رام الله – وطن للانباء انكفأت العديد من شركات القطاع الخاص في الضفة الغربية عن بث إعلاناتها وخدمتها الإعلامية عبر وسائل الإعلام المحلية، بالتزامن مع العدوان على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر، ومارست معها ابتزازا، أثار ريبة في التوقيت والهدف.
ويكسو ابتزاز بعض شركات القطاع الخاص لوسائل الاعلام، علامات الريبة حول التوقيت والهدف، خاصة في الوقت الذي تجند حكومة المستوطنين، وسائل الاعلام المرئية والمقروءة والمسموعة في العدوان، وتلقي عليها مهمة ترويج رواية الاحتلال وتكريسها لدحض الرواية الفلسطينية وتسخر لها كل الإمكانيات المالية واللوجستية، بينما تكافح وسائل الاعلام المحلية وتخوض حرب الرواية لترسيخها والدفاع عنها وفضح العدوان وجرائمه، رغم قلة الإمكانيات المتاحة.
وأثبت الصحفيون الفلسطينيون خلال العدوان عليهم علو كعبهم ومهنيتهم، وقاموا بدور اعجازي في قطاع غزة خلال العدوان، دفعوا دمهم ثمنا للحقيقة والرواية الوطنية وشيعت الصحافة الفلسطينية أكثر من 130 صحفي في غزة، وهذا الأمر يتجسد في الضفة الغربية أيضا التي تشهد حربا منذ 3 سنوات، يتخللها اجتياحات واقتحامات وعمليات اغتيال يوميا، تجندت وسائل الاعلام المحلية على مدار الساعة لمواكبة تلك الاعتداءات، ودفعت ثمنا لذلك من خلال الاعتداء على طواقمها الصحفية واعتقالها.
تكابد وسائل الاعلام المحلية الصعاب للبقاء على قيد الحياة، وهي اذ تعتمد على بعض الإعلانات والرعايات من شركات القطاع الخاص من اجل الاستمرارية في رسالتها ومهمتها، فإن ذلك لا يكون منة او صدقة، بل واجب على تلك الشركات، خاصة إذا ما تحدثنا عن ظروف استثنائية كالتي نمر بها في فلسطين، والتي تشكل وسائل الاعلام المحلية رأس الحربة في فضحها والدفاع عن الرواية الفلسطينية.
وإذا كانت تلك شركات القطاع الخاص تحب ان تصف نفسها بشركات “الاقتصاد الوطني” فإن ذلك يلقي على عاتقها مسؤوليات عدة، بالطبع ليس من بينها ابتزاز وسائل الاعلام المحلية التي تقاتل على الرواية والمعلومة والحقيقة، بل دعمها وتمتينها، في ظل هذه الظروف.
وقبل الحرب على غزة، لم تكن دوائر العلاقات العامة في العديد من شركات القطاع الخاص تتوقف عن إرسال البيانات الصحفية وأخبار العلاقات العامة لوسائل الاعلام والتودد اليها لنشرها على منصاتها، كما لم تكن تتردد في دعوة وسائل الاعلام لتغطية فعالياتها، بينما اليوم تدير تلك الشركات ظهرها لوسائل الاعلام وتمارس معها ابتزاز معيب.
وتضع شركات القطاع الخاص على رأس أولوياتها هدفين، أولهما تحقيق الربح الكثير، وهذا يتحقق لها بشكل دائم رغم الظروف السياسية والاقتصادية السيئة التي تمر بها الأراضي الفلسطينية، ففي الوقت الذي تتحدث فيه الإحصائيات عن ارتفاع مستوى البطالة ومعدلات الفقر، وأزمات مالية متلاحقة، نجد تلك الشركات تحقق أرباحا كبيرة تزداد كل عام، وفق ما تظهره بيانات الافصاح المالي التي تعلن عنها الشركات.
أما الأولوية الثانية لديها هي خلق سمعة جيدة لها في الشارع، وبصورة أخرى تعزيز الجانب الإعلاني والدعائي لها، وهذا ما تسعى اليه من خلال اختبائها خلف ما تسمى “المسؤولية الاجتماعية” والتي غالبا ما تخصص لها هذه الشركات مبالغ مالية محدودة، تصرفها في مجالات تكون محدودة الأثر والتأثير والمنفعة، لكنها تعمل على إبراز ذلك والترويج له وتضخيمه في الاعلام.
وضمن هذا السياق، بدأت الماكينة الإعلامية للعديد من تلك الشركات تضخيم بعض فعالياتها او تبرعاتها لقطاع غزة، وكأن ما تقدمه من مساعدات للقطاع مهما كان محدودا بحاجة الى عرس تصوير واعلام وإعلان، وكان الهدف المراد من ذلك هو الحصول على بضعة صور او مقطع مصور لبضعة ثواني لتلك الدعاية، علما ان قطاع غزة بحاجة الى دعم أضعاف مضاعفة لما تقدمه بعض تلك الشركات، والتي كانت دوما تصرخ وتستغيث وتدعو الى دعمها كونها تمثل الاقتصاد الوطني، وبالتالي الأولى بها ان تتوقف ولو لعام واحد عن تكديس الملايين.
تحقق شركات القطاع الخاص أرباح مهولة وغير مسبوقة كل عام، لكنها تكتفي بإصدار بيانات خجولة عن تلك الأرباح، بينما شركات أخرى لا تصدر أي بيانات او معلومات، ومصدر تلك الأرباح هي جيب المواطن الفلسطيني، الذي بات عليه مواجهة حيتان من كل نوع ولون في السوق، الكل يريد نهش بعض ما لديه من مال، دون محاسبة ورقابة رسمية، اذ يبدو ان بعض شرائح القطاع الخاص التي طالما كانت تدعم الحكومة وقت ازماتها، قد حصلت لتفويض للقيام بما تريده بحق المواطن دون حسيب ورقيب، وهذا ما أشارت اليه العديد من مؤسسات المجتمع المدني في تقاريرها من أن المواطن ترك لجشع العديد من القطاعات والشركات الخاصة.
وأخيرا، ان ما تمارسه بعض شركات القطاع الخاص من ابتزاز لوسائل الاعلام المحلية ليس مقبولا، ولن يكون يوما مقبولا أبدا، فاليوم إذا كانت تلك الشركات تبحث عن تعظيم أرباحها، وتسويق نفسها، فان وسائل الاعلام تدفع من دم صحفييها واعمارهم ثمنا، في حرب الرواية التي تخوضها، وإذا كان الوطن شعارا اختارته بعض تلك الشركات، فأن الإعلام الفلسطيني يمارس الوطنية ويؤدي واجباتها وفروضها وسيبقى للأبد، وإذا كان الرصاص والإغلاق والاعتقال فشل في تطويع الاعلام فإن المؤكد ان الابتزاز الممارس لن ينجح وسوف يسقط سقوطا مدويا، ولذلك فإن المطلوب حاليا هو توقف تلك الشركات عن ابتزاز وسائل الاعلام المحلية، وعدم خلق معارك جانبية في هذا التوقيت كونها لا تخدم أحدا سوى من يرغب بتغييب الإعلام الفلسطيني، وتوقف تلك الشركات عن المساهمة في تصفية وسائل الإعلام المحلية واندثارها، وتحمل مسؤولية اختفائها.