غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
في مسرحية استعراضية، استمرت على طول أيام الاجتياح البري الصهيوني لغزة، صوّر الاحتلال مجمع الشفاء الطبي على أنه مركز القيادة والتحكم، الذي تقود حركة حماس وكتائب القسام المعركة من أروقته، وتخزن فيه السلاح والصواريخ وتحتجز فيه أسرى العدو.
وفي واحدة من أسمج خطط الدعاية الكاذبة، مارست إسرائيل حملة البروباغندا هذه بمنهجية متصاعدة ومتأنية، في سبيل إقناع العالم بخطتها الإرهابية التي دمرت خلالها قواطع عريضة من مدينة غزة وشمالها قبل أن تقتحم المستشفى.
الضوء الأخضر الأمريكي
وفي ظهر إسرائيل، تقف أمريكا التي تدعي أنها الراعي الأول للديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة، وتبنت رواية إسرائيل الكاذبة كما هي، دون أن تكلف نفسها بما تملك من إمكانات الاستجابة لنداءات وزارة الصحة والمسؤولين في غزة لإرسال فرق أممية متخصصة، لزيارة مستشفى الشفاء والتحقق من ادعاءات إسرائيل السمجة.
ومنذ أيام، طالبت وزارة الصحة وحركة حماس وكل الفصائل الفلسطينية الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، بالتواجد في المستشفيات المستهدفة والمهددة وخاصة مستشفى الشفاء، لكشف الحقائق والوقوف أمام مسؤولياتها في حماية هذه المستشفيات، ومنع جيش وحكومة الاحتلال من تزييف الحقائق، لكن أحدا لم يستجب لذلك.
وقال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، إسماعيل الثوابتة: وجهنا مناشدات إلى جميع المنظمات الدولية والصليب الأحمر منذ أيام لإنقاذ الجرحى والطواقم الطبية في مجمع الشفاء، لكنها رفضت الاستجابة وتماهت مع أهداف الاحتلال وتتحمل جزءا من المسؤولية عما يجري.
وساعات قبل الاقتحام الفعلي الذي تم قبيل فجر اليوم الأربعاء، كرر البيت الأبيض عبارات المتحدث باسم جيش الاحتلال، مدعيا أن استخباراته توصلت إلى ما يؤكد استخدام حماس والقسام حرم المستشفى لأغراض عسكرية، في ضوء أخضر جديد وواضح لدبابات العدو لمواصلة جريمته البشعة باقتحام المستشفى.
ترميم صورة الجيش المهزوم
جيش الاحتلال العاجز، الذي تلقى الضربة الأقسى في تاريخ الصراع، في السابع من أكتوبر الماضي، يحاول ترميم صورته المهترئة التي فضحتها عدسات مثبتة على رؤوس المقاومين من مجاهدي القسام، وهي توثق علوّ كعب الفلسطيني في غلاف غزة، وإجهاز المقاتلين على فرقة غزة بالكامل في ساعات معدودة.
وعلى غرار ما أحدثته آلة الحرب الأمريكية إبان غزو العراق عام 2003، حين جعلت من معركة مطار بغداد صورة لانتصارها، يجعل جيش الاحتلال معركة مستشفى الشفاء وترويع طواقمه ومرضاه وحصاره وتدمير أروقته صورة لانتصاره يخرج بها لشعبه من قلب غزة، لعله يقتنع أن لديه جيشا قويا يستطيع أن يصل إلى أي مكان ويحقق أهدافه.
المتأمل يجد أن الحرب تدخل هذا الصباح يومها الأربعين، دون أن تتمكن ترسانة الاحتلال الهائلة، والصواريخ الأمريكية المدمرة التي سقطت بمئات الأطنان على رؤوس الآمنين في غزة، من تحقيق أي من أهداف الاحتلال المعلنة، بل انكسر الجيش مرة أخرى أمام المقاومة الثابتة، وبانت عورة دباباته التي بات المجاهدون يقتنصونها الواحدة تلو الأخرى وكأنهم في لعبة يتسلون بها على موبايل حديث.
