التحكيم في فلسطين: الحل الأسرع والأكثر سرية لإنهاء النزاعات وتعزيز العدالة

رام الله /PNN / بهدف تعزيز المساواة في الوصول إلى العدالة لجميع الفلسطينيين، وخاصة الفئات المهمشة، وفي ظل الاكتظاظ الكبير أمام القضاء، تتزايد أهمية اللجوء إلى وسائل بديلة لفض النزاعات، وعلى رأسها التحكيم الذي يمثل نظامًا قانونيًا خاصًا يعتمد على رضا الأطراف.

هذا ما ناقشته الحلقة الأولى من برنامج “بدائل” بالشراكة والتعاون بين وزارة العدل وشبكة وطن الإعلامية وبدعم من برنامج “سواسية” المشترك، حيث استضاف البرنامج الأكاديمي والمحكم المعتمد لدى وزارة العدل، الدكتور فادي أبو دياك، لتوضيح مفهوم التحكيم ومزاياه وإطاره القانوني في فلسطين، وتوجيه رسائل مُلحة لكافة أطراف المجتمع من أجل تعزيز انتشار هذه الوسيلة.
التحكيم: وسيلة لفض النزاعات تتطلب الحيادية والاستقلالية

أكد الأكاديمي والمحكم المعتمد لدى وزارة العدل الدكتور أبو دياك أن التحكيم يُعد وسيلة قانونية لحل النزاعات خارج أروقة المحاكم، موضحًا أنه عبارة عن طرح نزاع قائم بين أطرافه على هيئة تحكيم للفصل فيه، وشدد على أن المحكمين يتحلوا بالحيادية والاستقلالية، إلى جانب امتلاكهم للخبرة والمعرفة المتخصصة في مجالات محددة، كالمنازعات المالية، والبنكية، والعقارية.

وأوضح أن من أبرز شروط المحكم الناجح “التحلي بالنزاهة والموضوعية، بعيدًا عن أي تأثير أو انحياز”، مؤكدًا أن الحيادية والاستقلالية ليستا خيارًا، بل من الضرورات الأساسية لضمان عدالة عملية التحكيم وشفافيتها

[embedded content]

أبو دياك: التحكيم ليس مجرد وسيلة بل نظام قانوني خاص يوفر السرعة والسرية والتخصص..

أوضح أبو دياك أن التحكيم ليس مجرد وسيلة لفض النزاع، بل هو نظام قانوني خاص يتم الاتفاق عليه بين أطراف متنازعة للخروج من سلطة القضاء العادي واللجوء إلى قضاة خاصين (المحكمين) للفصل في نزاعهم بقرار مُلزم.
وشدد على ضرورة اختيار محكمين يتمتعون بالحيادية والاستقلالية والخبرة المتخصصة والدقيقة في مجال النزاع، مع الالتزام بأعلى المعايير الأخلاقية والمهنية.

أبو دياك يوضح آليات اختيار المحكّمين المتعددة في فلسطين
بيّن الدكتور أبو دياك أن طرق اختيار المحكّمين في فلسطين تتسم بالتنوع والمرونة، بما ينسجم مع طبيعة النزاع ورغبة الأطراف في الوصول إلى حل عادل، وأوضح أن من أبرز هذه الطرق الاتفاق المباشر بين أطراف النزاع على اختيار محكّم بعينه أو تشكيل هيئة تحكيم، وهو ما يُعد الخيار الأكثر شيوعًا في القضايا ذات الطابع التوافقي.

وأشار إلى أن مؤسسات التحكيم المتخصصة تتيح خيارًا آخر يتمثل في اللجوء إلى قوائم محكّمين معتمدين لديها، حيث يُختار المحكّم بناءً على خبرته وتخصصه، كما أوضح أن المحاكم الفلسطينية تملك صلاحية تعيين المحكّمين أو هيئة التحكيم، سواء بطلب من أحد الأطراف أو من هيئة التحكيم ذاتها، وفقًا لما نص عليه قانون التحكيم الفلسطيني في المادة الحادية عشرة.

وتحدّث أبو دياك كذلك عن إمكانية اختيار المحكّمين عبر التشاور بين الأطراف، معتبرًا ذلك من الوسائل التي تعزز الشفافية والقبول المتبادل. وأكد على أهمية اعتماد قوائم المحكّمين المعتمدين لدى وزارة العدل، والتي تشكل مرجعية رسمية تلتزم بها المحاكم عند إحالة القضايا إلى التحكيم، بما يضمن الكفاءة والحيادية في تسوية النزاعات.

مزايا التحكيم: سرعة وسرية وتخصص وخبرة
استعرض الدكتور أبو دياك أبرز مزايا التحكيم التي تجعله وسيلة فعالة لفض النزاعات، مشيرًا إلى أن سرعة الإجراءات تعد من أبرز السمات التي تميز التحكيم مقارنة بالقضاء النظامي، إذ يمكن أن يصدر الحكم خلال فترة تتراوح بين شهر وسنة، وقد تمتد إلى سنة ونصف في بعض الحالات الخاصة.

كما شدد على الطابع السري لجلسات التحكيم وإصدار الأحكام، ما يضمن خصوصية الأطراف، بخلاف المحاكم التي تُعقد فيها الجلسات بشكل علني. وأشار إلى أن التحكيم يتميز كذلك بالتخصص والدقة، إذ يُختار المحكّم وفقًا لمجاله المهني الدقيق، مما يضفي جودة على القرار ويعزز الثقة بنتائجه.

