تل أبيب – وكالات: خلُص تحقيق نشر الجيش الإسرائيلي نتائجه، أمس، إلى أن جنوده لم يقوموا بـ”إطلاق النار عشوائياً” خلال الحادث الذي وقع الشهر الماضي وأسفر عن مقتل 15 مسعفاً ومنقذاً في قطاع غزة، وأثار موجة إدانات دولية.
وجاء في ملخص التحقيق الذي نشره الجيش: “لم يشارك الجنود في إطلاق نار عشوائي، بل ظلوا في حالة تأهب للرد على تهديدات حقيقية تم التعرف عليها من قبلهم”، مضيفاً: “لم يتم العثور على أي دليل يدعم الادعاءات المتعلقة بالإعدام”.
في المقابل، أقر الجيش الإسرائيلي بفشله في “الإبلاغ الكامل” عن الحادث الذي وقع الشهر الماضي وأدى إلى مقتل 15 مسعفاً ومنقذاً في منطقة تل السلطان في رفح بجنوب قطاع غزة، معلناً عزل الضابط المسؤول عن منصبه.
وجاء في الملخص: “حدد الفحص عدة إخفاقات مهنيّة، وانتهاكات للأوامر، وفشلاً في الإبلاغ الكامل عن الحادث”، مضيفاً: “سيُعزل نائب قائد كتيبة الاستطلاع في وحدة غولاني من منصبه بسبب مسؤوليته كقائد ميداني ولتقديمه تقريراً غير مكتمل وغير دقيق خلال جلسة التقييم بعد الحدث”.
وزعم الجيش أن ستة من بين المنقذين والمسعفين الذين قتلوا بنيران جنوده هم عناصر في حركة “حماس”، معرباً عن “أسفه للأذى الذي لحق بالمدنيين غير المتورطين”.
وقع الحادث في الساعات الأولى من ذلك اليوم، حين كان موظفو خدمات الطوارئ يستجيبون لنداءات استغاثة من سكان قرب رفح؛ بعد غارة جوية إسرائيلية في المنطقة، وفقاً للهلال الأحمر الفلسطيني.
قضى في الواقعة ثمانية موظفين من الهلال الأحمر، وستة من الدفاع المدني في غزة، وموظف واحد من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وفق مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) ومسعفين فلسطينيين.
وبعد أيام، قال الجيش الإسرائيلي: إن جنوده أطلقوا النار على “إرهابيين” اقتربوا منهم في “مركبات مشبوهة”، وأضاف المتحدث باسم الجيش لاحقاً: إن أضواء المركبات كانت مطفأة.
لكن مقطع فيديو تمت استعادته من هاتف محمول لأحد المنقذين الذين قتلوا، ونشره الهلال الأحمر، يتناقض مع رواية الجيش الإسرائيلي.
ويظهر الفيديو سيارات الإسعاف وهي تسير مع تشغيل مصابيحها الأمامية وأضواء الطوارئ.
تم العثور على جثث الرجال الذين قتلوا مدفونة قرب موقع إطلاق النار في منطقة تل السلطان بمدينة رفح، في ما وصفه مكتب الأمم المتحدة بأنه “مقبرة جماعية”.
وقال رئيس جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، يونس الخطيب، للصحافيين في رام الله مؤخراً: إن تشريح الجثث كشف أن “جميع الشهداء تم إطلاق النار عليهم في الجزء العلوي من أجسادهم، بقصد القتل”.
وسعى الجيش الإسرائيلي إلى تبرئة جنوده من هذه الجريمة، التي أفاد شهود عيان بعد حدوثها بأن القوات الإسرائيلية أعدمت أفراد طواقم الإنقاذ الفلسطينيين بإطلاق النار على صدورهم ورؤوسهم، قبل دفنهم في قبر جماعي.
ونقلت صحيفة “الغارديان”، مطلع نيسان الجاري، عن مدير البرامج الصحية في الهلال الأحمر الفلسطيني، الدكتور بشار مراد، تأكيده على أنه تبين بشكل واضح خلال تشريح الجثامين أنه “تم إطلاق النار على القسم العلوي من أجسادهم، وبعد ذلك جرى دفنهم الواحد على الآخر”.
