تل ابيب/PNN-فيما يبدو ميزان الرعب المتبادل بين إسرائيل وإيران في مرحلة تشكّل جديدة، تفيد تصريحات وتسريبات متتالية داخل إسرائيل، بأن قادتها في الائتلاف والمعارضة متوافقون على ضرورة الردّ على إيران بعد هجمتها غير المسبوقة، لكنهم يختلفون على حجم الرد وتوقيته ومكانه، وسط دعوات كثيرة للتريّث واختيار الهدف بعناية والحذر خشية الانزلاق إلى حرب إقليمية، والاهتمام بالحفاظ على التحالف الغربي- العربي الناشئ ضد إيران.
وبالتزامن، سيصل إلى إسرائيل وزيرا الخارجية البريطاني والفرنسي في محاولة لمنع تصعيد جديد محتمل في الشرق الأوسط. وتنقل وسائل إعلام عبرية صباح اليوم الثلاثاء عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو قال لوزراء حزبه “الليكود” إن على إسرائيل الردّ على إيران بحكمة بعيدا عن الانفعالية، منوها أيضا لأهمية ترك الإيرانيين في حالة قلق وضغط وهم ينتظرون الضربة الإسرائيلية.
وقالت تسريبات إسرائيلية إن مكتب نتنياهو رفض تلقي مكالمات خارجية من مسؤولين دوليين منذ أمس الإثنين؛ بسبب خوفه من عزمهم ممارسة الضغوط عليهم. ويتوافق المستوى العسكري مع المستوى السياسي في إسرائيل حول حتمية الرد على إيران كما تجلى في تصريحات قائد جيش الاحتلال هرتسي هليفي، الذي قال بلهجة قاطعة من قاعدة “نفاطيم” الجوية في النقب: “سيكون هناك رد على هذا الاعتداء الواسع”، وتبعه الناطق العسكري دانيال هغاري الذي قال إن إسرائيل سترد في المكان والزمان المناسبين.
وبعد التحفظات المعلنة من قبل الولايات المتحدة على ردّ عسكري إسرائيلي، وتأكيد ساستها بأنهم لن يشاركوا في عمل هجومي ضد إيران، اهتماما بمصالح أمريكية في المنطقة، وبحسابات داخلية على رأسها الانتخابات الرئاسية المقبلة، تكشف صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية اليوم، أنه رغم معارضة الدول العظمى والخوف من التصعيد، يعترف مصدر أمريكي أن الرئيس بايدن لن يمنع نتنياهو من تنفيذ قرار يتخذه بهذا الخصوص.
في المقابل، تفيد وسائل إعلام عبرية أن إسرائيل ورغم استعدادها للرد، تبعث برسائل لعدة جهات دولية وإقليمية أنها ليست معنية بحرب ولا تريد تصدعا في التحالف الدولي الناتج، وعلى ما يبدو هذه محاولة لطمأنة دول معينة والحفاظ على بدء تحسن العلاقات معها، علاوة على الرغبة بتحاشي سوء فهم مع إيران يؤدي لتصعيد خطير كلاهما لا يرغب به. كما قالت الإذاعة العبرية الرسمية اليوم، إن إسرائيل بعثت رسالة تطمين سرية لدول عربية في ظل تهديدات إيرانية لها، مفادها: “لن نقوم بما يزعزع الاستقرار عندكم أو إظهاركم عملاء لنا”.
إيهود باراك: علينا الرد والتحلي بالصبر الاستراتيجي
في حديث للإذاعة العبرية الرسمية، عبّر رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود باراك، عن المزاج السائد لدى معظم الأوساط الرسمية وغير الرسمية داخل إسرائيل، بإشادته بقدرات الدولة العبرية الجوية في صدّ الهجمة الإيرانية خلال “ليلة المسيّرات” وبدعوته للتريّث والتصرف بحكمة وإطلاق حجر يصيب عدة أهداف في اتجاهات مختلفة.
عن ذلك قال باراك: “علينا الرد، ولكن علينا معاينة الهدف من جملة أهداف ممكنة مع الأخذ بالحسبان عدة اعتبارات: ألا يؤدي الرد لحرب يحقق حلم سنوار، عدم نسيان الحرب على غزة وأهدافها التي لم تتحقق بعد، والمحتجزين”. منبها أيضا للحذر والحرص على عدم اندلاع حرب مع حزب الله، ولضرورة السعي لترميم قوة الردع وترميم العلاقات مع واشنطن في ذات الوقت، بعدما تبينت مجددا حيوية الدعم الأمريكي خلال الأزمة الراهنة مع إيران، علاوة على دعوته للحفاظ على التحالف الناشئ “الغربي- العربي” ضد المحور الإيراني.
وفي نطاق دعوته للتريّث والحذر، لفت باراك إلى أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أخطأت مجددا قبل أيام، بعدما تنبأت بأن إيران لن ترد عسكريا على قصف قنصليتها في دمشق، واغتيال قيادات في الحرس الثوري، مذكّرا بفشلها أيضا في السابع من أكتوبر. وتابع: “لذلك، عندما يقال لك إن هذا رد مقترح ملائم لن يدفع إيران للرد ثانية عليك التشكيك به”.
