[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني
على الرغم من النداءات المتصاعدة من المؤسسات الدولية بضرورة إدخال المساعدات العاجلة إلى قطاع غزة عن طريق المعابر البرية بما يحفظ إنسانية أهل غزة ويعينهم على مواجهة المجاعة المحدقة لا سيما في محافظتي غزة والشمال في ظل تواصل ارتقاء الشهداء وخاصة الأطفال بسبب سوء التغذية والجفاف، إلا أنّ أمريكا والاحتلال الإسرائيلي يصرّان على التمسك بالسماح فقط بإلقاء المساعدات جوّا مع كلفتها العالية وعدم تحقيقها لجزء يسير من حاجة الناس في غزة؛ بل أكثر من ذلك خطورتها على حياتهم.
وتؤكد مؤسساتٌ دولية أنّ إسقاط حزم ثقيلة في مناطق مكتظة بغزة يشكل خطرا على السكان، كما أن عديدا من الطرود التي أُنزلت مؤخرا انتهى بها الأمر في البحر، وأخرى جرفتها الرياح إلى مناطق إسرائيلية، وأكثر من ذلك يستهدف جيش الاحتلال المدنيين الذين ينتظرون هذه المساعدات ويسعون للحصول عليها.
مراقبون وخبراء أكدوا أنّ الإصرار على إلقاء المساعدات جوّا ومشاركة أمريكا فيها بطريقة استعراضية أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها مجرد “بروباغندا سياسية” تخدم الاحتلال وأمريكا بالدرجة الأولى؛ بل أكثر من ذلك تحولت لـ “نكتة سمجة”، تمس بكرامة أهل القطاع الذي يعاني منذ أكثر من خمسة شهور من عدوانٍ غاشم، خاصة وأنّ الداعم الأكبر للاحتلال بالسلاح والصواريخ والقنابل التي تقتل غزة هم الأمريكان أنفسهم فكيف يمكن لمن يلقي القنابل على أهل غزة ويرفض وقف الحرب أن يلبس ثوب الإنسانية فجأة ويلقي بالمساعدات؟
نكتة سمجة
واستهجن أستاذ الشريعة الإسلامية الدكتور أحمد الشحروري في تصريحاته للمركز الفلسطيني للإعلام، المشاركة الأمريكية في الإنزالات الجوية الإغاثية على غزة، معتبرًا أنّها بمثابة “نكتة سمجة” لا سيما وأنّ “أمريكا هي صانعة السلاح الذي يبطش بأهل غزة وفلسطين وهي المعتدي الحقيقي”، على حد وصفه.
وقال الشحروري: إنّه مع استمرار الإصرار على إغلاق معبر رفح وعدم السماح باستخدام المعابر البرية التي تتصل بالأراضي الفلسطينية المحتلة تتم عمليات إنزال بعض المساعدات عن طريق الطرود الطائرة، هذه الحركة شكرتُها بقدر انتقادي للاستعاضة بها عن دخول الشاحنات عبر المعابر البرية، لأسباب عديدة، منها أن دوام إغلاق المعابر هو استمرار لفجور الاحتلال وتعديه على ما لا يملك، وأهم من ذلك أن الإنزال الجوي لا يحمل من المساعدات إلا قليلا مما تستطيع الشاحنات أن تحمله وتحتاجه مئات الألوف من الجوعى والأطفال الحرومين.
وأضاف بالقول: لو استمر الإنزال الجوي عربيا لكان عجز العرب عن فتح معبر رفح مفهوما بما فيهم مصر شريكة فلسطين في المعبر المذكور، أما أن تنضم الولايات المتحدة إلى هذا الإنزال فإنها نكتة سمجة وخطوة غير مبررة منطقيا على الإطلاق، فأمريكا هي المعتدي الحقيقي على شعبنا في غزة، هي صانعة السلاح الذي يبطش بهم، وهي التي لو رفعت يدها عن كتف الصهاينة ومن خلف ظهورهم لما استطاعوا أن يقوموا بهذا المجهود المجنون من الإصرار على إغلاق المعابر والإصرار على قتل الفلسطينيين جوعا وعطشا.
