[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، تنوعت الأهداف التي قصفها الاحتلال أو دمّرها، لكنّه على الصعيد البشري، استهدف تحديداً الأطفال والنساء، سواء في منازلهم، أو في مدارس نزحوا إليها، أو مستشفيات احتموا فيها. وهو ما يؤكّد العقلية الدموية لهذا الاحتلال الذي لا يولي أهمية للأعراف الإنسانية، أو القوانين والمواثيق الدولية.
لقد نال أطفال غزة النصيب الأكبر من عدد الشهداء والمصابين في هذه الحرب المستمرة منذ أكثر من سبعة أشهر، فلا يمرّ يوم دون أن يستشهد فيه عدد من الأطفال الذين ليس لهم ذنب، وليس لهم حول ولا قوة، جرّاء استخدام قوة غاشمة لأقوى الأسلحة، لتقتل أولئك الأطفال وتسلبهم حقهم في الحياة.
مشهد يتكرّر
لقد أصبح مألوفاً في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة، أن ترى أمّاً ثكلى تحتضن طفلها الرضيع، لتبكيه في الحضن الأخير، فقد استشهد الطفل البريء نتيجة قصف الاحتلال لأحد “الأهداف” الذي يعلم اليقين بأنّ أغلب سكّانه من النساء والأطفال.
هو مشهد يتكرّر بشكل يوميّ، منذ بدء حرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال على قطاع غزة. وفي كل مرة يتساءل من ينجو من القصف: ما ذنب هؤلاء الأطفال؟! وما الذي فعلوه ليستحقوا القتل بهذه الوحشية؟! ولماذا يقف العالم مكتوف الأيدي أمام هذه الجرائم؟!
وهناك العديد من القصص التي سيرويها التاريخ عن هؤلاء الأطفال الشهداء، الذين لم يعيشوا طويلاً، لكنّ أرواحهم البريئة أضاءت طريق الحرية أمام الأجيال القادمة.
رانيا أبو عنزة، سيدة فلسطينية من غزة، تودّع طفليها التوأمين، نعيم ووسام، اللذين استشهدا مع والدهما في غارة لقوات الاحتلال الإسرائيلي على دير البلح وسط قطاع غزة.
لقد مرّ على زواجها 11 عاماً، خاضت خلالها الزوجة المكلومة 3 جولات من التلقيح وزراعة الأجنة، لتحقق حلمها أخيراً في أن تصبح أمّاً بإنجاب توأمين، ولد وبنت، قدِما إلى الدنيا بعد أسبوع من بداية الحرب.
لكنّ آلة القتل الإسرائيلية، لم تمهلهما طويلاً، فقد قصف الجيش الإسرائيلي منزل العائلة في دير البلح ودمّره على من فيه، ليُستشهد الطفلان التوأمان (في عمر 5 أشهر) برفقة والدهما، ضمن 14 شهيداً من العائلة، في مطلع مارس/ آذار الماضي.
تقول الأم الثكلى (27 عاما) بحرقة وهي تقف على أنقاض منزلها المدمر: “كنت أتمنى أن يقضيا معي شهر رمضان المبارك والعيد، كما تجتمع كلّ أم مع أطفالها”.
وتضيف وهي تنظر إلى الركام: “هنا بيتنا، وهنا كنا نائمين أثناء القصف”. مستغربة قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي للمنزل الذي يسكن فيه مدنيون آمنون دون سابق انذار.
إحصائيات صادمة
تشير آخر تحديثات الجـهـاز الـمـركـزي لـلإحـصـاء الـفلسطيني، أنّ عدد الأطفال الشهداء في قطاع غزة نتيجة العدوان الإسرائيلي بلغ 15162 طفلاً، أي ما نسبته أكثر من 40% من العدد الكلي للشهداء.
ووفقاً للجهاز ذاته، فإنّ القوات الإسرائيلية تقتل نحو 4 أطفال كل ساعة في قطاع غزة.
وفي الـ 13 من مارس/ آذار الماضي، أعلن المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيليب لازاريني، أنّ عدد الأطفال الذين استشهدوا جراء الحرب المستمرة على قطاع غزة تجاوز عدد الأطفال الذين قتلوا خلال 4 سنوات من النزاعات في جميع أنحاء العالم.
واستند المفوض الأممي إلى أرقام الأمم المتحدة التي تظهر أنّ 12 ألفاً و193 طفلاً قتلوا في نزاعات حول العالم بين عامي 2019 و2022. فيما تشير تقارير وزارة الصحة في قطاع غزة إلى استشهاد أكثر من 12 ألفا و300 طفل في القطاع بين أكتوبر/ تشرين الأول وبداية فبراير/ شباط الماضي.
