تزامنًا مع تزايد واشتداد ضربات المقاومة الفلسطينيّة النوعيّة- التي أوقعت- ولا تزال- مئات القتلى وآلاف الجرحى في “جيش الاحتلال”، ودمَّرت آلياته المدرعة (500 آلية على الأقل)، في قطاع غزة (شمالًا، وجنوبًا)، منذ انزلاقه إلى العملية البرية (27 أكتوبر/ تشرين الأول)، وبعد 17 يومًا من الغياب؛ وطول انتظار الملايين في أرجاء الدنيا، لهذه الإطلالة- أعاد الناطق باسم كتائب القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) المُلثم “أبوعبيدة” التأكيدَ على إصرار المقاومة، وعزمها على هزيمة “الكيان الصهيوني”، مُبَشرًا إياه بالخيبة والفشل، في العملية البرية، ومتوعدًا باستمرار إخفاقه فيما هو قادم.
تبادل مشروط
“أبوعبيدة”، بعد استعراضه الإنجازات القتالية لكتائب القسام (الموثقة في غالبيتها بالفيديو)، ختم بتوجيه “رسالتين”؛ إلى “الاحتلال” شعبًا وحكومة، وداعميه (الولايات المتحدة الأميركية وغيرها).
الرسالة الأولى- وهي نارية مفخّخة للداخل الإسرائيلي- بأنه لا إسرائيل ولا داعموها يستطيعون تحرير جندي واحد دون التبادل المشروط، الذي أعلنته المقاومة الفلسطينية، منذ بداية معركة “طوفان الأقصى”. وهو ما أكّده القيادي بحركة حماس أسامة حمدان، في مداخلة مع قناة الجزيرة مساء الاثنين، مُشترطًا، وقفًا كاملًا لإطلاق النار، لإنجاز التبادل، وليس مجرد هدنة مؤقتة.
ظهور “أبو عبيدة”، أعقب “العملية الفاشلة” التي نفَّذتها قوة خاصة من جيش الاحتلال (يوم 8/12) لتحرير الجندي الأسير لدى القسّام ساعر باروخ، رغم مرور 60 يومًا على بدء العدوان الصهيوني على القطاع، الهادف- حسبما أعلن نتنياهو- لمحو حماس، وتحرير الأسرى لدى المقاومة دون قيد أو شرط.
جنرالات كاذبون
رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، وجنرالاته، يكذبون، وشأن كل كاذب، فهو يُصدق ويخدع نفسه، فهم يزعمون أن عملية التبادل والهدنة السابقة (24- 30 نوفمبر/ تشرين الثاني)، أنجزها جيش الاحتلال، وأن الصفقة، تمت إذعانًا من حماس للضغط العسكري.
كما يرفضون الاستماع لنصائح غيرهم من الجنرالات القدامى. إذ أكد الرئيس الأسبق للموساد الإسرائيلي تامير باردو- في استضافة له على القناة “12” العبرية قبل أيام- رفضَه مزاعم نتنياهو وجنرالاته، ناصحًا، بأن صفقة لتبادل “الأسرى” مع حماس، هي السبيل الوحيد لاستعادتهم.
كما حذّر “باردو”، من الثمن الباهظ للصفقة، كلما تأخرت.. واصفًا مسلك الحكومة الإسرائيلية بالخيانة للأسرى المحتجزين في غزة أحياءً وأمواتًا.
أوهام “نتنياهو”
“باردو”، ربما حاول إفاقة نتنياهو من أكاذيبه وأوهامه، على غرار “كذبة” استسلام 500 مقاتل من حماس لجيش الاحتلال في غزة.. بينما هم مجموعة من المدنيين العُزّل تم اعتقالهم، وتجريدهم من ملابسهم، في مشهد جبان وفاقد للأخلاق.
“نتنياهو”، صدّق كذبته هذه، وراح يدعو مقاتلي حماس للاستسلام الآن، وألا يموتوا من أجل يحيى السنوار (قائد حماس في القطاع، والمُخطِط لعملية طوفان الأقصى).
