[[{“value”:”
كثيرة هي التقارير الصحفية الغربية المُسرّبة، والبيانات الإعلامية، أو التصريحات لكبار مسؤولي الإدارة الأميركية – وعلى رأسهم الرئيس جو بايدن – التي توحي بتناقض المواقف بين أميركا، وإسرائيل؛ على خلفية “طوفان الأقصى”، وما تلاه من عدوان إسرائيلي بربري، متوحّش على قطاع غزة.
نميمة.. أم معلومات؟
هذا تقرير في صحيفة غربية عن توتر خفي في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، وذاك تقريع من “بايدن”، لنتنياهو، ورفضًا لتلقي اتصاله.. وهذه تسريبات إعلامية عن خلافات في الغرف، والاجتماعات المغلقة بين أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي، ونتنياهو أو مجلس حربه، استنادًا إلى انعقاد المؤتمر الصحفي لكل منهما منفردًا (نتنياهو، وبلينكن).
هذه التقارير الصحفية الغربية أقرب إلى “النميمة”، منها إلى المعلومات الدقيقة.. أما “البيانات وتصريحات مسؤولي الإدارة الأميركية”، فهي دائمًا وأبدًا، ما تكون متناقضة في مكوناتها، فالمحتوى أو مضمون البيان أو التصريح في صياغته اللغوية، يوحي بالمعنى أو الموقف، ونقيضه في آن واحد.. حتى لو كان التصريح قصيرًا، وفي سطر واحد. بعبارة أخرى، الساسة الأميركان بالعموم مدربون جيدًا، على أن تكون إجاباتهم عن أسئلة الصحافة، وبياناتهم الرسمية “حمّالة أوجه”.. تُرضي جميع الأطراف.
قصف العراق في رمضان
الأمثلة على هذه اللغة الإعلامية الأميركية المُخادعة، لا يمكن حصرها.. سواء في حرب غزة، أو غيرها من الحروب (العراق، وأفغانستان، مثالًا)، والقضايا.
ففي ديسمبر/ كانون الأول عام 1998، قصفت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، لعدة أيام، “العراق”، بحجة عرقلته أعمالَ لجان التفتيش الأممية عن أسلحة الدمار الشامل، وأن المواقع المُستهدفة بالقصف ساهمت في امتلاك العراق أسلحة دمار شامل. استمرّ القصف (الأميركي البريطاني)، في أول أيام شهر رمضان وقتها.
هذا لم يمنع الساسة الأميركان من الإعراب عن احترامهم مشاعرَ المسلمين، والأسف لاستمرار القصف في الشهر الفضيل.. مع تحميل الرئيس العراقي صدام حسين مسؤولية القصف، لامتلاكه أسلحة دمار شامل يخفيها في قصوره وأماكن عديدة.
هذا، مثال للتعاطي الإعلامي الأميركي.. كلام طيب يجري تسويقه للعالم الإسلامي المُستاء وقتها من استمرار القصف في الشهر المبارك، مع إلصاق المسؤولية الأخلاقية بطرف آخر. المشكلة، فيما تبين لاحقًا أن “امتلاك العراق أسلحة دمار شامل”، هي أكذوبة كُبرى.. انكشفت بعد حصار أميركي، وغربي للعراق لسنوات.. ثم غزوه واحتلاله عام 2003، حتى 2011.. مع ذلك لم تعتذر أميركا عن الكذب ولا الغزو، والدمار، والقتل الذي أحدثته بالعراق وشعبه.
حروب أميركية شرسة
إذا عُدنا للحرب على غزة – والتي يمكن احتسابها حربًا أميركية إسرائيلية، بامتياز؛ لإبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره، ومحو مصطلح “المقاومة”، تمهيدًا لإماتة القضية الفلسطينية، ودفنها، والخلاص منها نهائيًا – فالإدارة الأميركية داعمة للإبادة والتهجير عمليًا.
فهي (أميركا)، تزود “الاحتلال الإسرائيلي” بعتاد حربي غزير، وغير مسبوق، وأسلحة مُحرمة دوليًا، وتخوض حروبًا شرسة في اليمن والعراق وسوريا، نيابة عنه.. لتمكينه من مواصلة إبادة غزة بشرًا وحجرًا.