ولم تقتصر وفيات الأطفال نتيجة الحرب في غزة على قصف الطائرات وقذائف الدبابات فحسب، بل امتدّت إلى الموت جوعاً نتيجة الحصار المفروض على الغذاء والدواء.
سلاح التجويع
أكّدت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في وقت سابق من شهر إبريل/ نيسان، أنّ الأطفال في غزة يموتون بسبب مضاعفات مرتبطة بالتجويع، ودعت إلى تعليق نقل الأسلحة لإسرائيل والضغط عليها لضمان حصول سكان غزة على المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية.
وقال عمر شاكر، مدير شؤون إسرائيل وفلسطين في المنظمة: ثبت لدينا أنّ استخدام الحكومة الإسرائيلية التجويع كسلاح حرب يقتل الأطفال في غزة. وعلى إسرائيل إنهاء جريمة الحرب هذه، ووقف هذه المعاناة، والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى جميع أنحاء غزة دون عوائق.
وأضافت المنظمة الحقوقية أنّ على الحكومات المعنية فرض عقوبات على إسرائيل لإجبارها على تمكين سكان غزة من حصول على المساعدات الإنسانية، بما يتفق مع القانون الدولي والأمر الذي أصدرته محكمة العدل الدولية مؤخراً في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا.
وفي إحصائية نشرها المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في 28 إبريل/ نيسان الماضي، أشار إلى استشهاد 30 طفلاً نتيجة المجاعة وسوء التغذية والجفاف التي تسبّب فيها الاحتلال.
وتشمل المجاعة نقص الغذاء وحليب الأطفال، وكذلك عدم قدرة الأمهات المرضعات على تغذية أطفالهنّ الرضّع، إضافة إلى سوء التغذية الناتج عن عدم توفّر الغذاء الكافي أو الصحّي نتيجة للحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع.
تشريع القتل
في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2009، أي بعد شهور من الحرب الإسرائيلية على القطاع في معركة الفرقان، أصدر حاخامان متطرفان هما “يتسحاق شابيرا” و “يوسي إليتسور” كتاباً بعنوان (شريعة الملك) يبيحان من خلاله قتل غير اليهود، وبخاصة الفلسطينيين وأطفالهم.
وأفادت صحيفة معاريف التي نشرت الخبر حينها، أنّ الكتاب يتضمن فتاوى أصدرها حاخامات تتعلق بقتل غير اليهود، ووفقاً للصحيفة، فإنه بمثابة مرشد لمن يتردد فيما إذا كان ينبغي قتل غير اليهود ومتى يجب القيام بذلك.
ويتضمن الكتاب تدريبات في كيفية قتل غير اليهود ومتى، وينطلق معدّوه بتحليل قتل غير اليهودي من ضرورة ما سموه “تنفيذ الفرائض السبع”.
وجاء في الكتاب: “إنّ القتل ينطبق أيضاً عندما يكون المضطهِد لا يهدد بالقتل بشكل مباشر بل بشكل غير مباشر. وحتى المدني الذي يساعد المقاتلين أو يشجعهم أو يعرب عن الارتياح لأفعالهم يعتبر مضطهِداً ومسموح قتله”.
ويستمرّ التحريض ليصل إلى الدعوة لقتل الأطفال أيضاً، ومما جاء في هذا الجانب: “إنهم سدّادو الطريق، فالرضّع يسدّون طريق النجاح بوجودهم، وعليه مسموح قتلهم لأن وجودهم يساعد القتل”.
ونشرت مجلة “مومِنت” اليهودية الأميركية في عددها الصادر في مايو/أيار 2009، حواراً مع الحاخام الصهيوني “مانيس فريدمان” حول الطريقة المثلى لتعامل اليهود بفلسطين المحتلة مع جيرانهم من العرب، فأتت إجابة فريدمان صريحة قائلا: “إنّ الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية، دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم”.
وقد بلغ التحريض ذروته على لسان رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في منشور له على منصة إكس، في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عندما قال : “إنّ صراع إسرائيل مع حماس، بين أطفال النور وأطفال الظلام، وبين الإنسانية وشريعة الغاب”. وهو ما يُعدّ تحريضاً علنياً على قتل أطفال فلسطين.
وفي مؤتمر صحفي، في 28 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قال نتنياهو: “أصلي من أجل سلامة جنودنا: عسى الله أن يهزم أمامهم الأعداء الذين قاموا ضدنا! ليخضع أعداءنا لهم”. واقتبس نتنياهو، من سفر التثنية 17:25، “أذكر ما فعله بك عماليق”، وهو اسم أطلقه العرب قديماً على قبائل البدو في بادية الشام والعراق.
