غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
لا تزال ارتدادات “طوفان الأقصى” تتوالى على “إسرائيل” وتهز أركانها في مختلف المجالات، وفي المقدمة مجالا السياحة والسفر، اللذان يعتبران من القطاعات الحيوية في دولة الاحتلال.
وتشير الأرقام والتحليلات المتوفرة إلى أن صناعة السياحة وكذلك السفر في دولة الاحتلال سيدفعان الثمن الأكبر من جراء هذه الحرب، التي يبدو أنها تختلف كلياً عن الحروب السابقة، كما ستترك أثراً عميقاً على مختلف مجالات الحياة في “إسرائيل”.
ومؤخراً، علّق الاحتلال رحلاته الجوية في أجواء دول الخليج؛ خشية تهديدات أمنية، كما علقت سلطنة عمان مرور طائرات “إسرائيل” في سمائها، إلى جانب تعليق أغلب شركات الطيران رحلاتها إلى الأراضي المحتلة منذ يوم 7 أكتوبر، فكيف سينعكس ذلك على اقتصاد تل أبيب؟ كما تساءلت صحيفة الخليج أونلاين في تقريرها.
خنق قطاع السفر
أدخل الغضب والتهديدات الإقليمية الرعب في دولة الاحتلال، حتى باتت تخشى الطيران فوق بلدان عدة، على رأسها دول الخليج التي تحيط بها دول مضطربة، أطلقت جماعات مسلحة فيها تهديدات باستهداف مصالح أمريكا و”إسرائيل”.
يوم الاثنين 30 أكتوبر، أكدت هيئة البث الإسرائيلية أن شركة طيران “العال” توقفت عن السفر عبر أجواء الخليج، بناء على إنذارات وتحذيرات أمنية.
وقالت الهيئة إن “في هذه المرحلة، توقفت شركة طيران العال عن الطيران على الطريق السريع إلى تايلاند، وتقوم بتحويلة لا تمر فوق المملكة العربية السعودية ودول الخليج”.
ووفقاً للهيئة، فإن ذلك “سيؤدي إلى تمديد مدة الرحلة إلى نحو 12 ساعة بدلاً من 8 ساعات”، مشيرةً إلى أن “هذا التحويل تم بسبب تحذيرات محتملة بعدم السفر على طريق قريب نسبياً من دول عربية معادية”.
ويوم الاثنين أيضاً، كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية عن قيام سلطنة عُمان بإلغاء اتفاق سابق يسمح للطائرات الإسرائيلية بعبور أجواء السلطنة؛ احتجاجاً على استمرار جرائم الاحتلال في قطاع غزة، بعد أقل من ثمانية أشهر من السماح لها بذلك.
ومنذ السابع من أكتوبر الجاري، ألغى عدد كبير من شركات الطيران حول العالم رحلاتها من وإلى دولة الاحتلال، كما ألغى الكثير من المسافرين حجوزاتهم إليها، وهو ما تسبب بأضرار بالغة بقطاع السياحة والسفر الحيوي.
ضرب قطاع السياحة
قطاع السياحة والنقل هما من أكثر القطاعات تضرراً في “إسرائيل” من جراء الحرب الدائرة منذ 7 أكتوبر، ووفقاً لأستاذ العلوم الاقتصادية في الجامعة العربية الأمريكية في رام الله، نصر عبد الكريم، فإن الاقتصاد الإسرائيلي سيدفع ثمناً أكبر بكثير كلما طالت الحرب واتسعت.
وأضاف عبد الكريم، في تصريحات لـ”سي إن إن”، في 11 أكتوبر، أن أكثر القطاعات تضرراً هي “السياحة والنقل؛ في ظل توقف حركة الطيران في مطار بن غوريون ومغادرة السياح للبلاد، بل وبعض الإسرائيليين أنفسهم يغادرون البلاد؛ ما سيؤدي لنزيف هذا القطاع”.
وخلال الأيام الأولى لعملية “طوفان الأقصى” ألغي قرابة نصف عدد الرحلات المغادرة عبر مطار بن غوريون؛ بسبب تقليص شركات الطيران حجم عملياتها المتجهة من “إسرائيل” وإليها، وفقاً لما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” في 11 أكتوبر.
ولصناعة السياحة في “إسرائيل” نسبة كبيرة في الناتج المحلي، كما أنها تستحوذ على النصيب الأكبر من الوظائف، وهو ما ستفقده مدة طويلة، حيث عم الرعب السياح لا المستوطنين فقط.
وتشير التقديرات إلى أن الخسارة التي تكبدها قطاع الخدمات السياحية الإسرائيلي بسبب عملية “الجرف الصامد” عام 2014، بلغت نحو ملياري شيكل (490 مليون دولار)، أي قرابة 0.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، وسط ترجيحات بأن الخسائر ستكون أكثر بكثير من هذا الرقم في الحرب الدائرة حالياً، وفقاً لـ”العربية نت”.
في حين أفادت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن الحرب الحالية، التي تعتبر الأكبر منذ حرب 1973، “ستتسبب في تجفيف السياحة، وسيصاب النشاط الاقتصادي جنوب دولة الاحتلال بالشلل”.
