عمّان – المركز الفلسطيني للإعلام
كشف الأسير المحرر سلطان العجلوني عن جوانب مثيرة من حياة الشيخ الشهيد صالح العاروري وصفاته الشخصية وسماته القيادية الفذة – رحمه الله – خلال فترة زمنية قضاها بجواره في السجن وخارجه، مؤكدًا أنه لم يكن رقمًا صعبًا فقط؛ بل كان معادلةً صعبة، ولم تنته هذه المعادلة باغتياله، بل المعادلة تتفاعل اليوم، وستكون مسرعًا لنضوج هذه المعادلة وهذا ما سنراه قريبًا بإذن الله تحديدًا في الضفة الغربية.
وقال العجلوني في لقاءٍ متلفز على “فضائية اليرموك” الأردنية، إنّ العزاء لأنفسنا والتهنئة للشهيد وذويه هذا الدرب الذي كان يسير فيه ويعلم نهايته وهو الذي طلب الشهادة طيلة هذه السنوات وطيلة مسيرته.
وتابع بالقول: كثيرًا ما كنّا نتحدث مع الشهيد – رحمه الله – بضرورة أن يأخذ احتياطاته وكان يبتسم ويقول لنا: مشروع شهيد مثلي مثل أبناء شعبي، والحذر لا يرد القدر.
وأضاف أنّ الفقدان نحن من فقد الشهيد، وهو كسب الدنيا والآخرة بإذن الله، فلسطين والأمة فقدته، وشخص مثل الشيخ صالح رحمه الله – ليس قائدًا في فصيل – تفكيره الإستراتيجي يتطلع دائمًا لهموم الأمّة.
العاروري الشامل الإستراتيجي
وروى العجلوني قصة تكشف شمولية شخصية العاروري وإستراتيجيته، قائلا: أذكر في عام 2011 عندما حصلت المجاعة في الصومال، وقمنا في الأردن بإطلاق حملة لإغاثة الصومال، اتصل بي وأرسل مبلغًا من المال، فقلت: أليست هذه الأموال مخصصة للمجاهدين في فلسطين، قال: وما الفرق بين أهل فلسطين وأهل الصومال، نحن أمّةٌ واحدة.
وشدد على أنّ “هذا الإنسان الشامل الإستراتيجي يعرف العدوّ تمامًا بأنّه وصل إليه في الوقت الضائع”.
وقال العجلوني: العدوّ يعرف جيدًا ما هو الغرس الذي غرسه الشيخ صالح العاروري، ويعرف أنّ ثمار هذا الغرس أثمر بعضٌ منها، والبعض الآخر على وشك النضوج في الضفة الغربية.
ولفت إلى أنّ “الشيخ صالح بتفكيره الإستراتيجي، شبّك بين الساحات، في جميع أماكن التواجد الفلسطيني، وأعادهم لخندق المقاومة كلٌ بطريقته، ليس فقط على المستوى الفلسطيني، توجه لكل الأحرار من الأمّة وخارجها، وجعلهم جزءًا من هذه المعركة”.
واستدرك بالقول: المشكلة عندما نتحدث عن الشهداء، أنّ الذي لا نستطيع قوله أكثر بكثير ممّا يمكن البوح به.
ماذا فقدت فلسطين باغتيال العاروري؟
وشدد الأسير المحرر على أنّ الفقدان للشيخ العاروري كبيرٌ جدًا، ولكن الأفكار لا تتوقف بموت حامليها، وإن ماتت فهذا دليل الفشل، ولكن هذا لا يصح في معادلة العاروري الذي ترك آلافًا من التلاميذ النجباء الذين سيتفوق بعضهم على أستاذه بإذن الله.
وتابع بالقول: هذا ما حصل بعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين واستشهاد كل القادة العظماء، هل توقف مد المقاومة أم ازداد؟
وقال العجلوني: هؤلاء الشهداء، عندما يرتقون، فإنّ دمهم يكون عاملاً مسرعًا لنجاح المعادلة التي وضعوها، وهؤلاء لا تحيا أفكارهم إن لم يروها بدمائهم، وهذا ما حصل مع الشيخ العاروري.
