[[{“value”:”
تأبى المشاهد في فلسطين أن تكون اعتيادية في كافة تفاصيلها، فهي متفرّدة دائمًا في التضحيات، والبطولات، والابتلاءات، والصمود والتحدي؛ وليس أقرب مشهدًا لهذا التفرّد من أن يقف صحفيٌّ ورفيقه المصوّر على ركام منزلٍ لعائلة شهداء، يرثي شهيدًا ويعدد مناقبه، ومن خلفه أطفال فلسطين يجلسون على ما تبقى من حطام غزة الجريحة، ويعزون أنفسهم في استشهاد رمز بطولتهم بالمسح على صورته الشامخة فوق الركام، وما إن يبث الصحفي رسالته تلك عبر عدسة رفيقه، حتى يباغته صاروخ إسرائيلي يحولهما إلى أشلاء.. ذلكما هما الصحفي إسماعيل الغول، والمصور رامي الريفي، بعد رثائهما الشهيد القائد إسماعيل هنية.
صوت إسماعيل الغول كان يمثل إحدى أهم الأهداف الإسرائيلية منذ بداية الحرب؛ حيث عمد الاحتلال منذ عدوانه على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، إلى طمس الحقائق وحجب الرواية الفلسطينية عن العالم حتى لا تظهر جرائمه، فكان الغول واحدًا ممن تحدوا الغطرسة الصهيونية من خلال إصراره على نقل الصورة كما هي، صورة المعاناة والقتل والدمار واستهداف كل أركان الحياة في قطاع غزة، وهو ما أقضّ مضجع الاحتلال حتى نفذ جريمته باغتياله عصر اليوم.
عمل الصحفي إسماعيل الغول مراسلًا لقناة الجزيرة الإخبارية في مدينة غزة، كما عمل الريفي مصورًا صحفيًّا لنفس القناة لأشهر متتالية خلال الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة.
سترة الصحافة ودرعها اللذان يمثلان حماية قانونية لمن يرتديهما بموجب كافة الاتفاقات الدولية، لم يكونا كافيين لمنع الاحتلال استهداف الصحفيين (الغول والريفي)؛ إذ يعلن الاحتلال منذ اليوم الأول لعدوانه أن جرائمه ماضية فوق كل قانون ومتجاوزة لأية اتفاقيات.
من جهته، وصف صحفي الجزيرة تامر المسحال عملية اغتيال الغول والمصور رامي بأنها “جريمة بشعة وممنهجة”، تستهدف قناة الجزيرة.
وكشف عن تفاصيل الاتصال بين إدارة الجزيرة في الدوحة ومراسلها في غزة قبل اغتياله؛ حيث حدث اتصال بينهما عند الرابعة و53 دقيقة، وأخبر الغول الإدارة بأن الاحتلال الإسرائيلي استهدف سطح منزل مجاور لركام منزل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشهيد إسماعيل هنية في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة.
وكان الغول يقوم بتغطية صحفية فوق ركام منزل هنية رفقة صحفيين آخرين، وفهم أن القصف الإسرائيلي هو رساله له ولزملائه الصحفيين، فأخلوا المكان، الذي لم يكن عسكريًّا بدليل أن أطفالًا كانوا هناك يرفعون صورة هنية.
ويضيف المسحال أن مراسل الجزيرة والمصور غادرا المكان، ولكن إدارة الجزيرة تلقت اتصالًا بعد حوالي نصف ساعة تفيد باستهدافهما، وأنهما استشهدا على الفور.
ويقول المسحال إن الغول -الذي وصفه بأنه وجه الجزيرة في غزة- هو ابن مخيم الشاطئ ويبلغ من العمر 28 عاما، تخرج من قسم الصحافة في الجامعة الإسلامية بغزة، والتحق بقناة الجزيرة خلال الحرب الحالية التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة.
حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، بعد سويعات من إعلانها استشهاد قائدها ورئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية بغارة صهيونية في طهران، تلقت نبأ استشهاد الصحفيين (الغول والريفي)، فأصدرت بيانًا أكدت فيه أن اغتيال جيش الاحتلال لهما هو جريمة نكراء تضاف لسلسلة الجرائم التي اقترفها ضد الصحفيين الفلسطينيين، بهدف إرهابهم وإسكاتهم عن نقل تفاصيل حرب الإبادة المستمرة منذ ما يقرب من عشرة أشهر على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة.
وأضافت أن ارتكاب هذه الجريمة الجبانة بالقرب من منزل القائد الشهيد إسماعيل هنية في مخيم الشاطئ للاجئين، أثناء تغطية الصحفيين لجريمة الاغتيال، هو تأكيد على نهج العدو الإجرامي المتغطرس، ودليل على أنهم يخشون القائد الشهيد إسماعيل هنية حيًّا وشهيدًا، وفق البيان.
أما حركة الجهاد الإسلامي، فقالت على لسان الناطق باسمها، محمد الحاج موسى، إن اغتيال الغول والريفي هي جريمة ضد الإنسانية، وتحد سافر لكل الأعراف والقيم الإنسانية.
وأضاف: “الضربات المسعورة التي تشنها حكومة الكيان في كل اتجاه هي دليل على حالة اليأس التي وصلت إليها وهي تحاول استعادة قدرة الردع بعدما انكشفت أمام صمود شعبنا الفلسطيني وجبهات الإسناد”.
استهداف الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين لم يكن يومًا عشوائيًّا، بل هو استهداف ممنهج يشمل حملات الاعتقال أو الاغتيال المباشر، كما حدث مع عشرات الصحفيين خلال هذه الحرب، بعد جريمته الأشهر في العام الماضي باغتيال الصحفيية شيرين أبو عاقلة مراسلة الجزيرة في الضفة الغربية، وكان للصحفي إسماعيل الغول نصيبه من أشكال الاستهداف كلها؛ حيث سبق أن اعتقله الاحتلال خلال اقتحامه مجمع الشفاء الطبي الثاني في مارس/آذار الماضي، وها هو يتوج مسيرته بالشهادة أثناء تأديته مهمته.
منتدى الإعلاميين الفلسطينيين، قال إن الاحتلال الإسرائيلي يأبى إلا مواصلة غطرسته واستهدافه المتعمد للصحفيين، ضاربًا بعرض الحائط القوانين الدولية والمواثيق والأعراف الإنسانية المؤكدة على حماية الصحفيين.
ونعى المنتدى الزميليين إسماعيل الغول ورامي الريفي اللذين واصلا التغطية الإعلامية في مدينة غزة رغم المخاطر الأمنية الجمة والمجاعة المتفاقمة، قائلاً: “نشاطر أسرة قناة الجزيرة مشاعر الحزن والألم، لاسيما في ظل الاستهداف الِإسرائيلي المتكرر لطواقمها وأسفر سابقا لاستشهاد الزميلين سامر أبو دقة وحمزة الدحدوح ومن قبلهم شيرين أبو عاقلة، فضلا عن إصابة مراسلها وائل الدحدوح الذي فقد عدد من أفراد أسرته وكذلك الزميل مؤمن الشرافي والزميل إسماعيل أبو عمر الذي فقد ساقه”.
“}]]