لماذا هذا التناقض في موقف الولايات المتحدة…بقلم اللواء سمير عباهرة

 ​   

بقلم: اللواء سمير عباهرة

احدثت الحرب التي شنتها اسرائيل على قطاع غزه تطورات ومتغيرات متسارعة في السياسة الخارجية الامريكية وتحديدا فيما يتعلق بالشرق الاوسط في الكثير من القضايا سواء اكان ذلك يتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي الذي احتل اولوية في السياسة الامريكية او فيما يتعلق بقضايا التطبيع الاسرائيلي العربي من خلال التصريحات المتلاحقة التي صدرت عن المسئولين الامريكيين وفي مقدمتهم الرئيس جون بايدن الذي شدد على ضرورة العودة الى حل الدولتين حيث جاءت هذه التصريحات بعد ان ادركت الولايات المتحدة  الخطر المحدق بإسرائيل الذي بات يهدد امنها القومي بعد عملية طوفان الاقصى وتداعياتها على كافة المستويات الرسمية والشعبية المحلية والإقليمية والدولية وما رافق هذه الحرب من جرائم تمثلت باستهداف المدنيين وعمليات التهجير وتدمير البنية التحتية وإتباع سياسة الارض المحروقة كل ذلك احدث ردود فعل غاضبة ووضع الولايات المتحدة في ورطة وفي مأزق امام الرأي العام العالمي بصفتها الداعم الرئيسي لإسرائيل في هذه الحرب. مجريات هذه الحرب وتطوراتها  عززت الكثير من الوقائع والأحداث وفرضت على الولايات المتحدة تحولات في موقفها الذي ظل لمدة طويلة يتخذ سياسات غير مكتملة لحل مشكلة الشرق الاوسط الامر الذي فتح الباب على مصراعيه امام فتح المسار السياسي لحل القضية الفلسطينية وضرورة حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.

هذا الاندفاع في الموقف الامريكي بالعودة الى حل الدولتين بعد الانتهاء من الحرب جاء لامتصاص نقمة الجماهير العربية وردود فعلهم الغاضبة التي خرجت بالآلاف في العواصم العربية احتجاجا على جرائم اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وامتدت هذه الاحتجاجات الى العواصم الاوروبية وحتى داخل الولايات المتحدة تندد بإسرائيل وجرائمها وانهزت صورة اسرائيل امام الرأي العام العالمي ووضع الولايات المتحدة تحت الضغط بوصفها الشريك غير المباشر للحرب القائمة على غزه وصاحبة القرار في استمرار الحرب ووقفها وهذا دفع الولايات المتحدة للتحرك من اجل تحسين صورتها في المنطقة بوضع القضية الفلسطينية على سلم اولوياتها من اجل استرضاء المستويات الرسمية والشعبية العربية. ولكن الامر لا يبدو اكثر من عملية تسويق للمواقف الامريكية لان الحديث الدائر في اروقة البيت الابيض بوضع القضية الفلسطينية في صدارة الاحداث الدولية والعمل على  حلها يبتعد كثيرا عن المفاهيم الفلسطينية لحل الدولتين الذي تصر فيه اسرائيل على الاحتفاظ بسلطاتها الامنية وهذا يعطيها حرية التدخل في الشؤون الداخلية للدولة الفلسطينية تحت ذرائع الامن وهذه مسألة لا يمكن التسليم بها من الجانب الفلسطيني.

الهدف الامريكي ايضا وهو الاهم جراء العمل على حلحلة الصراع هو الخروج من الازمة التي تواجه عملية التطبيع الاسرائيلي السعودي حيث ترى الولايات المتحدة ان ذلك يمكن اسرائيل من الاندماج في منظومة الشرق الاوسط وتحديدا في المحيط العربي دون عراقيل او قيود فلذلك جاءت فكرة احياء عملية السلام حتى لا تصطدم باشتراطات الموقف السعودي في العودة الى حصول الفلسطينيين على حقوقهم وإقامة الدولة الفلسطينية وهذا يجب على ساسة البيت الابيض ادراكه بان اولوية التطبيع لن تأتي منفصلة عن الحقوق الفلسطينية بل مرتبطة تماما بحل الصراع.
لكن الولايات المتحدة وان كانت خرجت من مأزق التطبيع بطرحها لحل القضية الفلسطينية إلا انها عادت الى مأزق اخر من جزئيات القضية نفسها عندما صوت مجلس النواب الامريكي على قرار يحظر دخول اعضاء منظمة التحرير الفلسطينية الى الولايات المتحدة فما هو وجه التناقض في ازدواجية المواقف إن هذا القرار يتناقض مع قرارات الإدارة الأميركية المعلنة وسيؤثر سلباً في دورها ومصداقيتها في حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي القائم على أسس الشرعية الدولية ومن شأنه الاضرار بحل الدولتين.

الولايات المتحدة مطلوب منها مراجعة المحطات التي مر بها الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وكيفية تعاملها مع تلك المعطيات التي افرزتها عملية السلام حيث جاء الاعتراف الامريكي بمنظمة التحرير الفلسطينية كيف يمكن عودة الاتصالات بين الجانب الفلسطيني والأمريكي وتحديا في المرحلة المقبلة وهي الاكثر ازدحاما بالمتغيرات والتحولات في الوقت الذي تعلن فيه الولايات المتحدة مقاطعة منظمة التحرير وهي تدرك انها صاحبة الولاية الشرعية للقضية الفلسطينية. اليس الدعوة الامريكية الى احياء عملية السلام والعودة بحل الدولتين الى واجهة الاحداث السياسية اعتراف من قبل الولايات المتحدة بالشرعية الفلسطينية وهي تدرك تماما ان من تمنعهم اليوم من دخول الاراضي الامريكية ستكون مجبرة على لقاءهم عندما يحين موعد الانطلاق نحو الدولة الفلسطينية فكيف يمكن للولايات المتحدة ان تستقيم حول هذين التناقضين.

وكيف ايضا يمكن التوفيق بين موقف الولايات المتحدة في سعيها لتحقيق حل الدولتين وبين موقفها من الاونروا التي تم حصارها بإشارة اسرائيلية واستجابة امريكية وأوروبية مع ان قضية اللاجئين من اكثر القضايا تعقيدا والتي من المفترض ايجاد الحلول لها بل هي جزء اساسي من أي حل.
قناعة الولايات المتحدة ازدادت بعد الحرب الاخيرة على غزه انه لا يمكن ان يتوفر الامن والأمان لإسرائيل الا بحل الصراع وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم رغم ان هذا الموقف اعلنت عنه الولايات المتحدة في الكثير من المناسبات عندما كانت يخدم السياسة الامريكية ومصالحها او عندما كان يتعلق الامر بالتوازنات الدولية.

 

  

المحتوى ذو الصلة