تل أبيب/PNN- تحذّر أوساطٌ في إسرائيل من أن عدم إتمام صفقة مع “حماس” الآن يعني أنها فوّتت فرصة أخيرة لاستعادة المحتجزين في غزة، ولذا تطالب بوقف الحرب، فيما ترى حكومتها أنها قدّمت عرضاً واقعياً له احتمالات نجاح، وأن وقف الحرب يعني خنوعاً ورفعاً لراية بيضاء، كما قال نتنياهو في الكنيست، أمس.
وفي التزامن يحذّر ليبرمان من أن نتنياهو يقود إسرائيل لـ “خراب الهيكل الثالث”.
وقالت الإذاعة العبرية الرسمية، هذا الصباح، إن طلب “حماس” وقف الحرب يثير جدلاً داخل مجلس الحرب، بين من يدعو لوقفها الآن ومن يرى ذلك استسلاماً لـ “حماس”.
وأوضحت الإذاعة العبرية أن إسرائيل، بمقترحها للوسطاء أمس، تبدي ليونة بما يتعلق بعدد المخطوفين الذين سيفرج عنهم في النبضة الأولى، “الإنسانية”، لكن نتنياهو يرفض موقف بقية وزراء مجلس الحرب الموافقين على وقف الحرب الآن.
وتنقل القناة العبرية الرسمية عن مصدر إسرائيلي مطلع على المفاوضات قوله إن هذه هي الفرصة الأخيرة لاستعادة المخطوفين وإتمام صفقة. وتابع: “نحن، والوسطاء أيضاً يدركون ذلك، بحال لم تنجز صفقة سيجتاح الجيش رفح، وعندئذ لن يعود المخطوفون الذين يموتون حالياً في الأسر، ومن شأن ذلك أن يتفاقم”.
مقابل اتهام نتنياهو لـ “حماس” بعرقلة المداولات، ودعوته لممارسة الضغط عليها، لا على حكومته، تتواصل التسريبات بأنه ما زال غير معني بصفقة لن تتحقق مع مثل هذه الحكومة، كما جاء على لسان مسؤول المفقودين والأسرى في الجيش الجنرال نيتسان ألون، حسب تسريب بثّته القناة 12 العبرية، أمس الأول.
واعتبر وزير الأمن والخارجية والمالية في حكومات الاحتلال السابقة أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب “يسرائيل بيتنا”، أن محاولات تحرير المخطوفين تبدو أخيرة، وهذا يلزمنا بضبط النفس، ووقف الثرثرة في الإعلام، والصمت، ومنح المفاوضين فرصة للعمل.
في حديث للإذاعة العبرية الرسمية، قال ليبرمان، صباح اليوم الأربعاء، إن إسرائيل أمام خطر وجودي حقيقي، وإن نتنياهو يقودها لخراب الهيكل الثالث. ويعلّل ذلك بالقول: “منذ ثمانية شهور نقاتل “حماس”، ولم ننجح بالتغلب عليها، وهذه مسؤولية رئيس الحكومة أولاً، وهذا ما أكّدت عليه لجنة فينوغراد للتحقيق بحرب لبنان الثانية عام 2006”.
لافتاً إلى ما قاله مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، في الأسبوع الماضي، بأن “إسرائيل لم تحقق أهداف الحرب”.
وتابع ليبرمان هجومه على نتنياهو مجدداً: “كل ما يهمّ نتنياهو حسابات شخصية: البقاء في الحكم. نتنياهو يهدّد وجود إسرائيل، وهو يرأس حكومة غيبيين مهووسين”.
وتساءلَ كيف ندير حرباً ورئيس الحكومة في قطيعة تامة، منذ أسبوعين، مع وزير الأمن غالانت؟
ويخلص ليبرمان للقول: “لا قدرة لنتنياهو على قيادة إسرائيل لحسم وانتصار، وكل ما يهمه نفسه ومستقبله السياسي، وينبغي السعي لاستبداله”.
ورداً على سؤال، قال ليبرمان إن الطريق للتخلص من نتنياهو تتأتى بالإطاحة به من قبل زملاء له في حزب “الليكود” يتحالفون لإسقاطه، أو انضمام خمسة من نواب “الليكود” للمعارضة بتصويتهم مع فك البرلمان والذهاب لانتخابات مبكّرة.
وقال ليبرمان إن هناك نواباً في الليكود يتفقون على ذلك، ويهمهم مستقبل أولادنا وأحفادنا، والحديث السري جارٍ معهم للتخلص من نتنياهو، وينقل عنهم قولهم إنه على غانتس مغادرة الائتلاف أولاً، لأننا غير مستعدين للقفز لبركة بلا ماء”.
واختتم ليبرمان مقابلته بالقول: “كل الخيارات المطروحة الآن سيئة، وأسوأها بقاء حكومة متطرفة غيبية برئاسة نتنياهو”.
نهاية طريق الصهيونية
وتبعه في ذلك الرئيس المنتخب الجديد لـ حزب “العمل” يائير غولان، الذي قال لذات الإذاعة، اليوم، إن “إسرائيل تدير حرباً دون أهداف واضحة قابلة للتحقيق”. داعياً لوقف الحرب من أجل صفقة واسعة تشمل أفقاً سياسياً أيضاً.
