غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
بعد أن فشلت على مدار أكثر من 100 يوم من القصف والقتل والإبادة الجماعية في إجبار مئات الآلاف من مغادرة مدينة غزة، بدأت قوات الاحتلال تنتهج سياسة جديدة لتفريغ المدينة بالقوة.
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان كشف عن انتقال “إسرائيل” إلى مرحلة إفراغ مدينة غزة من سكانها عنوة وبقوة السلاح في إطار جريمة التهجير القسري والإبادة الجماعية المتواصلة في القطاع منذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي.
وأكد المرصد الأورومتوسطي في بيان له، السبت، تلقيه إفادات توثق إجبار جيش الاحتلال “الإسرائيلي” عائلات فلسطينية مكونة من عشرات الأفراد -غالبيتهم من النساء والأطفال- على النزوح القسري إلى وسط وجنوب قطاع غزة، بعد اقتحام منازلها ومراكز إيواء لجأوا إليها يومي الأربعاء والخميس الماضيين.
وجرت عمليات التهجير عنوةً بعد إعادة قوات الاحتلال معززة بآليات عسكرية مداهمة مناطق واسعة في مدينة غزة لا سيما أحياء “تل الهوى”، و”دوار أنصار” و”الشيخ عجلين”، وإجبار من تبقي من عائلات فيها على النزوح قسريًّا، وفق البيان.
وقال “أ. غ” (فضل عدم الكشف عن اسمه) لفريق الأورومتوسطي: إن قوات الاحتلال داهمت بناية سكنية مكونة من عدة طوابق يقطنها وعائلته قرب “دوار أنصار” غربي مدينة غزة، وعمدت إلى إجبارهم جميعًا على النزوح قسريًّا باتجاه وسط وجنوبي قطاع غزة بعد احتجازهم لعدة ساعات والتحقيق معهم والاعتداء على بعضهم بالضرب.
فيما قال “ظ.ح” إنه فقد منذ يومين الاتصال بنحو 25 من أقاربه في حي “تل الهوى” جنوبي غربي مدينة غزة إثر تعرض المنطقة لمداهمة جديدة من الجيش الإسرائيلي، قبل أن يتلقى اتصالًا من أحدهم يفيد بإجبارهم على النزوح إلى رفح أقصى جنوب القطاع.
وأوضح أن أقاربه كانوا يقيمون مع مئات الأشخاص في مدرسة تحولت إلى مركز إيواء قرب “دوار أنصار”، وقد جرى مداهمتها من القوات الإسرائيلية وإجبار جميع من ظلوا يتواجدون فيها على النزوح الفوري بعد تهديدهم بالقتل.
وأظهرت إفادات أخرى متطابقة تنفيذ قوات الاحتلال السيناريو ذاته في مدرستين أخريتين تستخدمان كمركزين للإيواء في منطقة غربي مدينة غزة، ودفع من يقيمون فيها للنزوح القسري على وقع إطلاق النار والقذائف المدفعية.
ونشر جيش الاحتلال عبر الناطق باسمه للإعلام العربي “أفيخاي أدرعي” اليوم السبت، إنذارًا جديدًا لسكان قطاع غزة بضرورة النزوح إلى رفح عبر شارع “الرشيد – البحر” الذي قال إنه يبقى مفتوحًا أمام الانتقال من شمال القطاع إلى جنوبه حصرًا، بين الساعات (09.00 صباحًا إلى 16.00 عصرًا).
بموازاة ذلك، تصعّد قوات الاحتلال من استخدام التجويع ومنع الإمدادات الإنسانية عن سكان مناطق مدينة غزة وشمال القطاع، وتستخدم ذلك سلاحًا لتحقيق التهجير القسري وإجبار المدنيين على النزوح لمحاولة تجنب الموت قصفًا أو جوعًا، وفق البيان.
وكان رئيس حكومة الاحتلال “بنيامين نتنياهو” عبر عن رفضه دخول أي شاحنات مساعدات دون تفتيش إسرائيلي ومواصلة نهج تقييد كميات الإمدادات الإنسانية.