هذا ينقلنا إلى الرسالة الثانية في بيان “أبوعبيدة” الأخير مساء الأحد، الذي جاء ردًا على هذه الدعوة من نتنياهو لمقاتلي حماس كي يستسلموا.
فقد أكّد “أبو عبيدة”، أنه لا خيارَ أمام المقاومة؛ إلا القتال لدحر العدوان وكسره، وأن الآلاف من مجاهدي المقاومة، ينتظرون دورهم في القتال، واصفًا تكرار إعلان قادة الكيان الصهيوني استهداف إبادة المقاومة، بأنه: “كلام للاستهلاك المحلي الإسرائيلي، وإرضاء لليمين المتعطش إلى الدماء”.
لا استسلام
كأنّ نتنياهو، “يتوهم”، أن مقاتلي المقاومة يمكن أن يستسلموا، غير مدرك أنهم مُجاهدون، عن عقيدة، وإرادة وثبات، غايتهم النصر أو الاستشهاد.
يبدو، كذلك عدم فهم نتنياهو لمعنى الكلمات التي يختم بها “أبوعبيدة” جميع بياناته: (إنه لجهاد.. نصر أو استشهاد).. إنها كلمات الشيخ الأزهري الشهيد عزالدين القسام، المقاوم للاحتلال البريطاني لفلسطين، التي نطق بها رافضًا الاستسلام مع رفاقه، عندما حوصر في الضفة الغربية، وظلوا يقاتلون حتى استشهدوا (19 نوفمبر/تشرين الثاني 1935م).
كما تأتي هذه الرسالة، ردًا على وعيد نتنياهو، المتكرر بـ “تصفية حركة حماس”، ومحوها، وإبادتها، وتفكيك قدراتها العسكرية؛ تعبيرًا عن أوهامه وأمانيه التي لا يسندها الأداء المتواضع والمتردي لـ “جيش الاحتلال” على الأرض في مواجهة أسود المقاومة الشجعان، رغم الفارق الهائل في العتاد، والتجهيز، والتكنولوجيا، لصالحه، مقابل أسلحة أقل تطورًا أبدعتها عقول رجال المقاومة.
تفكيك الأفكار بالحوار
“الحرب” لا تزال مستمرة.. وتصفية حماس- لا قدر الله- وما بعدها لا يقرّرها نتنياهو، ولا أميركا شريكته في العدوان على الشعب الفلسطيني. الواقع الميداني للمعركة هو الذي يرسم تفاصيل اليوم التالي، ويُظهر الطرف الذي يصرخ أولًا، وهذا الأخير عليه قبول شروط الطرف الآخر.
مع ذلك، ومهما كانت نتيجة المعركة، فالمقاومة، مرتبطة وجودًا وعدمًا، بـ “الاحتلال البغيض”، وهو زائل حتمًا، ليسترد الشعب الفلسطيني، استقلاله وحقوقه.
من التكرار، التذكير؛ بأن “حركة حماس”، هي فكرة، يستحيل القضاء عليها بقوة السلاح، فالأفكار بالعموم، يمكن تفكيكها بالفكر والنقاش والحوار وبيان العوار الذي يعتريها، وهو أمر شاقّ وبالغ الصعوبة في كل الأحوال.
القادم أعظم
كما أن “نتنياهو”، بكلماته الأقرب للهذيان عن “السنوار”.. يختزل المقاومة بفصائلها العديدة، في شخص السنوار.. بينما الكل يجمعهم هدف تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني المستمر على مدار 75 عامًا.
نتنياهو وقادة الكيان، يعلمون جيدًا، أنَّ “المقاومة”، لا تموت مع شخص أيًا كان. وإلا لماتت “حركة حماس” وتلاشت، باغتيال الكيان الصهيوني مؤسّسَها الشيخَ أحمد ياسين (عام 2004)، وخليفتَه الدكتورَ عبد العزيز الرنتيسي، بعد شهر واحد فقط من توليه قيادة حماس في العام نفسه، وغيرهما مما لا يتّسع المجال لحصرهم.
نختم بوعيد “أبوعبيدة” لجيش الاحتلال بأن “القادم أعظم”.