يشار إلى أن غولان جنرال في الاحتياط، نائب سابق لقائد الأركان، وعضو كنيست سابق عن حزب “ميرتس”، وانتخب، أمس، رئيساً جديداً لحزب “العمل”، بعد انضمامه له منذ شهور فقط.
ورداً على سؤال عن تأييده لتسوية الدولتين وتفكيك المستوطنات في إطارها، قال غولان: “دون الانفصال عن الفلسطينيين تدخل الصهيوينة في طريق الزوال. لن نفكّك مدناً استيطانية كبرى، ولكن نعم، علينا تفكيك عددٍ غير قليل من المستوطنات، والتقدم نحو تسوية مع الولايات المتحدة”.
ويشارك غولان في تشكيل معسكر جامع لعدة أحزاب إسرائيلية لإسقاط نتنياهو، ومن المفترض أن يلتقي رؤساؤها اليوم لهذا الغرض. كما دعا حيلي تروبر، النائب عن حزب “المعسكر الدولاني” برئاسة غانتس، لوقف الحرب، بقوله إن تدمير “حماس” هدفٌ مهم لأمن إسرائيل، وهذا سيناريو سيرافقنا مستقبلاً، لكن علينا منح الأولوية الآن للمخطوفين ووقف الحرب”.
حرب الضياع الأولى والأخيرة
ويتقاطع معه، ومع افتتاحية “هآرتس”، الكاتب المعلق الإسرائيلي ران إدلست، الداعي لوقف الحرب لصالح صفقة كبرى. فيقول، في مقال تنشره صحيفة “معاريف” اليوم: “لم نتعلّم شيئاً من حرب الاستنزاف. وقتها واصلت حكومات اليسار لعب دور البطل، وفقط بعد خسارة آلاف القتلى والجرحى فهمنا حدود القوة. إذا لم نحسن ملاءمة قوتنا العسكرية الحقيقية سنصل بشكل طبيعي ومرعب لحرب 1973 الثانية، وستكون هذه حرب الضياع الأولى.. والأخيرة”.
في المقابل؛ ما تزال مسألة وقف الحرب الآن تحول دون تقدّم في مداولات الصفقة، وتواصل شق صفوف الإسرائيليين بين مؤيد ومعارض لفكرة إنهاء الحرب. حالياً، تتواصل الجرائم بحق المدنيين الغزيين في رفح وفي خان يونس وبقية القطاع وغيرها. وتتقاطع “هآرتس”، في افتتاحيتها المذكورة، مع منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية، التي تصف ما يجري من جرائم حرب بحق الفلسطينيين بدون محاولات تخفيف وتلطيف، وتنسف الرواية الرسمية فتقول: “تواصل سياستها التي تعني عملياً القتل بالجملة لناس أبرياء، حتى في مخيّمات المهجّرين، وسط تجاهل فظّ لقرارات “محكمة العدل الدولية”. على المجتمع الدولي التحرّك الفوري لوقف هذه الجرائم. ندعو مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرار بوقف القتال في قطاع غزة، وفرض القرار على إسرائيل”.
بيد أن أوساطاً إسرائيلية واسعة، بما فيها معظم الإعلام العبري، تواصل المشاركة في سفك دم الفلسطينيين، من خلال نزع إنسانيتهم وشيطنتهم ما يساهم في إنتاج وعي وأجواء ورأي عام مؤيد للبطش والمذابح وزيادة شهوة الانتقام.
في آخر تجليات ذلك تحدّث إذاعيان إسرائيليان، ران بنياميني ويغئال غويطة، ضمن برنامجهما اليومي مساء أمس، عن ظاهرة انتشار الخنازير البرية الخطيرة داخل المدن الإسرائيلية، وبعد الحديث مع خبير حولها خَتَمَا الموضوع بدعوة السلطات الإسرائيلية لإرسال الخنازير الخطيرة لرفح.
من جهتها، تواصل واشنطن الثرثرة الفارغة، وتوفير أسباب الدعم لإسرائيل في مختلف المجالات، فجاء على لسان البيت الأبيض: “لم نر بعد أيّ خطة لتوفير الأمن والحماية للمدنيين. حذّرنا إسرائيل في الماضي من مغبّة القتال في منطقة رفح المزدحمة، واليوم لا نراها تدخل في عملية واسعة. لا مبرر لدخول إسرائيل في حملة برية واسعة لرفح خوفاً من تعمّق عزلة إسرائيل”.
وعند طرح مشروع قرار الجزائر لوقف المذبحة في رفح وإطلاق كل الرهائن على مجلس الأمن ستقف الولايات المتحدة أمام اختبار جديد لمصداقيتها المتشظية.
وفي التزامن، قال سفيرا الصين وفرنسا إنه ينبغي أن يجري التصويت على مشروع القرار الجزائري هذا الأسبوع، “لأن الحديث يدور عن حياة وموت”.