[[{“value”:”
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام
على مدى عقود، اتبعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة توسيع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة. ولا يعد هذا التوسيع مجرد خطوة استراتيجية لتعزيز السيطرة على الضفة وتقويض تطلعات الشعب الفلسطيني لإقامة دولته، بل أيضًا جزء أساسي من مشروع “القدس الكبرى”، وهو مشروع استيطاني كبير يهدف إلى ترسيخ الهيمنة الإسرائيلية على القدس والمناطق المحيطة بها.
ويقول خبراء في شؤون الاستيطان وتقارير دولية، إن مصادقة سلطات الاحتلال على بناء مستوطنة جديدة تربط ما بين المجمع الاستيطاني غوش عتصيون ومدينة القدس المحتلة، يأتي ضمن مساعي تسريع إقامة “القدس الكبرى” التي تشكل حوالي 10% من مساحة الضفة الغربية.
وصادق وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، أخيراً، على بناء مستوطنة جديدة على مساحة 602 دونم تربط ما بين المجمع الاستيطاني غوش عتصيون وما بين القدس المحتلة.
والمستوطنة الجديدة ستخنق مدينة بيت جالا وستستولي على الأراضي الفلسطينية بين قرية الولجة ودير الكريميزان.
ويؤكد الخبير في شؤون الاستيطان خليل تفكجي، أن مصادقة سموتريتش على بناء المستوطنة تأتي ضمن ثلاث بؤر استيطانية في منطقة تعتبرها اليونيسكو تراثاً عالمياً، وهي منطقة أثرية تاريخية تقع جنوب مستوطنة هار جيلو.
وتبدأ الكتلة الاستيطانية الجديدة، بحسب تفكجي، من تجمع غوش عتصيون الاستيطاني في الجنوب، وتربط بمستوطنة اليعازر، لتشكل امتداداً استيطانياً يصل بين غوش عتصيون ومدينة القدس من الناحية الغربية.
ومن الناحية الشرقية، تقع مستوطنة أفرات على أراضي بلدة الخضر، بينما يتم تطوير مستوطنة جديدة تحت الإنشاء في منطقة دير مار الياس، تضم 3500 وحدة استيطانية، بارتفاع يصل إلى حوالي 50 طابقاً، بالإضافة إلى 1100 وحدة فندقية، بحسب تفكجي.
ويؤكد تفكجي أن البنية التحتية للمستوطنة الجديدة تشمل أنفاقاً كبيرة جرى افتتاحها أخيراً، مما يعزز الاتصال بين المستوطنات، ويزيد من تعقيد الأوضاع بالنسبة للفلسطينيين.
وبحسب تفكجي، تتركز الاستراتيجية الإسرائيلية على كتلة غوش عتصيون الاستيطانية، باعتبارها جزءاً ممّا يسمى “القدس الكبرى”، التي تشكل حوالي 10% من مساحة الضفة الغربية.
ويشير إلى أن الاستيطان الإسرائيلي يهدف إلى فصل القرى الفلسطينية في منطقة العرقوب، مثل نحالين وحوسان وبتير، عن منطقة بيت لحم، ويكون الدخول إلى هذه المنطقة عن طريق نفق جرى افتتاحه حتى قرية الخضر، مما يسهل إغلاق المنطقة الغربية أمام الفلسطينيين.
وتأتي هذه الخطوات، كما يؤكد تفكجي، في إطار خطة استيطانية أوسع تشمل مستوطنة أفيتار المقامة على جبل صبيح جنوبي نابلس، ومستوطنة بيت إيل المقامة على أراضي مدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله، ومستوطنة ثالثة في منطقة الخليل.
ويشدد الخبير في شؤون الاستيطان خليل تفكجي على أن ما يجري هو محاولة لتسريع إقامة “القدس الكبرى”، واستغلال الظروف الدولية والدعم الأميركي لتعزيز وتسريع الاستيطان في الضفة الغربية، بما يمنع إقامة دولة فلسطينية ويقطع أي تواصل جغرافي وديمغرافي فلسطيني.