انتهاك حقوق الطفل
أصدرت الأمم المتحدة في العام 1989 اتفاقية حقوق الطفل، التي هي ميثاق دولي يهدف لحماية الأطفال. وتوضّح الاتفاقية حقوق الأطفال الأساسية التي لا يجوز حرمانهم منها، كما تبيّن مسؤوليات الحكومات تجاههم.
وتحوي الاتفاقية العديد من المواد المتعلقة بحقوق الطفل، وفيما يلي أربع منها:
المادة 6: لكلّ طفل حقاً أصيلاً في الحياة، وأنّ على الدول أنّ تكفل إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه.
المادة 24: من حقّ الطفل أن يتمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه، ومن حقه الحصول على العلاج في المرافق الصحية، وإعادة التأهيل الصحي. وعلى الدول أن تبذل قصارى جهدها لتضمن ألا يُحرم أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية هذه.
المادة 28: لكلّ طفل الحقّ في التعليم، وعلى الدول اتخاذ تدابير لتشجيع حضوره المنتظم في المدارس.
المادة 38: على الدول وفقاً لالتزاماتها بمقتضى القانون الإنساني الدولي الالتزام بحماية السكان المدنيين في النزاعات المسلحة، واتخاذ جميع التدابير الممكنة عملياً لكي تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بها.
لكنّ دولة الاحتلال الإسرائيلي، لم تلتزم بأيّ من حقوق الطفل الفلسطيني في حربها الشعواء على غزة، فقد انتهكت كلّ القوانين والأعراف الدولية والمواثيق التي تحمي حقوق الأطفال، وفقاً لبيانات المؤسسات الرسمية والدولية والحقوقية.
ففي الـتاسع من فبراير/ شباط الماضي، أكّدت آن سكيلتون رئيسة لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، أنّ الاحتلال الإسرائيلي ينتهك حقوق الأطفال في قطاع غزة بشكل خطير، وعلى مستوى نادر “لم يشهده التاريخ الحديث من قبل”.
وقالت سكيلتون، في بيان للجنة حول وضع الأطفال في غزة حينها: إنّ آلاف الأشخاص دفنوا تحت الأنقاض، بينهم عدد كبير من الأطفال. مضيفة أنّ العديد من الأطفال المصابين فقدوا أطرافهم، وأهلهم، وأصدقاءهم”، داعية “لضرورة تقديم الدعم النفسي والاجتماعي الكبيرين للأطفال، للتخفيف من آثار الحرب المؤلمة وطويلة الأمد”.
وأضافت المسؤولة الأممية أنّ أكثر من 10 أطفال في المتوسط يفقدون إحدى الساقين أو كلتيهما يومياً في غزة منذ بداية الحرب، وفق منظمة إنقاذ الطفولة.
وفي فبراير/ شباط الماضي، أعلن جوناثان كريكس، مدير قسم التواصل في اليونيسف في فلسطين، أنّ ما لا يقل عن 17 ألف طفل أصبحوا منفصلين عن والديهم، وأصبح كل الأطفال البالغ عددهم 1.2 مليون بحاجة إلى المساعدة للصحة النفسية، والدعم النفسي، والاجتماعي، وللاهتمام والعمل من جانب المجتمع الدولي.
من جهته، أعلن وزير الصحة الفلسطيني، ماجد أبو رمضان، في 14 مايو/ أيار الحالي، أنّ أكثر من 80% من المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية في قطاع غزة، خرجت عن الخدمة نتيجة الحرب الإسرائيلية المتواصلة على القطاع منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وأضاف الوزير أنّ الوضع الصحي الكارثي في غزة أدّى إلى حرمان المواطنين من حقهم في الحصول على العلاج والدواء، وهو ما يستدعي تدخلاً دولياً عاجلاً لإنقاذ المنظومة الصحية في القطاع.
وفي تقرير للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في 15 مايو/ أيار الحالي، أكّد المرصد أنّ إسرائيل دمرت 80% من مدارس قطاع غزة، بين كلي وجزئي، في هجومها العسكري منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي.
وبهذا يتضح أنّ الاحتلال الإسرائيلي قد حرم الطفل الفلسطيني في قطاع غزة من أهمّ حقوقه الأساسية المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل، وهي حقّه في الحياة، وحقّه في العلاج، وحقّه في التعليم، وحقّه في الحماية أثناء الحرب.
“}]]