وفي هذا المضمار قال النائب من حزب “يش عتيد” المعارض متان كهانا (طيّار عسكري سابق) إن إسرائيل حققت ليلة السبت نجاحا باهرا، لكنها بدون التحالف الإقليمي والتعاون الغربي ودول أخرى، كانت ستصحوا على صباح مختلف خطير.
الحذر من الاستعجال
وفي الرأي العام، يدعو مراقبون إسرائيليون كثر للتريث، مقابل دعوات بن غفير وسموتريتش وبعض وزراء الليكود وعدد من المحللين للرد العنيف الفوري ورد الصاع صاعين لإيران.
في مقال تنشره “يديعوت أحرونوت” اليوم، يحذّر المعلق السياسي البارز بن درور، من الاكتفاء برد رمزي على هجمة إيران. ويعلل دعوته لرد قوي بالقول إنه للمرة الأولى، ينشأ تحالف غربي- إسرائيلي- عربي، شارك في لحظة الحقيقة ضد إيران، لكن هذا المكسب في خطر؛ لأننا في الشرق الأوسط. زاعما أنه في الظروف النائشة، فإن ضبط النفس هو ضعف، ويعني استمرار الكيدية الإيرانية مما من شأنه أن يشجع طهران على الاستمرار في زعزعة الاستقرار خاصة في الأردن.
في المقابل يحذر عدد كبير من المراقبين من الرد العجول، فيقول على سبيل المثال رون بن يشاي، المحلل العسكري في موقع “واينت”: “علينا عدم العجلة للرد بهجوم على إيران، أولا كي نباغتهم وتجعلهم في حيرة وقلق دائمين، ودفعهم للتساؤل هل يستحق دعم الفلسطينيين كل هذا العناء؟ والسبب الثاني هو البحث عن هدف. على إسرائيل أن لا يؤدي ردها لحرب إقليمية”.
وتبعه بهذه الروح، محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، الذي يقول اليوم إن إسرائيل تستعد للرد، والخطر الكبير أن تجر إيران حزب الله عميقا للمعركة. ويوضح أن هناك إجماعا من كل الأطراف داخل الكابينيت بضرورة الرد، وأن الاتجاه هو البحث عن رد يتم اختياره بعناية لا يجر الشرق الأوسط إلى حرب. ويمضي في تحذيراته: “الخطر الكبير يكمن في حزب الله الذي بنته إيران لردع إسرائيل، وكجواب على احتمال استهداف منشآتها النووية. والآن من الوارد استخدامه كردّ على رد إسرائيلي محدود محتمل”.
كما يقول هارئيل إن إيران دفعت موضوع غزة وموضوع المخطوفين للهامش، وإن حماس اقترحت أمس إعادة 20 مخطوفا فقط، ويبدو أنه حان الوقت لصفقة واحدة شاملة بنبضة واحدة.
وفي هذا المضمار، كرّر إيهود باراك انتقادات التقليدية لسياسات نتنياهو، بقوله إن نجاح حماس في ترميم قواتها العسكرية في مواقع داخل القطاع، هو نتيجة لعدم وجود تصور إسرائيلي لليوم التالي، ونتيجة الشلل الاستراتيجي الذي يقوده نتنياهو، مما يمنح حماس فرصة إعادة بناء قواتها من جديد. وتابع: “علينا الانتباه للحتجزين”.
ماذا مع المحتجزين؟
وهذا ما تدعو له صحيفة “هآرتس” العبرية في افتتاحيتها اليوم، بقولها إن إسرائيل ترفض الإصغاء لأصدقائها، وتجد نفسها معزولة وهي تبتعد عن صفقة تعيد المحتجزين، وهذا جزء من رفضها لـ”اليوم التالي” وبالأساس السياق الشامل لتسوية القضية الفلسطينية. وتمضي في انتقاداتها لاستراتيجية نتنياهو الفاشلة بالقول: “طيلة سنوات حكمه، سار نتنياهو حسب مفهومية سلام مع العرب دون القضية الفلسطينية، من خلال إضعاف محمود عباس وتقوية حماس، حتى انهار ذلك في السابع من أكتوبر”.
غزة وحماس
يشار إلى أنه وبالتزامن مع تهديدات نتنياهو باجتياح رفح، أعلن أمس عن تأجيل العملية العسكرية ضد المدينة الفلسطينية.
من جهتهم، اعترف مندوبو جيش الاحتلال خلال اجتماع لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أن كتائب لحماس نجحت بترميم ذاتها في جنوب وشمال القطاع، علاوة على أربع كتائب في رفح، وهذا ما اعتبره إيهود باراك نتيجة مباشرة لفشل سياسات حكومة نتنياهو التي لم تطرح تصورا لليوم التالي للحرب، وسحبت القوات من خان يونس، وسمحت بدخول كمية كبيرة من المساعدات الإنسانية دون مساومة حماس عليها أو استخدامها رافعة للضغط عليها لاستعادة المحتجزين.
ويبدو أن جملة من الحسابات منها إيران والحرب التي لم تحقق أهدافها في غزة، والخوف من حرب إقليمية، والرغبة بالتمسك بتحالف غربي- عربي متشكّل ضد طهران، والرغبة بحفظ ماء الوجه وترميم الردع والهيبة المتضررة، كل ذلك سيدفع إسرائيل لرد محدود تستطيع إيران امتصاصه.