واستدرك بالقول: لو لوحت أمريكا بغضب حقيقي من هذا السلوك الإجرامي لانتهت المشكلة، لكن اللوبي الصهيو أمريكي هو الذي يخطط في واشنطن ليكون التطبيق على أرض غزة، ثم تمثل أمريكا دور المشفق على المدنيين فتقف على مسرح العجز مع حلفائها العرب، تمثل دور الحيارى التائهين، وهي حركة نفاق متقدمة خطيرة، إنها تأخذ دور العاجز لأنها لا تريد فتح معبر رفح، فهي تقصد هذا الخنق لسكان القطاع عن سبق إصرار، فتطيل عمر الحرب لعلها تقر عينا بالقضاء على صمودهم بعد أن يئست واعترفت بيأسها من القضاء على قدرات المقاومة.
وأضاف الشحروري: بألم شديد وحسرة كبيرة نتحسس هذا العجز العربي عن إغاثة عضو من جسد العروبة يمثل قلب الأمة في ثباته وتضحياته وقهره لعدوه، ونرى هذا التوافق في النتيجة -دون اتهام أحد في أصل نيته- بين العرب وحلفاء الصهاينة على القبول بالأمر الواقع والإذعان لإرادة الصهاينة في الإمعان بقتل، تذرعاً بأن الكف لا يقاتل مخرزا.
ويوجه أستاذ الشريعة الإسلامية رسالة للأمّة العربية والإسلامية: يا للعيب، كيف لمقاومة محاصرة مطاردة أن تدوّخ كيان المحتل ثم تعجز الأمة المليارية عن إقناع أمريكا بأن تنحاز إلى الحق بتسخير أدوات ضغط عليها لا تقوى أمريكا على تحملها لو صدقت نوايا العرب، فهل صحيح أن العرب موافقون سلفا على ما تصنع “إسرائيل” وما تخطط له أمريكا من نزع أنياب المقاومة حتى لا يظل في المنطقة كلها وجود إلا لأمريكا التي أقامت بنتها المدللة مقاما لا يليق بغيرها في مذهبها؟!”.
بروباغندا سياسية
ويرى المحلل والكاتب السياسي أحمد الحيلة في مقال له: أنّ لجوء بعض الدول العربية إلى عمليات الإنزال من الجو، بديلا عن الممرات البرية، يمكن مناقشته أو اعتباره طريقة المُقِل والعاجز عن مواجهة صلف الاحتلال وغطرسته ورعونته، ولكن لجوء واشنطن إلى ذات الأسلوب وهي الدولة الراعية والداعمة للاحتلال والشريك المفضّل له في الحرب على غزة، فهذا يوضّح أن أسلوب الإنزال مجرّد موضة سياسية وبروباغندا إعلامية تُنفّذ لأغراض سياسية، على حساب معاناة الأطفال والمدنيين الفلسطينيين.
ويؤكد الحيلة أنّ أمريكا تهدف من مشاركتها في الإنزالات الجوية لذر الرماد في العيون للتغطية على شراكتها في جريمة إبادة الفلسطينيين في غزة قتلا بالسلاح الأمريكي أو تجويعا باستمرار إغلاق المعابر، وذلك في مسعى منها لإرضاء الرأي العام الأمريكي الرافض لسياسة بلده تجاه الحرب على غزة.
ويلفت إلى أنّ الإنزال الجوي يعفي حكومة نتنياهو من الضغوط لفتح المعابر المغلقة، أو عدم وضع عقبات أمام تدفق المساعدات عن طريق معبر رفح.
أهداف إسرائيلية
ولإسرائيل أهداف عدة تريد تحقيقها من وراء السماح لبعض الدول بتنفيذ الإنزال الجوي، أفصح عن أحدها متحدث باسم جيش الاحتلال بقوله إن “إنزال المساعدات جوا يتيح للجيش التركيز على القتال”، مما يعني بحسب خليل شاهين مدير البرامج في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) “موافقة إسرائيل” على هذه الوسيلة.
