كل مكان، “تنساب المياه العادمة إلى داخل الخيمة، لا نطيق الرائحة المنبعثة، أطفالنا مرضى، المياه النظيفة شحيحة، حياتنا مأساوية”.
وتشكو عثمان من تكرار إصابة أطفالهم بالأمراض جلدية صعبة، وقد أخبرها الأطباء بأن ذلك ناجم عدوى بكتيرية بسبب التلوث، وأن عليها العناية بنظافتهم الشخصية.
وتتساءل السيدة كيف لها ذلك مع شح المياه النظيفة ووسائل الاستحمام، حيث يلهو ويمرح الأطفال بين الخيام إذ لا يجدون متسعا للعب إلا في هذه المناطق بسبب حالة الاكتظاظ الشديد.
ومنذ بدء حرب الإبادة على غزة، حذرت منظمات ومؤسسات صحية وحقوقية وأممية من انتشار الأمراض والأوبئة في صفوف النازحين جراء الاكتظاظ وتراجع النظافة الشخصية.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد كشفت عن وجود فيروس شلل الأطفال في مياه الصرف الصحي، ما ينذر بكارثة صحية رهيبة.
وتؤكد بلدية دير البلح، أن شبكات الصرف الصحي كانت هدفاً للقصف والتدمير الإسرائيلي في المدينة وباقي محافظات قطاع غزة، ما خلق كوارث صحية وبيئية وساهم في انتشار الأمراض والحشرات الناقلة للأمراض الجلدية والوبائية.
ويوضح المصدر للمركز الفلسطيني للإعلام أن العدد الهائل من النازحين شكل ضغطاً رهيباً على شبكات الصرف الصحي الخاصة بالمدينة، ما كان عاملاً لخروج بعضها عن الخدمة.
ويشير كذلك إلى تعمد جيش الاحتلال استهداف الطواقم البلديات لمنعها من القيام بواجبها، في تكريس ممنهج لمبدأ الإبادة الجماعية.
وتعد مياه الصرف الصحي سبباً مباشر لانتشار مرض التهاب الكبد الوبائي (A)، حيث تسجل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا” إصابة مئات المواطنين أسبوعياً بالمرض نتيجة للنزوح الجماعي، واكتظاظ الملاجئ ونقص المياه النظيفة والمنظفات الشخصية التي يمنع الاحتلال وصولها إلى قطاع غزة.
ويرصد برنامج الصحة التابع للأونروا إصابة 800 إلى 1000 مواطن بالتهاب الكبد من النوع الأول أسبوعيا في مختلف أنحاء غزة.
ويقول الطبيب محمد عبد المنعم من المركز الطبي في مخيم الإيواء، إن مياه الصرف الصحي تتداخل مع مياه الشرب والاستخدام، ما يكون سبباً مباشراً لكثير من الأمراض الجلدية والتنفسية، محذراً من كارثة بيئية جديدة في مخيمات النزوح فيما يتعلق بمرض الجرب وانتشاره.
ويقول: “مخيمات النزوح مقبلة على كارثة وبائية بما يتعلق بمرض الجرب وانتشاره عبر التكدس السكاني المهول”.
وعزا عبد المنعم انتشار الجرب إلى تشكّل برك مياه الصرف الصحي التي تعد بيئة خصبة لتكاثر حشرة “القارمة الجربية” في ظل عدم رش مصارف المياه العادمة بالكيماويات منذ أكثر من 10 أشهر.
ويضيف: “منذ 9 أشهر لم تقم أي جهة محلية أو دولية أو أهلية بضخ مياه الصرف الصحي لمحطات المعالجة بفعل انقطاع الكهرباء، كما لم تقم برش تجمعات وبرك مياه الصرف الصحي، ما أدى لانتشار الجرب”.