يشار إلى أن توقيت اقتحام مستشفى الشفاء جاء بعد حديث متزامن عن قرب التوصل إلى صفقة جزئية لتبادل الأسرى، وربما سيعد الاحتلال ما سيُعلن عنه من “إنجاز”، السلم الذي سينزل عنه بعد مواقفه الحازمة وتصريحاته السابقة برفض التبادل أو إدخال الوقود إلا بعد الإفراج عن الأسرى دون شرط، وفق تقديرات متابعين.
مراهقة سياسية
عزت الرشق، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، عقب على اقتحام المستشفى بالدبابات، بقوله: إن عد نتنياهو وجيشه المهزوم اقتحام مستشفى الشفاء إنجازًا يعد مراهقة سياسية، ومسرحية مكشوفة لن تنطلي على أحد ولن يصدقها أحد، فمستشفى الشفاء مرفق مدني طبي وليس ثكنة عسكرية.
وأكد الرشق في تصريح مصور بثه للإعلام، أن الرئيس الأمريكي شريك كامل في حرب الإبادة التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي بغزة، وأن البيت الأبيض هو من أعطى الضوء الأخضر للاحتلال لاقتحام مستشفى الشفاء.
مسرحية مكشوفة قابلة للتمحيص
من جهته، أكد الاستشاري الإعلامي، الكاتب والمحلل في الشؤون الأوروبية والدولية حسام شاكر، إنه منذ بدء العدوان يقوم الاحتلال ببث أكاذيب يومية بشكل منهجي وبصفة إغراق من أجل التضليل، ويستخدم حبكات ملفقة بصرية وصوتية وتمثيلية ويقتعل مشاهد بهدف ترويج رواية مضللة بشأن الوقائع.
وأضاف في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: هذا دأب الاحتلال باستمرار، وهو بكل جولة يأتي بالمزيد، وكل ما يأتي به يحظى بالتمحيص والنقد الذي يفكك هذه المزاعم أولا بأول، ثم يأتي بمزيد من الأكاذيب ثم تفكك، وهكذا.
وشدد على أن الاحتلال عمليًّا يتمادى في هذا النهج لأنه يضمن تواطؤا معه على المستوى السياسي والإعلامي، ولضعف القدرة التمحيصية من جانب وسائل الإعلام الجماهيرية.
وقال: تكفي حقيقةً أنّ الاحتلال جعل مستشفى الشفاء في مركز دعايته لتبين أنه سيكون مضطرا لإيجاد تلفيقات بشأن المستشفى على نحو يبرر كل ما قام به من جرائم إبادة، ولكن هذا بكل تأكيد لن يجري بشكل سهل لمن يسيطر على المكان ويفتعل به ما يريد من مشاهد محبوكة أو تلفيقات، على النحو الذي شوهد في أماكن أخرى في القطاع، الاحتلال مع ذلك يرتكب أخطاء دفاعية مستمرة ستجعل تلفيقات قابلة للنقد والتمحيص من قبل الجهات المختصة من الصحافة الاستقصائية وغيرها.
الشفاء هدفا مركزيًّا
مستشفى الشفاء هو أكبر مجمع طبي في القطاع يضم ثلاثة مستشفيات متخصصة، ويخدم سكان غزة والمنطقة الشمالية قبل الحرب وخلالها.
ويؤدي مجمع الشفاء دورًا أساسيًّا خلال الحرب على غزة، ويستقبل المصابين، وتجرى فيه العمليات الجراحية. كما يحتضن نحو 25% من مجمل العاملين في مستشفيات القطاع كلها.
وكان المستشفى مركز إيواء لنحو 60 ألفا من النازحين من بيوتهم من غزة وشمالها على إثر القصف ومجازر الإبادة الجماعية، قبل أن يخرج الآلاف منه تحت ضغط القصف العشوائي للمستشفى وحصاره بالدبابات، وبقي فيه نحو 7 آلاف نازح إضافة إلى نحو 650 مريضًا والمئات من أفراد الطواقم الطبية والإدارية.
هل تنتهي مسرحية المستشفى بحصول الاحتلال على صورة النصر الوهمية التي يتمناها، أم ستكون محطة على طريق جرائم إبادة أخرى، يحاول الاحتلال من خلالها تصفية من تبقى من أبناء شعبنا وتهجير النازحين على مرأى ومسمع العالم المتحضر؟.