غير أن الجيش الإسرائيلي ادعى في بيانه، أمس، أنه “تبين من نتائج التحقيق أن الحدث حصل في منطقة قتال معادية وخطيرة، في ظل تهديد على القوات العاملة في هذه المنطقة”. كذلك حاول الجيش الإسرائيلي تحميل المسؤولية عن هذه الجريمة إلى “استخدام حماس سيارات إسعاف لنقل مخربين وأسلحة كأساليب قتال”.
وزعم الجيش الإسرائيلي أن التحقيق لم يجد أدلة على “تكبيل القتلى قبل إطلاق النار أو بعده، أو أدلة على عمليات إعدام”.
وقال الجيش الإسرائيلي: إنه في اليوم ذاته، وقعت 3 أحداث إطلاق نار. وفي الحدث الأول، أطلق جنود إسرائيليون النار باتجاه مركبة، بادعاء أنه “تم التعرف عليها أنها مركبة تابعة لحماس. وبعد هذا الحدث تأهبت القوة ضد إمكانية تواجد عدو آخر”.
وأضاف: إنه في الحدث الثاني بعد ساعة تقريباً، أطلق جنود إسرائيليون النار “باتجاه مشتبهين، خرجوا من داخل مركبة إطفاء ومركبات إسعاف بالقرب من القوة التي كانت في كمين، وبعد أن شعروا بأنهم مهددون بشكل مباشر وفوري”.
وأردف بيان الجيش الإسرائيلي: إن “الحدث بدأ بعد أن أبلغ موقع مراقبة الجنود عن خمس مركبات تسير بسرعة عالية (علماً أنها مركبات إسعاف)، وتوقفت بالقرب من القوة وأخرجت أغراضاً من المركبات بسرعة”.
وتابع: إن نائب قائد سرية لواء “غولاني”، الذي يقود القوة، قدّر أن هذه مركبة “تستخدمها قوات حماس، وحضرت لمساعدة ركاب المركبة الأولى، وإثر الشعور بتهديد ملموس، قرر إطلاق النار. وقائد السرية لم يتعرف بداية أن هذه سيارة إسعاف”، بادعاء “مجال رؤية محدود في ساعات الليل. وفقط أثناء عملية تمشيط اتضح أن الحديث يدور عن طاقم إنقاذ”.
وفي الحدث الثالث، اعترف الجيش الإسرائيلي بأن الجنود الإسرائيليين أطلقوا النار باتجاه “سيارة أمم متحدة فلسطينية، نتيجة خطأ في إدراك الظروف العملياتية”.
وتابع بيان الجيش الإسرائيلي: إنه لدى بزوغ الفجر “تقرر تجميع الجثث وتغطيتها منعاً للمسّ بها وإخلاء المركبات من الطريق. وإخلاء الجثث (أي دفنها في قبر جماعي) نفذه الضباط الإسرائيليون وكذلك إخلاء المركبات وسحقها”.
واستنتج التحقيق، حسب البيان، أن “قرار إخلاء الجثث كان معقولاً قياساً بالظروف، بينما القرار بسحق المركبات كان خاطئاً. وعموماً، لم تكن هناك محاولة لإخفاء الحدث، وتعالى هذا الأمر خلال محادثات مع منظمات دولية والأمم المتحدة، من أجل تنسيق إخلاء الجثث”.
وقرر تحقيق الجيش الإسرائيلي أن “إطلاق النار في الحدثين الأولين نُفذ بسبب إدراك عملياتي خاطئ من جانب القوة الإسرائيلية، إثر تقديرها أنه كان هناك تهديد حقيقي من جانب قوة عدو. وفي الحدث الثالث، تم تنفيذ إطلاق النار بشكل مخالف للتعليمات، وخلال حدث حربي”.
ورغم اعتراف الجيش الإسرائيلي بـ”خطأ جنوده” في إطلاق النار ومقتل أفراد طواقم الإنقاذ الفلسطينيين، إلا أنه تقرر اتخاذ إجراءات متساهلة للغاية ضد الجنود، وبينها تسجيل ملاحظة في ملف قائد اللواء 14، وإقصاء نائب سرية “غولاني” عن منصبه بسبب مسؤوليته كقائد ميداني للقوة والإفادة بتقرير كاذب لطاقم التحقيق.
