[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
ما إن دخلت القوات الإسرائيلية إلى قطاع غزة برًّا بدباباتها وآلياتها العسكرية، وصار جنود وضباط الاحتلال يتجولون في كل مكان، ويستبيحون كل بناية، حتى كثرت الروايات عن الاعتقالات الإسرائيلية للمدنيين من رجال ونساء وأطفال وشيوخ، تقشعر لها الأبدان، ولا تجد إجابة واضحة للسؤال عن سبب كل ذلك التنكيل بالمدنيين والضعافء من إهل غزة، وهل يوجد في قواميس الحروب ما يبرر تلك الوحشية بهم، أم أنه مجرد انتقام بحق كل فلسطيني لا لشيء إلا لأنه صاحب الحق ومالك الأرض التي يغتصبها المحتل؟!
رواية اعتقال لامرأة فلسطينية لا تبحث عن شيء سوى الإبقاء على أبنائها أحياء، بعد أن قتل الاحتلال كثيرًا من أهلها نساء وأطفالا في مراكز إيواء النازحين، فظلّت تتنقل من مكان لآخر لعلّها تجد ما يضمن لأطفالها البقاء، لكن الاحتلال لم يرق له ذلك، ولم يعجبه أن يرى في سعي امرأة وأطفالها بقية حياة، فانقض عليها وأخذها من بين أطفالها وأراها من صنوف العذاب ما يعجز عن وصفه لسان الحكّائين وبلاغة القصّاصين.
اختطاف الأم وترك الأطفال
السيدة الفلسطينية ر.هـ ذات الـ 39 عامًا، أم لثلاثة أطفال، ومن سكان بيت لاهيا، وهي الآن من نازحي مدينة رفح، تروي أنها كانت تتنقل بأبنائها بين مراكز النزوح؛ حيث إن منهم طفلا مريضًا، إلى أن استقرت في مدرسة الفاخورة التابعة لوكالة “أونروا”، لكن ما هي إلا أيام حتى قُصفت المدرسة واستشهد عدد كبير من النساء والأطفال بينهم زوجة أخيها وأطفالها، وهذا ما زاد من خوفها على أطفالها، لتبدأ في رحلة بحث عن جديدة عن مكان آخر، فلجأت إلى مدرسة أخرى تابعة لـ”الأونروا” التي لم تسلم أيضًا من القصف، فتركتها فارّة بأبنائها الثلاثة متجهة نحو مخيمة اللاجئين في رفح.
وتضيف “ر.هـ” في روايتها لـ”المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان” أنها مرّت بحاجز صهيوني على طريق صلاح الدين (الذي زعم الاحتلال أنه آمن)، فإذ بجنود الاحتلال يعتقلونها ويأمرونها بترك أطفالها الذين تترواح أعمارهم بين 5 و13 عامًا، لتبدأ بعدها رحلة معاناة الاعتقال والتعذيب.
تحقيق قاس
تحكي وتقول: “أخذوني وقيدوني وفتشوني وعصبوا عيني.. جاء محقق وبدأ بالتحقيق معي.. سألني عن اسمي، ثم بدأ يسأل عن حماس وكان يريد أن يعرف إن كان من عائلتي من ينتمي لحماس”، مضيفة: “كان معي في نفس المكان امرأة أخرى. ومن ثم قاموا بحملنا عبر شي لا أعرف ما هو هل هي رافعة أم شاحنة أم ماذا لا أعرف!”.
تنقلت السيدة “ر. هـ” برفقة السيدة الأخرى بين أكثر من مكان، حتى بدأوا معهما مرحلة التعذيب، تقول: “قمنا بنزع ثيابنا وألبسونا بيجامات بدون أي ملابس داخلية، وبعدها أخذونا على معتقل اسمه “عان تود”، مكثنا في الطريق تقريبا 8 ساعات إلى أن وصلنا إلى هذا المعتقل”.
رحلة التعذيب
ثمانية أيام قضتها المعتقلتان بين تحقيق وإذلال عن طريق الضرب على الوجه بالصنادل وفي الأرجل بالبساطير، ليستمر ذلك 4 أيام من الصباح حتى المساء، تقول: “كانوا عندما يأخذوني للتحقيق يقومون بتفتيشي عن طريق تعريتي بالكامل، وكانت المجندات يقمن بحركات تحرشية بأفواههن خلال تشليحنا، والجنود “يتبصبصوا” علينا وكانوا يقومون بتكبيل أرجلنا مع قيامهم بالمسخرة والضحك وشتمنا بشتائم نابية متعلقة بشرفنا والأعضاء الحساسة، مع القيام بحركات تحرشية”.
وتتابع: “مكثت في السحن 45 يومًا، كل يوم تحقيق ليتأكدوا من كلامنا ومن المعلومات التي لديهم. كل هذه المدة وأنا مكبلة الأيدي (..) كان يحدث تحرش ببعض الأسيرات وذلك بالتحسيس على رقابهن وصدورهن وقرصهن من صدورهن وكانوا ينزعون الحجاب عنا دائمًا”.
وأردفت: “ارتفع ضغطي خلال فترة اعتقالي كوني مريضة ضغط مزمن. قمت بالصراخ على الباب، ومر مدير السجن، ورفض طلبي للعلاج.. أغمى علي ووقعت على الأرض، ثم قيدوا يديّ ورجليّ وأخذوني أفحص ضغطي”.
وتكمل: “كانوا يستفزونا إن كنا نريد شرب الماء، فهو فقط من الحنفية، والحنفية كلور وملوثة، فنقوم بتعبئة الماء بالزجاجة ونتركها لمدة نصف ساعة إلى أن تتصفى. أصبحت المعتقلات يعانين من مغص وحرقان في الحلق وإمساك غير مسبوق ويشكين من المعدة”.
