أطفالنا القادمون!

[[{“value”:”

في تقرير أمميّ اعترف العالم أن عدد الأطفال والرُّضَّع الذين أُزهقت أرواحهم في أربعة أشهر على يد هذا الجيش الذي يحظى بمباركة العالم الحرّ وهِبات سلاحه وفائض دعمه يزيد أربعة أضعاف عن الأطفال الذين تقتلهم الحروب والنزاعات في العالم كلّه، فكيف عددهم الآنّ!

وفي تقرير رسمي صادم يتضح أن عدد أطفالنا الذين سُفكت دماؤهم دون أن يرفّ للقاتل جفنٌ، ودون أن يخشى أيّ عقاب قارب الخمسة عشر ألفاً أو يزيدون، يشكلون نحو 45% من ضحايانا الأبرياء المظلومين.

وأما المصابون والجرحى والمحروقون والمبتورة أطرافهم وذوو العاهات المستديمة من أطفالنا فتلك حكاية أخرى لم تكشفها الإحصاءات بعدُ فوق الذين شُرّدوا ويُتّموا وهُجّروا قهراً.

وفي مواليدنا الجدد الذين وُلدوا بين الأنقاض والخيام حكاية بركةٍ إلهية سنذكرها بعد حين.

إنّ هذا العدوّ يبني قلعة هيبته الحمراء على عظام أطفالنا الصغار، ولحوم الرضّع الذين حُرموا من أمّهاتهم، يريدون أن يخوّفونا، ويقطعوا الأمل في التغلّب عليهم.

إنهم يريدون قتل مستقبلنا الحيّ، لأن الطفل عندنا هو مثال الحياة إذ ينمو ويكبر أمامنا ببطء مستعجِل، ويصنع المستقبل الذي هو آخرُ جزءٍ منّا، وبعضٌ منه.

أطفالنا الذين هم اليوم نصفُ واقعنا، وهم في الغد كل مستقبلنا.

أطفالنا هم سرُّ الأمل الذي نحتفظ به لأنفسنا، ونُعِدّه لعدوّنا.

أطفالنا اليوم لم يعودوا كبقية الأطفال، فقد قست أعوادهم باكراً، واحمرّت أغصانهم الخضراء، واستطالت جذوعهم على عَجَل.

أطفالنا اليوم يلبسون أحذية الكبار من آبائهم الراحلين، ويحشون الفراغات بمناديل الدموع التي جفّت في مآقيهم.

أطفالنا اليوم هم تلك الابتسامة الباقية التي ترتسم على وجوهنا الصفراء النازفة.

أطفالنا اليوم لم يعودوا يتفرّجون وينتظرون، إنهم يسبقوننا إلى الله، وهم من يقنعوننا بالصمود، وهم من يدعوننا للثبات، وهم من يُرونا في أنفسهم القدرة على التحمُّل لئلا ننكسر عند اللقاء.

أطفالنا اليوم هم حكماؤنا الذين يكتشفون كل شيء معنا، ولا ينالون راحة البراءة التي يبتهج بها الأطفال قبل بلوغهم الرشادَ.

قد تستطيع أمواج البحر العاتية أن تغرق السفن الماخرة الكبيرة، لكنها لا تستطيع إغراق سمكة صغيرة عرفت كيف تركب تيارات البحر وتمرّ بين ثناياه.

إن صقورنا الصغيرة الجريحة التي تعلمت القفز من أعشاشها لن تلبث أن تكتسي بقوادم الريش وخوافيها، ويستعرض جناحُها، وستنقضّ على الثعالب اللئيمة التي تترصّد سقوطها وتتشمم دماءها.

إن صغارنا الكبار أصبحوا إلهاماً نقيّاً يوقَد من زيتٍ بريء هو أشد سعيراً على أولئك القتلة الأوغاد.

وقد علّمنا اللهُ في أيّامه أنّه يُنبت منا أضعاف مَن يختارهم منا إلى جواره في هذه الحرب، وأنّ الله لا يَخْلُف عبادَه المؤمنين إلا بأخيَر منهم بركةً منه وفضلاً.

إن أطفالنا هم نحن، وهم مَن كانوا قبلنا، وهم جذرٌ لأصل وليسوا فرعاً من أصول، لكن عيونهم أوسع من عيوننا، وخياراتهم أوسع من خياراتنا، وقيودنا لم تعُد قيودهم، فانطلِقوا أيها الكبار القادمون فقد أتيتم من أرحام أمهاتٍ عظيمات صابرات، وظهورِ رجالٍ فرسان كأسنّة الرماح، ومن إيمانِ شعبٍ راسٍ كالجبال!

“}]] 

المحتوى ذو الصلة