[[{“value”:”
غزة -المركز الفلسطيني للإعلام
تواجه ميساء المغربي صعوبة شديدة في تدبير ملابس تناسب أطفالها مع شح المعروض في الأسواق وعدم توافره في كثير من المحال التجارية التي أغلقت أبوابها نتيجة إغلاق المعابر وتدمير البنية الاقتصادية والصناعية في قطاع غزة.
نزحت الأم برفقة أسرتها المكونة من خمسة أطفال مع اندلاع حرب الإبادة على غزة قاصدة مدينة دير البلح وسط القطاع، وكغيرها من آلاف النازحين لم تحمل معها الكثير ظناً أن رحى الحرب لن تدوم طويلاً.
وتقول إن كل واحد من أطفالها يمتلك عدد محدود من الملابس التي باتت مهترئة نتيجة كثرة الاستخدام، عدا عن البيئة التي يعيش فيها الأطفال تحت سقف خيمة ألهبت أجسادهم فكيف بملابسهم التي يلعبون بها طيلة الوقت على الرمال.
وتضيف المغربي أنها تجولت في معظم محلات مدينة دير البلح علها تجد ضالتها بشراء ملابس صيفية تلاءم أطفالها، إلا أن محاولاتها مع دخول الصيف باءت بالفشل، ولم تعد تبحث عنها.
وتعلل انكفاءها على ذاتها والقبول بالقطع المهترئة، بأن المعروض في المحال التجارية يباع بأربعة أضعاف سعره، عدا عن أن معظمها يحتوي على نسبة كبيرة من النايلون، “فنحن نعيش 24 ساعة داخل خيمة من النايلون، لا نطيق الجلوس فيها، فكيف إذا لبسوا ثياباً كهذه؟! سيتسلخ جلدهم”.
وفي الأشهر الأولى للحرب المدمرة على غزة شهدت المحال التجارية في مناطق النزوح كافة إقبالاً كثيفاً من النازحين والمواطنين للتزود بما يحتاجونه من ملابس إثر فقدهم لبيوتهم بسبب القصف أو لتجريدهم مما حملوه معهم على طريق النزوح.
عون الأقارب والأصدقاء
وقد تبدو الضائقة التي تعاني منها المغربي بسيطة أمام ما ينتظر رشا الحداد، التي تقف على بعد أسابيع من وضع مولودها الجديد.
وتقول الأم إنها لم تستطع شراء ملابس لمولودها الجديد بسبب فقدان ملابس المواليد لجميع الأعمار من الأسواق.
وتلفت الحداد إلى خصوصية ملابس المواليد في أشهر الصيف الحارة والرطوبة لجو غزة الساحلي، “المواليد يحتاجون إلى ملابس قطنية تناسب جلدهم شديد الحساسية في الأشهر الأولى من أعمارهم”.
ولحل هذه المعضلة لجأت الحداد إلى استعارة بعض ملابس ومستلزمات المواليد من أقاربها وأصدقائها، “ما في باليد حيلة، لفيت كل السوق ما لقيت ملابس مواليد”.
وتغلق سلطات الاحتلال الإسرائيلي معابر قطاع غزة منذ 10 أشهر، في حين توقفت القطاعات الصناعية بالكامل بفعل تدمير أكثر من 90% من مكونات البنية الصناعية التحتية ومصانع وطاقة وغيرها.
ووفق تقرير مشترك للأمم المتحدة والبنك الدولي صدر مطلع أبريل/ نيسان الماضي، بلغت قيمة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في غزة حوالي 18.5 مليار دولار.
خيارات بديلة
أما أسامة محمد فيقول إنه لجأ إلى الملابس المستعملة التي تباع على أرصفة الشوارع، لشراء بعض القطع الصيفية لأبنائه، “فقد نزحنا في فصل الشتاء ولم نحمل معنا سوى ملابس شتوية، ولدينا حاجة لشراء الملابس صيفية لبناتي الصبايا حتى لو كانت مستعملة”.
ويشير إلى أن الملابس التي تباع على الأرصفة بعضها سحب من تحت أنقاض المنازل المدمرة، “ولا يعني ذلك أنها تباع بأسعار رخيصة، فثمن القطع الواحدة للشخص البالغ قد يصل إلى 40 شيكلاً، وهذا مبلغ ليس بسيطاً في ظل الحالة المعيشية الصعبة التي يعاني منها الجميع في غزة، عدا عن شُح السيولة النقدية”.
أوزار الحرب الثقيلة
وفي هذا الإطار يقول التاجر محمد أبو هلال، إن الحرب ألق بأوزارها الثقيلة على المستويات كافة، ومن أبرزها الجانب الاقتصادي بما أحدثته من صدمات اقتصادية دفعت بمئات الآلاف من الفلسطينيين إلى دائرة الفقر.
ويوضح أن المئات من التجار خسروا محالهم التجارية، والعديد منهم خسروا مصانعهم في المنطقة الصناعية التي تردف الأسواق بالمنتج المحلي.
ويشدد أبو هلال للمركز الفلسطيني للإعلام على مأساوية أوضاع المواطنين، حيث فقدوا القدرة الشرائية بسبب الغلاء الذي أحدثته الحرب نتيجة إغلاق المعابر وتدمير الحركة التجارية والصناعية والمنشآت العام والخاصة، وشح المعروض في الأسواق.
ويقول: “اليوم بالكاد تستطيع الناس تأمين قوت يومها، فكيف ستملك القدرة على دفع ثمن الملابس الجديدة التي تباع بأضعاف سعرها، فمثلا تباع البلوزة الصيفية للطفل بملغ 60 شيقلاً وهو 4 أضعاف ثمنها قبل الحرب، وذلك بسبب نقص الكميات المتوفرة في الأسواق”.
ويلفت إلى أن السبب ذاته يدفع الناس لشراء الملابس المستعملة والتي تباع أيضاً بـ10 أضعاف سعرها الحقيقي قبل الحرب.
ووفق تقديرات أممية فإن استعادة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة قبل الحرب على غزة ستستغرق عقودا من الزمن.
ويؤكد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”، في تقرير صدر مطلع فبراير/ شباط الماضي، الحاجة الملحة لكسر دائرة التدمير الاقتصادي التي جعلت 80% من السكان يعتمدون على المساعدات الدولية.
تشير تقديرات “أونكتاد” إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في غزة انكمش بنسبة 4.5% في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2023. وأدت الحرب إلى تسريع هذا الانخفاض وعجلت بانكماش الناتج المحلي الإجمالي على مدار العام بأكمله بنسبة 24% وانخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 26.1%.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 يشن الاحتلال حرب إبادة على غزة، أسفرت حتى اللحظة عن أكثر من 39 ألف شهيد، وإصابة أكثر من 90 ألف آخرين معظمهم أطفال ونساء، وإلى نزوح نحو 1.9 مليون شخص، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل في البنية التحتية الصحية والتعليمية والاقتصادية ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال، بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة.
“}]]