تؤكد الأسيرة المحررة “ر. هـ” أن الاحتلال كان يمنعهن من رفع الصوت (..) أصعب شيء كان في السجن المياه والأكل وكان ممنوع البكاء إذا بكينا.. كانوا يزيدون التعذيب مثلا أنا أيدي كانت محفرة من الكلبشات ومريضة ضغط أقول للمجند: أيدي وأوردتي.. أنا معي ضغط، فكان يزيد في شد الكلبشات”.
وتروي أنه “من أشكال التعذيب في التحقيق، كانوا يجبرونني على أن أنحني على الأرض وتصعد الجنديات بركبهن على ظهورنا أو يجعلوا جندية سمينة ترتمي علينا”، مضيفة: “كنا نموت من البرد ولا كأنهم شايفينا، محارم للتواليت كانوا ينشفوا ريقنا لما يعطونا إياها. كنا نتبول على أنفسنا، قبل الذهاب الى التواليت، ناهيك عن الإهانات والتهديد. كانوا يقومون بتهديدي: “والله لنحرمك أولادك وأخوتك”.
خرجت الأسيرة المحررة “ر.هـ” بعد 44 يومًا من المعتقل إلى معتقل آخر فيه كثير من جنود جيش الاحتلال وقناصة، لليلة واحدة، وفي اليوم التالي، أرسلوهم إلى معبر كرم أبو سالم في قمة الذل وهم يضحكون عليهم ويطلقون النار فوق رؤوسهم، إلى أن وصلوا لمدرسة الطائف في رفح عبر الباص.
وتختتم الرواية بقولها: “فور وصولي تركت كل شيء، وخرجت أفتش عن أطفالي الثلاثة إلى أن وجدني شخص وتعرف عليّ وقال لي أولادك مع شخص أخذهم إلى مخيم النصيرات، ومن ثم عثرت عليهم في جامعة القدس المفتوحة. لم أصدق نفسي أصبحت أصرخ وأقوم باحتضانهم من شدة شوقي وخوفي عليهم”.
مُسنة: كبلوني وضربوني
حالات الاعتقال والتعذيب لا تقتصر في أدبيات الاحتلال عند فئة أو مرحلة عمرية، بل تشمل الجميع دون تفرقة.
يؤكد هذا ما حدث مع المُسنة أم محمد، التي تظهر على يديها آثار تكبيلهما بالأغلال أثناء اعتقال جيش الاحتلال الإسرائيلي لها في يناير الماضي، شاكية من ضرب القوات الإسرائيلية لها وتكبيلها، على خلاف زعمهم بتقديم الرعاية الطبية لها.
في مستشفى غزة الأوروبي بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، ترقد أم محمد حيث تتلقى العلاج إثر إصاباتها بمضاعفات صحية بعد قضاء عدة أيام في الاعتقال لدى جيش الاحتلال مكبلة اليدين.
وخلال فترة الاعتقال، كانت المسنة الفلسطينية، تحاول بجدية أن تفك قيودها، في ظل أجواء باردة في العراء، لكن جهودها باءت بالفشل.
وعن تجربتها القاسية بين أيدي جيش الاحتلال، قالت أم محمد لوكالة الأناضول: “اعتقلت مع كثير من المواطنين من منطقة معن، شرقي مدينة خان يونس، وتم تقييد يدي، بينما كان الطقس باردًا جدًّا. حاولت أن أفك قيودي، لكن دون فائدة. بقيت دون طعام، وتعرضت للضرب خلال الاعتقال”.
ولا تتذكر المسنة الفلسطينية يوم اعتقالها بالتحديد، ولا عدد أيام اعتقالها بدقة، حيث تتراوح المدة ما بين 11 و12 يومًا، وفقًا لحديثها.
الرواية الكاذبة
وفي 26 يناير/كانون الثاني الماضي، نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي مقطع فيديو عبر منصة “إكس” يحتوي على صور للمسنة الفلسطينية، موجودة على ناقلة إسعاف برفقة قواته، ليقوم متحدث جيش الاحتلال بعدها بزعم أنهم تعاملوا معها بإنسانية وأنقذوها “مما فعلته بها المقاومة”!.
يدّعي الناطق باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، أن قواته وجدت المسنة الفلسطينية مكبلة “خلال نشاط قواتنا داخل غزة، أطلق جنودنا طائرة مسيرة لتمشيط المنطقة، وخلال التصوير شاهدت القوات شخصية ما (..) تبين للقوة أنها امرأة فلسطينية مسنة دخلت إلى المبنى الذي مكثت فيه وتم تكبيل يديها بأغلال وكانت تعاني من حالة طبية سيئة”.
وزعم أدرعي أن السيدة المسنة تم تقييدها من قبل عناصر من حركة “حماس” يرتدون زيًّا عسكريًّا وكبلوا يديها بأغلال قبل يومين وأمروها بالقول إن جنودنا فعلوا ذلك”!، مضيفًا: “قواتنا قدمت العلاج الطبي للمسنة ومن ثم أطلق سراحها”.
فيما جاءت رواية المسنة أم محمد لاحقًا لتدحض هذه المزاعم بالتأكيد على أن قوات الاحتلال لا تحاول تحسين صورتها أمام الرأي العام إلا بالأكاذيب التي سرعان ما تنكشف بالحقائق المثبتة، فيما لا تزال أكثر الروايات بشاعة مختنقة تحت أنقاض البنايات التي هُدمت على رؤوس قاطنيها، أو مختبئة في صدور من لم يبوحوا -بعد- ببشاعة ما قاسوه تحت وطأة التعذيب الوحشي في واحدة من أقسى الحروب التي شهدها العصر الحديث.
“}]]