يلفت الطبيب إلى أن المستودعات الصحية تعاني من نفاد نحو 13 صنفا من العلاجات الخاصة بالأمراض الجلدية، وأنهم يحصلون على المستحضر المستخدم في علاج مرض الجرب كل 20 يوما بمعدل لترين فقط.
ويتابع: “هذا المستحضر قد ينقذ حياة مخيم كامل من الجرب، لكن اللتر الواحد لا يكاد يكفي لـ5 أيام فقط، ما يدفعنا لتخفيفه كي يستفيد منه أكبر عدد من المرضى”.
تراكم النفايات
ويشكو محمود الجبالي من مدينة غزة من تراكم القمامة أمام منزله، وانتشار الحشرات وأنواع مختلف من البعوض لم يعتادوا عليها مقبل، مشيراً إلى لدغات البعوض تتسبب بطف جلدي وانتفاخات جلدية كالحروق.
ويضيف الجبالي (37 عاما) أن أطفاله أصيبوا بأمراض جلدية صعبة، بفعل الحشرات التي تتكاثر في تجمعات القمامة، عدا عن شعورنا بالاختناق ليلاً بسبب رائحة المجاري، إذ تبدأ الرائحة بالتسرب إلى أنوفنا مع ساعات المساء ولا نستطيع إيقافها.
ويناشد الجبالي كل العالم لإنقاذهم من المأساة والألم التي يعيشونها في دوامتها، قائلا: “نقتل بالصواريخ والقنابل صباح مساء، والآن نقتل بالنفايات والقمامة المتراكمة”.
ووفقًا لمعطيات وزارة الصحة في غزة، فإن نحو 150 ألف فلسطيني معظمهم من الأطفال يعانون من التهابات جلدية تتراوح بين الجرب، وجدري الماء، والقمل، والقوباء، وأمراض جلدية منهكة أخرى، نتيجة طفو الصرف الصحي والتلوث وشح المياه النظيفة وانعدام مواد التنظيف.
ويقول عاصم النبيه، المتحدث باسم بلدية غزة، إن القمامة تتكاثر بشكل كبير أمام مراكز الإيواء وتجمعات النازحين والمراكز الصحية ما يسبب مكاره صحية خطيرة.
ويضيف أن الاحتلال دمر منذ بدء حرب الإبادة 126 آلية ثقيلة ومتوسطة تتبع لبلدية غزة ما صعب عمل البلدية في ملف جمع النفايات.
ويوضح أن الاحتلال يمنع عمليات ترحيل النفايات إلى المكب الرئيس مما أدى إلى تراكم نحو 150 ألف طن من النفايات في أحياء وشوارع المدينة، تؤثر على سلامة وصحة المواطنين ويزيد من انتشار القوارض والحشرات ويؤدي إلى تفشي الأوبئة والأمراض.
ويلفت إلى عمليات حرق النفايات تشكل جزئياً ولكنها ليست الحل المناسب، فالدخان الناجم عن حرق النفايات الصلبة والنايلون يسبب أمراض تنفسية للمواطنين، ولكن ليس لدينا خيارات أخرى.
ويشير إلى أن جيش الاحتلال يستهدف بشكل مباشر وممنهج البلدية وموظفيها حيث قتل العشرات من موظفي البلدية وهم على رأس عملهم، كما حدث في 14 أغسطس مع الموظف محمد جمال الحبش والذي استشهد في قصف استهدف مقر بلدية غزة الرئيس.
ويعد كبار السن والأطفال الأكثر تضرراً من تدهور الوضع الصحي وانتشار الأمراض. وأعربت وكالات الأمم المتحدة مراراً عن قلقها بشأن الأزمة الإنسانية الصحية الخطيرة التي جلبتها الحرب والحصار الإسرائيلي لسكان غزة.
ويفيد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أنه خلال شهر يونيو/حزيران بأكمله، سمحت إسرائيل بمرور أقل من نصف 115 مهمة مساعدات إنسانية خطط لها إلى شمال غزة.
“}]]