كما أكد على استقلالية وهيبة المحكّم الذي يؤدي دور القاضي، لا الوكيل لأي من الطرفين، الأمر الذي يعزز العدالة والحياد في النظر في النزاع.

ولفت إلى أهمية السرية في التعامل مع بعض الحالات الحساسة، لا سيما تلك التي تخص النساء، حيث قد تشكل هذه الخصوصية دافعًا لاختيار التحكيم بدلًا من اللجوء إلى القضاء العلني، وأوضح كذلك أن التحكيم يتمتع بمرونة من حيث المكان، إذ يمكن عقد الجلسات في أي موقع يتم الاتفاق عليه بين أطراف النزاع..

الإطار القانوني للتحكيم وإمكانية الاتفاق على الشريعة والقانون الدولي
تطرق الدكتور أبو دياك إلى الجوانب القانونية الناظمة لعملية التحكيم، مؤكدًا أن القانون الفلسطيني يسمح للأطراف بالاتفاق على المرجعية التي يُعتمد عليها في فض النزاع، سواء كانت مستندة إلى أحكام الشريعة الإسلامية أو إلى اتفاقيات دولية. وأوضح أن هذا التنوع في الخيارات يمنح مرونة للأطراف، ويتيح طمأنينة أكبر خاصة عند اعتماد مرجعية شرعية ذات بُعد روحي ومعنوي.

وبيّن أن أحكام التحكيم تُعد ملزمة وواجبة التنفيذ شأنها شأن الأحكام القضائية، مع وجود اختلاف بسيط في إجراءات التنفيذ، ما يعزز من مصداقية وجدوى اللجوء إلى التحكيم كمسار بديل وأكثر مرونة لحل النزاعات.

أهمية الوعي بالتحكيم ومزاياه للمؤسسات المالية والبنوك
أكد الدكتور أبو دياك على أهمية رفع مستوى الوعي لدى المؤسسات والأفراد بأهمية اللجوء إلى التحكيم كوسيلة عادلة وفعالة لفض النزاعات، وأوضح أن التحكيم يمنح الأطراف حقهم بطريقة سريعة وآمنة، ويُعد خيارًا مناسبًا للمؤسسات المالية والبنوك نظرًا لحساسيتها العالية في ما يتعلق بسمعتها ومستنداتها وحقوقها.
وبيّن أن السرعة والإنجاز في مسار التحكيم يسهمان في خفض التكاليف، والحد من المخاطر، وتقليص فرص المماطلة من قبل المدينين.

كما أشار إلى إمكانية استغلال قيمة النزاع المالي في مشاريع استثمارية بديلة خلال فترة التحكيم، مما يمنح الأطراف فرصة لتعويض الخسائر المحتملة.

ولم يغفل الجانب الاجتماعي، حيث شدد على أن التحكيم يخفف الأعباء المادية والمعنوية، ويحفظ خصوصية الأفراد، لا سيما النساء اللواتي قد يترددن في التوجه إلى المحاكم النظامية.

التحكيم في العمل المصرفي الإسلامي وتوصيات للجهات الرسمية
تحدث الدكتور أبو دياك عن ضرورة تفعيل التحكيم في إطار العمل المصرفي الإسلامي، مؤكدًا على أهمية تضمين نصوص واضحة في العقود تشير إلى إمكانية اللجوء إلى التحكيم وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، في حال نشوء نزاع بين البنك والعميل، واعتبر أن ذلك يعزز ثقة العملاء بالبنك ويمنحهم شعورًا بالطمأنينة الروحية والمعنوية تجاه مسار التحكيم.

و قدم أبو دياك عبر حديثه مجموعة من التوصيات الموجهة لسلطة النقد والجهات الرسمية المعنية، داعيًا إلى ضرورة تضمين بند التحكيم في جميع العقود المبرمة بين البنوك والمؤسسات والأطراف الأخرى، منذ لحظة التوقيع.

كما طالب بإصدار قرار ملزم من هيئة سوق رأس المال وسلطة النقد الفلسطينية بفرض إدراج بند التحكيم ضمن جميع عقود المؤسسات العاملة في فلسطين.

ودعا كذلك وزارة الاقتصاد الوطني إلى اعتبار بند التحكيم شرطًا أساسيًا ضمن متطلبات تأسيس الشركات، بما يعزز من بيئة الاستثمار ويُسرّع حل النزاعات بطريقة تحفظ الحقوق وتخفف الأعباء عن النظام القضائي.

رسائل مُلحة لوزارة التعليم العالي والجامعات
اقترح الدكتور أبو دياك على وزارة التعليم العالي الفلسطينية والجامعات الفلسطينية إدراج مساقات متخصصة حول مبادئ التحكيم وأهميته في مناهج كليات القانون والاقتصاد وإدارة الأعمال، بهدف تخريج جيل واعٍ بأهمية هذه الوسيلة القانونية وقادر على الاستفادة منها.

رسالة للمواطن وأهمية اختيار محكم نزيه ومختص
في ختام الحلقة، وجه الدكتور أبو دياك رسالة إلى المواطن الفلسطيني، ناصحًا إياه باللجوء إلى التحكيم كخيار فعال لحفظ الحقوق، مع التأكيد على أهمية حسن اختيار محكم يتمتع بالكفاءة والنزاهة والحيادية، مذكّرًا بأن “المحكم هو قاضٍ وليس وكيلًا”، ومتمنيًا انتشار ثقافة التحكيم بشكل أوسع في المجتمع الفلسطيني.

مشاركات مماثلة