يذكر أن عدد مستوطنات الضفة السكنية وصل إلى حوالي 270 مستوطنة. يسكنها حوالي 530 ألف مستوطن، إضافة الى 35 منطقة صناعية لا تشمل القدس المحتلة.
وهذه الأراضي مصادرة منذ العام 1982 وتم الإعلان عنها أنها أراضي تابعة دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث أعلن عن إخراج مساحة 303 دونم من الإعلان وإضافة 203 أخرى تقريباً.
وتقول الأمم المتحدة، إن حجم المستوطنات الإسرائيلية القائمة حاليا في الضفة الغربية توسَّع بشكل ملحوظ بين من 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 إلى 31 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
ويرصد التقرير الصادر في 8 مارس/ آذار 2024، إقامة سلطات الاحتلال حوالي 24300 وحدة سكنية داخل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية خلال الفترة الممتدة بين الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 وحتى 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وبين التقرير أن هذا النشاط يشمل 9670 وحدة استيطانية أقيمت في شرقي القدس، وهو أعلى مستوى مسجل منذ بدء رصد النشاط الاستيطاني عام 2017.
يشدد التقرير على أن سياسات حكومة الاحتلال الحالية متماشية إلى حد غير مسبوق مع أهداف حركة الاستيطان الإسرائيلية، الرامية إلى توسيع السيطرة طويلة الأمد على الضفة الغربية، بما فيها شرقي القدس، ودمج هذه الأرض المحتلة بشكل مطّرد في “إسرائيل”.
ويشير التقرير إلى أن النشاط الاستيطاني يسير جنباً إلى جنب مع تهجير المواطنين الفلسطينيين عبر عنف المستوطنين الإسرائيليين والدولة، وكذلك من خلال عمليات الإخلاء القسري، والامتناع عن إصدار تصاريح البناء، وهدم المنازل، والقيود المفروضة على حركة الفلسطينيين.
ويبين أن 592 شخصا من بينهم 282 طفلا، هجروا قسريًا بعد هدم منازلهم بسبب عدم حصولهم على تصاريح البناء الإسرائيلية، التي يكاد الحصول عليها يكون من المستحيل.
في حين، تؤكد حركة “السلام الآن” المناهضة للاستيطان، أن عام 2024 شكّل الذروة في مصادرة الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة، حيث تعمل حكومة الاحتلال “الأكثر تطرفًا” على تنفيذ أفكارها المناهضة لفكرة وجود دولة فلسطينية.
كما أقرت سلطات الاحتلال في يونيو/ حزيران الماضي على أكبر عملية مصادرة وسرقة للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية منذ أكثر من 3 عقود، وذلك بالاستيلاء 12.7 كيلومتر مربع من الأراضي في غور الأردن، وفق تقرير “السلام الآن” في 4 يوليو/ تموز 2024.
ويبين التقرير أن القرار الاستيلاء على هذه المساحات الواسعة جاء بعد مصادرة 8 كيلومترات مربعة من أراضي الضفة الغربية في مارس/ آذار الماضي، و2.6 كيلومتر مربع في فبراير/ شباط، “ما يجعل عام 2024 هو عام الذروة لمصادرة الأراضي في الضفة الغربية”.
ويؤمن الإسرائيليين بالاستيطان كعقيدة بحد ذاتها، وهي التي يتبنها تيار الصهيونية الدينية الذي يقوده الوزرين المتطرفين إيتمار بن غفر وبتسلئيل سموتريتش، فقد شرع الأخير منذ شهور بتنفيذ خطط ابتلاع 60% من أراضي الضفة الغربية المحتلة، تنفيذًا لوعده بالقضاء على حل الدولتين وتوافقَا مع عقيدة “إسرائيل الكبرى” التوسعية، كما يُطلَق عليها.
وفي أكثر من مناسبة، لوّح سموتريتش بتوسيع الاستيطان، حتى إنّه رسم معادلة قوامها إقامة مستوطنة جديدة باسم كل دولة تعترف بشكل أحادي بالدولة الفلسطينية، بل إنّه يقول إنّ مهمّة حياته هي “إحباط إقامة دولة فلسطينية”.