ويحدد شاهين للجزيرة نت أهدافا عدة أرادت إسرائيل تحقيقها في مقابل هذه الموافقة، منها: أنه لا يمكن للمساعدات الجوية أن تُفشل أهداف حرب التجويع المستمرة بشكل كلي، خاصة من حيث الكميات.
ويرى أنّ التركيز على إيصال كميات محدودة من المساعدات الغذائية يعني عدم الضغط على إسرائيل من أجل عودة مقومات الحياة الأساسية كالوقود لتشغيل المستشفيات وما تحتاجه من معدات طبية كأجهزة الأشعة والأكسجين وغير ذلك، إضافة إلى تشغيل محطات المياه والصرف الصحي لتفادي انتشار الأوبئة التي تهدد حياة الناس.
ولفت شاهين إلى أنّ الإنزالات الجوية للمساعدات توفر مبررا لدولة الاحتلال للادعاء أمام محكمة العدل الدولية بأنها استجابت للإجراءات الاحترازية المؤقتة التي قررتها المحكمة.
وقال: إنّ ما يزيد المخاوف أن الإنزال الجوي بموافقة إسرائيل قد يكون مقدمة لما هو أسوأ، أي الاستمرار في فصل الشمال عن الجنوب، وتنفيذ عملية برية في رفح، والسيطرة على معبر رفح ووقف استخدامه، ومواصلة إغلاق باقي المعابر، بما يعنيه ذلك من إعادة احتلال القطاع وعزله بالكامل عن العالم.
ولفت إلى أنّ الحديث الأميركي عن عملية إنزال جوي مستدامة للمساعدات وإنشاء ممر بحري، يلتقي مع الأهداف الإسرائيلية بخصوص عزل القطاع عن العالم، خاصة أن إسرائيل توصلت إلى تفاهمات مع قبرص بشأن إنشاء ممر بحري بذريعة إيصال المساعدات إلى غزة.
امتهان للكرامة
بدورها أكدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، يوم الخميس، أن عمليات الإنزال الجوي للمساعدات على قطاع غزة فيها امتهان لكرامة المواطن الفلسطيني الذي يتعرض لحرب إبادة جماعية، وتمُارس ضده حرب تجويع ممنهجة خاصة في محافظتي غزة والشمال، كما تهدف لخلق فوضى عارمة في القطاع.
وأضافت الجبهة “أن عملية الإنزال الجوي نتائجها عقيمة ولا يمكن من خلالها إيصال المساعدات لجميع المواطنين الجوعى والمحاصرين في جميع المناطق وبصورة كلية ومتكافئة، وتساهم في تكريس مخططات الاحتلال بعملية فصل شمال القطاع عن وسطه وجنوبه وتقييد عمل “الأونروا”، كما أنها تُحرر المجتمع الدولي من مسؤولياته والتزاماته الواضحة بضرورة وقف حرب الإبادة وكسر الحصار المفروض على القطاع، وفرض فتح جميع المعابر وإدخال المساعدات دون قيد أو شرط لا سيما إلى مناطق غزة والشمال”.
يذكر أنّ القيادة الوسطى الأميركية قالت إنها نفذت عملية إنزال جوي مشتركة للمساعدات الإنسانية في شمال غزة.
وألقت طائرات شحن أميركية من طراز “سي-130” مساعدات من الجو، في ثالث عملية لإيصال مساعدات خلال أقل من أسبوع.
وأفادت القيادة المركزية الأميركية عبر وسائل التواصل الاجتماعي “ألقت طائرات سي-130 الأميركية أكثر من 38 ألف وجبة توفر مساعدات إنسانية تنقذ حياة (السكان) في شمال غزة، لتمكين المدنيين من الوصول إلى مساعدات ضرورية”.
“}]]