وخلال العام 2022، دخل إلى “إسرائيل” قرابة 2.67 مليون سائح، بحجم عائدات تجاوز 3.6 مليارات يورو، بالرغم من القيود التي كانت لا تزال مفروضة على دخول السائحين، وفقاً لوزارة السياحة الإسرائيلية، في بيانات نشرتها مطلع العام الجاري 2023.
شلل تام
تسببت عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها المقاومة في 7 أكتوبر، بصدمة كبيرة لـ”إسرائيل”، وكانت سبباً في إغلاق المتاجر والمطاعم الإسرائيلية أبوابها، كما أُلغيت مئات الرحلات الجوية، وغادر الكثير من الموظفين وظائفهم في الشركات بسبب استدعائهم كجنود احتياط للقتال في محيط غزة، وفقاً لتقرير نشرته “فايننشال تايمز”، في 23 أكتوبر الجاري.
الصحيفة البريطانية أشارت أيضاً إلى إخلاء مناطق واسعة على حدود “إسرائيل” الشمالية والجنوبية، من جراء المعارك في محيط غزة، والتهديدات التي يفرضها حزب الله في لبنان، مستدلةً بمستوطنة “سديروت”، التي كان يقطنها قبل الحرب قرابة 30 ألف مستوطن، ولكنها حالياً مدينة أشباح.
وقال جاي بيت أور، كبير الاقتصاديين في شركة “بساجوت” للاستثمار لـ”فايننشال تايمز”، إن “إسرائيل أمام عملية طويلة ستتسبب في خسائر فادحة للاقتصاد الإسرائيلي”، مشيراً إلى أن الناس يقومون بإلغاء العطلات والحفلات والمناسبات، وأصبح الكبار والصغار حبيسي المنازل.
تضرر صناعة الحفلات
بدورها، قالت جانيت بيليج، رئيسة جمعية المرشدين السياحيين الإسرائيليين، إنه “تم إلغاء بعض الرحلات لمدة تصل إلى عامين من الآن، وسط مخاوف من أن يؤدي الهجوم البري لغزة إلى اندلاع صراع إقليمي”.
وأضافت لـ”فايننشال تايمز” أن “انهيار الأعمال يذكر بما حدث خلال وباء كورونا”، مشيرةً إلى أن قطاع السياحة تعافى لتوه من آثار كورونا لكنه الآن يعود لنفس النقطة مرة أخرى.
وكان أدريان بيلوط، المحرر والمحلل الاقتصادي في موقع “كلكليست” الإسرائيلي، توقع في 11 أكتوبر أن قطاع السياحة وصناعة الحفلات والفعاليات في “إسرائيل” سيتأثر بشكل كبير بسبب الحرب الحالية.
وكانت عدد من دول العالم نصحت مواطنيها خلال الأيام الأولى من “طوفان الأقصى” بتحاشي السفر إلى “إسرائيل”، وفي المقدمة بريطانيا وعدد من دول أوروبا وآسيا وأمريكا.
ووفقاً لبيانات التعاون الاقتصادي والتنمية بدولة الاحتلال، فإن قرابة 3.6٪ من الإسرائيليين يعملون في قطاع السياحة، والتي تتركز على مناطق تاريخية مثل القدس وبيت لحم في الضفة الغربية، وكذا قضاء الإجازات على شواطئ تل أبيب.
في حين أشارت صحيفة “اليوم السابع” المصرية إلى أنه “كلما طالت المدة الزمنية للحرب تزداد خسائر قطاع السياحة بنسبة لا تقل عن 30% من حجم عائدات القطاع”.
تأثيرات عميقة
يبدو أن تأثيرات الحرب الحالية ستلقي بظلالها على المدى البعيد على الاقتصاد الإسرائيلي، وعلى قطاع السياحة في دولة الاحتلال تحديداً، وحول هذا قال الخبير الاقتصادي عامر الشوبكي: إن “التأثيرات المباشرة وغير المباشرة ستكون كبيرة، كما ستكون لها تأثيرات قريبة المدى ومتوسطة المدى وبعيدة المدى”.
وأضاف الشوبكي، في حديث لـ”الخليج أونلاين”: “من التأثيرات البعيدة المدى التأثير على قطاع السياحة في دولة الاحتلال، وهو شبه متوقف حالياً، ومهدد بأن يستمر هذا التوقف مدة أطول”، لافتاً إلى أنه “ليس في “إسرائيل” منطقة آمنة، وهذا سيدفع باتجاه إلغاء العديد من الرحلات السياحية والأنشطة السياحية فيها”.
وأشار إلى أن “شركات الطيران تأثرت من قطع أو وقف مرورها في سماء دول الخليج، وتحويل رحلاتها إلى مسارات أبعد، وهذا يعني كلفاً إضافية، وأسعاراً ورحلات إضافية وتذاكر إضافية، ومن ثم الابتعاد عن حجوزات على شركة طيران الإسرائيلية، وهذا بالتأكيد سيدفع باتجاه تكبد شركة الطيران الإسرائيلية المزيد من الخسائر”.
وقال الشوبكي: “الناتج المحلي لـ”إسرائيل” يعتمد بنسبة 3.5% على القطاع السياحي، ومن ثم فهو قطاع مهم للاقتصاد الإسرائيلي، وبلا شك سيتكبد الكثير من الخسائر من جراء الحرب الحالية”.