وتحقيق حلم القدس الكبرى، عبر عنه سموتريتش بتشكّل سلطة “إدارة المستوطنات” لبدء الضم الفعلي لأراضي الضفة الغربية التي تعتبرها الصهيونية الدينية المعقل التاريخي والديني للشعب اليهودي، والتي يسمّيها سموتريتش خطة “توحيد أراضي إسرائيل”، وفق زعمه.
وتشمل الخطة ضم 180 مستوطنة و200 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية يقطنها نصف مليون مستوطن إلى أراضي إسرائيل، ما يعني سرقة ما يزيد على 60% من أراضي الضفة المحتلة، بالإضافة إلى ضم 27 مستوطنة في شرقي القدس المحتلة، يقطنها ربع مليون مستوطن آخر. كما تشمل الخطة أيضًا شرعنة بؤر استيطانية غير مرخصة وبناء مستوطنات جديدة.
و”القدس الكبرى”، خطة قديمة شعارها أكثر ما يمكن من اليهود وأقل ما يمكن من العرب. وهذه الخطة شرعت إسرائيل بتنفيذها منذ وقوع المدينة المقدسة تحت الاحتلال عام 1967م، حيث تبنت الحكومات المتعاقبة سياسة منهجية ثابتة إزاء القدس، تمثلت في توطيد السيطرة اليهودية على المدينة ومحيطها، وتعزيز وحدتها المادية.
ويقول الباحث والأكاديمي فراس القواسمة في ورقة بحثية نشرها مركز رؤية للتنمية السياسية، إن مشاريع الاستيطان الكبرى في القدس تعمد إلى نقل الكتل السكانية الكبرى للمستوطنين إلى قلب المدينة، وتعزيز السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي عبر نشر البؤر الاستيطانية وثكنات الجيش وشبكات الطرق التي تقطع السبيل على التواصل الجغرافي بين الأراضي الفلسطينية.
وتظهر الدراسة أن أخطر المشاريع الاستيطانية انطلقت بعد احتلال القدس عام 1967، خاصة مشروع القدس الكبرى “المتروبالنية”، الذي يسيطر على 10% من أراضي الضفة الغربية، ويفصل بين شقيها الشمالي والجنوبي، وكذلك مشروع جدار الفصل العنصري الذي عزل حوالي 150 ألف فلسطيني خارج حدود بلدية القدس، وضم 3 كتل استيطانية إلى حدود القدس، وهي معاليه أدوميم وجفعات زئيف وغوش عتصيون.
ويوضح القواسمة أن مشروع القدس الكبرى الذي انطلق من هذه الأرضية يقوم على تصورين: الأول، هو القائم حاليا، ويهدف إلى ضم 3 كتل استيطانية كبرى تحيط شرقي القدس، وهي من الشرق كتلة معاليه أدوميم، وتضم 8 مستوطنات، ويستوطن فيها 49 ألف مستوطن.
ومن الشمال الغربي كتلة جفعات زئيف، وتضم 5 مستوطنات، ويستوطن فيها 26 ألف مستوطن. ومن الجنوب كتلة غوش عتصيون، وتضم 14 مستوطنة، ويستوطن فيها 86 ألف مستوطن.
ويضيف أن هذه الكتل الثلاث بالإضافة إلى شرقي القدس تشكل معا ما يقارب 4.5% من مساحة الضفة الغربية، وقد بني جدار الفصل العنصري في القدس على حدود هذه الكتل الثلاث.
أما التصور الثاني فهو -حسب القواسمة- الأكثر خطورة، والذي يطلق عليه أيضا “مشروع القدس الكبرى” (المتروبالنية)، ويهدف إلى ضم أراضٍ أخرى تحيط بهذه الكتل الثلاث، وتمتد على أراض من القدس ورام الله وبيت لحم والخليل، وتبلغ مساحة هذا المخطط ما يقارب 10% من مساحة الضفة البالغة 5 آلاف و655 كيلومترا مربعا.
“}]]