كما صرح وزير المالية الإسرائيلي “بتسلئيل سموتريتش” زعيم حزب “الصهيونية الدينية” اليميني المتطرف، في منشور على منصة X (تويتر سابقًا): “أرحب بمبادرة الإجلاء الطوعي لعرب غزة إلى دول العالم، هذا هو الحل الإنساني الصحيح لسكان غزة والمنطقة بأكملها بعد 75 عامًا من اللجوء والفقر والمخاطر”، وفق زعمه.
وقال المرصد الأورومتوسطي إن إحصاءاته الأولية تفيد بنزوح مليون و955 ألف فلسطيني من مناطق سكنهم، وقد نزح الكثير منهم عدة مرات، بحيث اضطرت العائلات إلى التنقل مرارًا وتكرارًا دون أن تعثر على ملجأ آمن.
وذكر الأورومتوسطي أن محافظة رفح باتت الملاذ الرئيس للنازحين، حيث يعيش أكثر من مليون شخص في مكان مكتظ للغاية، في أعقاب تكثيف الهجمات العسكرية الإسرائيلية في خانيونس جنوبي القطاع، ودير البلح في وسطه، وأوامر الإخلاء المتكررة التي أصدرها جيش الاحتلال “الإسرائيلي”.
وأطلق الاحتلال منذ 12 تشرين أول/أكتوبر الماضي (أي بعد 5 أيام من بدء هجماته العسكرية المتواصلة) حملة للتهجير القسري ضد نحو 1.1 مليون من سكان مدينة غزة وشمال القطاع، بإجبارهم على الانتقال إلى وسط وجنوبي القطاع، دون وجود أي مكان آمن يلجؤون إليه، ودون أي ضمانات للسماح لهم بالعودة مستقبلًا، أو ضمان الأمن لهم خلال طريق نزوحهم، بل على العكس، ففي العديد من المرات استهدفهم مباشرة أثناء نزوحهم في الطرق التي كان قد أعلن عنها الجيش بشكل سابق باعتبارها ممرات آمنة.
وفي 22 من الشهر ذاته، عمد جيش الاحتلال إلى تهديد سكان مناطق غزة وشمال القطاع بأنه سيتم تصنيفهم على أنهم “شركاء في منظمة إرهابية” إذا لم يتبعوا أوامره بالنزوح القسري، وبالتالي جعلهم أهدافًا مشروعة للقصف الشامل بما يكرس سياسة الإبادة الجماعية المستمرة، وبما يشكل انتهاكا صريحا لمبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين، ومبدأ حظر تعمد توجيه الهجمات العسكرية ضد السكان المدنيين الذين لا يشاركون بشكل مباشر في الأعمال الحربية، وإلا اعتبر ذلك الاستهداف جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ومع إطلاق مناوراته البرية في نهاية الشهر ذاته، ضاعف جيش الاحتلال من جرائمه المروعة عبر عمليات القتل غير القانوني والإعدام خارج نطاق القانون والقضاء والاعتقالات التعسفية ومن ثم الإخفاء القسري، وذلك بهدف دفع جميع من تبقي من مدنيين في مناطق سكنهم إلى النزوح القسري.
وقال الأورومتوسطي: إن إسرائيل تصر على تنفيذ عمليات نقل قسري للمدنيين في قطاع غزة خارج نطاق القانون، والأخطر أنها تمنح نفسها ترخيصًا لاستهداف من يرفض أمر الإخلاء بعدهم “إرهابيين” عبر القصف العشوائي للمنازل والأعيان المدينة أو المداهمة الميدانية لإجبارهم عنوةً على النزوح.
وأضاف أن المدنيين -ممن يرفضون الإخلاء لافتقادهم إلى ملجأ بديل، أو لأن من بينهم مسنون ومرضى عاجزون عن الحركة وأشخاص من ذوي الإعاقة، أو لأنهم لا يريدون ترك منازلهم- لا يمكن بأي شكل عدّهم أهدافًا مشروعة، وتجريدهم من الحماية الكاملة التي يتمتعون بها بموجب قوانين الحرب.
وشدد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان على أن قوانين الحرب تحظر تحت أي مبرر استهداف المدنيين عمدًا، وتعد تهجيرهم قسريًّا انتهاكًا جسيمًا يصل إلى حد جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.