برلين – أ ف ب: اقر النواب الألمان، أمس، خطّة استثمار غير مسبوقة طرحها المستشار المقبل فريدريش ميرتس تقضي بإعادة تسليح البلد وتحديثه في وجه الاضطرابات الجيوسياسية التي تعصف بالعالم.
وحظيت هذه الحزمة المقدّرة بمئات مليارات اليوروهات التي تتطلّب تليين قواعد المديونية بتأييد 513 نائبا، أي أعلى بقليل من نسبة الثلثين اللازمة لإقرارها، فيما صوّت 207 نواب ضدّها.
ويعتبر هذا التصويت تاريخيا في بلد عرف بانضباطه المالي ولطالما أهمل الإنفاق العسكري مستفيدا من المظلّة الأميركية التي تحميه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
لكن المعادلة تغيّرت. فبعد الصدمة التي شكّلها الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط 2022، باتت برلين ترى واشنطن تبتعد عنها وتتقرّب من موسكو بدفع من دونالد ترامب.
وأمام البوندستاغ، الغرفة السفلى للبرلمان الألماني، دعا فريدريش ميرتس النواب إلى الموافقة على خطّته الاستثمارية الضخمة للتصدّي “للحرب ضدّ أوروبا” التي تشنّها روسيا.
وفي مستهلّ الجلسة، قال زعيم المحافظين، إن “الظروف تتأثّر خصوصا بعدوان بوتين على أوروبا… هي فعلا حرب ضدّ أوروبا وليست فحسب حربا ضدّ وحدة أراضي أوكرانيا”، عارضا الهجمات السيبرانية وعمليات تخريب البنى التحتية المنسوبة إلى روسيا.
ووصف هذه الخطّة بـ”خطوة كبيرة أولى نحو جماعة أوروبية جديدة للدفاع”.
وتضمّ هذه الجماعة “دولا ليست من أعضاء الاتحاد الأوروبي”، مثل بريطانيا والنرويج، بحسب ما كشف ميرتس مطالبا بمنح طلبيات التجهيزات الدفاعية المخصّصة لإعادة تسليح ألمانيا “لصانعين أوروبيين قدر المستطاع”.
وفي تغيّر ملحوظ لألمانيا التي انضوت لعقود تحت المظلّة الدفاعية الأميركية، يطالب فريدريش ميرتس بزيادة استقلالية أوروبا في مجال الدفاع، في حين لم يعد من الممكن استشراف سياسة واشنطن في عهد دونالد ترامب.
ويشكّل هذا المشروع الاستثماري الضخم حجر الزاوية للحكومة المقبلة التي ينوي ميرتس تشكيلها مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
ولا بدّ من تعديل القانون الأساسي الذي يقوم مقام الدستور في ألمانيا لإفساح المجال لإنفاق بهذا القدر في بلد معروف بانضباطه المالي.
وينصّ المشروع على تليين قواعد المديونية الواردة في القانون الأساسي للإنفاق المخصّص للمجال العسكري والولايات.
ويتضمّن صندوقا خاصا خارج إطار الميزانية بقيمة 500 مليار يورو على 12 سنة لتحديث البنى التحتية وتحريك عجلة الاقتصاد الذي يعاني من ركود منذ سنتين، سيخصص 100 مليار منها لحماية المناخ، بضغط من حزب الخضر.
ولا شكّ في أن المبالغ المطروحة هائلة وسيكون لها ارتدادات تتخطّى ألمانيا وتقدّر بما بين ألف و1500 مليار يورو ستضخّ في الاقتصاد خلال العقد المقبل.
ويقضي الأمر بـ”إعطاء اتّجاه جديد لتاريخ بلدنا هو بمثابة تجديد إيجابي لألمانيا، تجديد إيجابي لأوروبا”، بحسب ما قال زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي لارس كلينغبايل أمام النواب مقرّا بأنها قد تكون “أكبر حزمة إنفاق في تاريخ ألمانيا”.
وبعد البوندستاغ، لا بدّ للمشروع من أن يحظى أيضا بموافقة البوندسرات، الغرفة العليا في البرلمان التي تمثّل الولايات، للدخول حيّز التنفيذ.
ويسعى فريدريش ميرتس (69 عاما)، الخصم السابق لأنغيلا ميركل في حزبه، إلى دفع البرلمان الحالي إلى إقرار هذه التدابير الجديدة، إذ إن اليمين المتطرف واليسار الراديكالي سيكون لهما أقلّية معطّلة في البرلمان المقبل الذي سيجتمع أعضاؤه في 25 آذار.
ومن شأن الخطّة الجديدة أن تتيح أيضا الإفراج عن مساعدة عسكرية عالقة لأوكرانيا بقيمة 3 مليارات يورو.
ومن المرتقب أن تعطي لجنة الميزانية في البوندستاغ رسميا الضوء الأخضر للإفراج عن هذه الأموال، الجمعة، بعد تصويت البوندسرات، بحسب ما أفادت مصادر برلمانية وكالة فرانس برس.
لكن الطريق ما زال محفوفا بالصعوبات للمستشار العتيد الذي يجري حزبه مفاوضات مع الاشتراكيين الديمقراطيين بهدف تشكيل “ائتلاف حكومي كبير” يؤمل أن يبصر النور بحلول 21 نيسان.
ويتوقّع أن تكون “المفاوضات صعبة” بحسب ميرتس، في حين ستقابل الاستثمارات الطائلة التي تنصّ عليها خطّته بوفورات على كلّ المستويات وإصلاحات واسعة من شأنها أن تزعزع التحالف الكبير المقبل.