أميركا، لا تتردد في إشهار سلاح “الفيتو”، الفعال، لمنع مجلس الأمن الدولي من إدانة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وعرقلة أي جهود لاستصدار قرار بوقف إطلاق النار في القطاع. إذن الدعم الأميركي غير المشروط، هو الموقف الواضح “وضوح الشمس في كبد السماء”، كما يقولون.
خطاب مخادع
أما الخطاب الإعلامي، فهو مُخادع وملتوٍ ويتلاعب بالألفاظ.. وهو الخطاب الذي يلقى احتفاءً من نخب سياسية وإعلامية عربية.. بينما هو فارغ المضمون والقيمة العملية.. ماذا يعني تصريح بايدن بأنه “مع الرأي القائل إن إسرائيل تجاوزت الحد في الرد على ( طوفان الأقصى)”؟
هذا الكلام لبايدن، هو والعدم سواء.. لا يوفر كسرة خبز للجوعى في غزة، ولا يروي ظمأ العطشى، ولا يعطي الدفْء للمُشردين الذين يقتلهم البرد القارس، هناك.. كما، لا يردع العدوان الصهيوني على “الشعب الفلسطيني” في القطاع، ولا يمنع قصفه بالنيران ليلًا ونهارًا.
مثال آخر.. فيما يخُص ما يُسمى بـ “عملية رفح العسكرية”، التي تُزمع إسرائيل القيام بها لإبادة النازحين (المدنيين)، هناك، وتهجير الناجين منهم جبرًا، وقسرًا.. ماذا تعني تصريحات بايدن وعناصر إدارته بالتشديد على أن تكون العملية مُخططة جيدًا، وأن تحفظ للمدنيين حياتهم؟
استخفاف بالعقول
هذا الكلام، كاشف بوضوح شديد عن الانحدار الأخلاقي الأميركي، بالتأييد التام لـ “عملية رفح” ( بأن تكون مُخططة).. بينما، أميركا تعلم جيدًا، أن الغرض الإسرائيلي هو إبادة مليون و400 ألف نازح هناك.
أما “حماية المدنيين” في رفح، فمُجرد استخفاف بعقول العرب والمسلمين، فالتصريح، يحوي تناقضًا بين أوله وآخره. النازحون في رفح، ليسوا عسكريين ومقاتلين في حماس أو فصائل المقاومة.. بل هم مدنيون تستهدفهم إسرائيل؟.. لو كان هؤلاء النازحون مقاتلين ومقاومين لصارت إسرائيل أثرًا بعد عين في ساعات.
البيانات الأميركية، منذ بداية الحرب في غزة لا تكفّ عن ترديد مقولة: “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها مع تجنب استهداف المدنيين”.. بهدف دعم الكيان، وتسويغ استمراره في العدوان وحربه لإبادة “المدنيين” الفلسطينيين – وليس غيرهم-، مع أن إسرائيل دولة احتلال، والشعب الفلسطيني هو الأولى قانونًا بالدفاع عن النفس.
توزيع أدوار
هذه مجرد أمثلة للمسلكِ الإعلاميّ الأميركي.. المؤلم والمؤسف هو الاحتفاء المُبالغ فيه من الإعلام العربي والساسة والنخب التي تتصدى للتحليل، وقراءة مدلولات ومضامين هذه التصريحات والبيانات الأميركية، “حمّالة الأوجه”.
إنهم يُجملونها، ويغالون ويبالغون في تحميلها بمعانٍ لم ترد فيها، ويستفيضون في استشراف تبعاتها.. كما لو أن أميركا وإسرائيل على وشْك الصدام.. في حين أن اللعبة كلها ليست سوى توزيع للأدوار والمواقف على مستويين: إعلامي يروج كلامًا، وأوهامًا.. وعملي واقعي، بالدعم العسكري والسياسي والاقتصادي والمعنوي.
رفقًا أيتها النخب.. لا تشاركوا في خداع الناس.
“}]]