صالح العاروري الإنسان
وروى العجلوني جانبًا إنسانيًا من شخصية العاروري فيقول: هذا الرجل العظيم كان “أمّا” لإخوانه، ولم يكن أبًا، وأنا عشت معه في غرفة واحدة، هو في الطابق العلوي للسرير، وأنا في الطابق السفلي، وهذه الصلابة التي تراها مقابل الاحتلال، كانت حنانًا متدفقًا على إخوانه، لا أستطيع أن أصف شخصيته بكلمات، إلا أن أقول كان (أمّا لإخوانه بحنيته وليس أبًا)، داخل المعتقل وخارجه.
ويلفت بالقول: بقي تواصله مع عدد كبير من إخوانه رغم كل انشغالاته، يتصل بنا، ويتواصل معنا، وكنا حتى وقتٍ قريبٍ نرتب لرحلة عائلية مشتركة، رغم كل انشغالاته.
موقف مطبوع في الذاكرة
وقال العجلوني: إنّ مسيرته كلها موقفٌ متواصل، والمتابعة والرعاية والاهتمام، بأدق تفاصيل إخوانه، دراستهم صحتهم، ولا أذكر أنّني مررت بوعكة صحية ولم يتحدث معي ولا أذكر أنّه مرت عليّ لحظة حزن أو فرح أو نجاح أو فقدان ولم يبادر بالاتصال بي، أين هو وأين أنا؟ لكنّه كان يتابع أخوانه بأدق تفاصيلهم وهذا ما ميزه، هذا الإنسان العظيم بتفاصيله العامّة والخاصة.
واستدرك بالقول: لذلك كان من الصعب على الاحتلال الوصول إليه، لأنّ الذين معه يحبونه ولا ينقادون إليه كمسؤول، يحبونه محبة الأب والأخ الكبير قبل أن يكون القائد، وحدثني أحد الإخوة أنّه التقاه في سوبرماركت في أحد البلدان، فيخرج بنفسه رغم كل التحذيرات الأمنية، فهذا التواضع وهذه البساطة هي التي جعلت منه بهذه العظمة، إنسان بالفعل سبق زمنه، وبالفعل رؤيته الإستراتيجية أثمرت وستثمر أكثر بعد استشهاده.
وأضاف العجلوني: أذكر أنّ أكثر ما كان يميزه في الحوارات التي حضرتها في اجتماعات كانت تحصل أحيانًا، لمناقشات عامة، كان يقول: نحن حركة مقاومة ويجب أن نتعامل ونتصرف كحركة مقاومة، ولا نغرق في البيروقراطيات التي غرق بها غيرنا، فكان – رحمه الله – دائم التعلم من الآخرين.
ولفت إلى أنّ الثقافة الواسعة وسعة الاطلاع التي تجدها عنده، لا تجدها عند كثيرٍ من الخبراء، وليس عند السياسيين المنشغلين بالسياسة، في كافة مجالات الحياة، ولذلك استطاع أن يحدث نقلات نوعية في العمل السياسي المقاوم والعسكري، لأنّه لا تخلقه هذه الدوائر الضيقة والحالات البيروقراطية فكان يفكر خارج الصندوق ويتجاوز بعض الأطر ويثبت أنه ذو رؤية وذو بصيرة ثاقبة ورجل حصيف.
هل ستتأثر المقاومة؟
وحول الإجابة على هذا السؤال، قال العجلوني: من الأمور التي عايشها ووضعها داخل السجون الشيخ صالح ومروان عيسى وغيرهم، وتعرفها كل قيادات المقاومة الموجودة الآن، وهم يدرسونها حتى الآن، لمجرد إضراب عن الطعام كان هناك تسلسل قيادي ولجان ظل، فإذا عزلت إدارة السجن القيادة الصف الأول، فهناك صف ثاني وثالث ورابع إلخ أسير في المعتقل حتى لا يحدث فراغ.
وأضاف، “تخيل إضراب عن الطعام داخل سجن من أسرى مسلوبي الحريّة ومضيق عليهم داخل سجن فما بالك بالمقاومة في الخارج بكل هذه القدرات وهذه التجارب وهذه الخبرات”.
ويختم حديثه بالقول: لا يوجد مكان لا تُسدّ الثغرة فيه، لا تقلقوا على المقاومة، بل نقلق على انفسنا نحن، أين دورنا منها، وهل نبقى فقط متفرجين؟ نحن جزء من هذه المقاومة وكل حر في هذا العالم أيا كانت جنسيته ودينه وثقافته هو جزء من هذه الحرب مقابل الظلم، فلماذا لا نكون جنودًا فيها، نقاتل بالكلمة نقاتل بالعلم نقاتل بالمال.