[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
ما يقرب من مائتي يوم من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية المتواصلة في قطاع غزة، لم تقتصر فيها حصيلة الضحايا على آلاف الشهداء وآلاف المنازل المدمرة، بل كانت المساجد ودور العبادة في قلب الاستهداف الصهيوني.
ففي هذه الإبادة المستمرة منذ أكثر من نصف عام، لم يتورع الاحتلال عن ارتكاب الموبقات بمختلف أشكالها، فقتل حتى اليوم زهاء 34 ألف مدني، منهم 14 ألف طفل، و10 آلاف امرأة، وأصاب أكثر من 77 ألفاً، وتسبّب في نزوح قرابة 90% من السكان، واستهدف مئات المساجد ودمرها بشكل كامل.
ووفق تقرير للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فقد دمر الاحتلال 233 مسجداً بشكل كليّ، و301 مسجد بشكل جزئي، كما استهدف 3 كنائس ودمرها بشكل كامل.
وفي السادس عشر من شهر إبريل/ نيسان الجاري، أغارات طائرات الاحتلال على مسجد شهداء الفاخورة غرب مخيم جباليا، وأسفرت تلك الغارة عن استشهاد وإصابة عدد من المواطنين.
وأشار جهاز الدفاع المدني حينها إلى أنّ طواقمه تعمل على انتشال جثامين الشهداء من تحت الأنقاض.
وفي اليوم ذاته أغارت طائرات الاحتلال على مسجد في حي البروك في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، وأدّى القصف إلى دمار شامل في المكان.
وأوضح إمام المسجد في تصريح لمراسل المركز الفلسطيني للإعلام أنّ الاحتلال دمّر المسجد بدون أيّ مبررات، فالمسجد مكان عبادة فقط، كما إنّ تدميره أدّى لدمار هائل في المنازل المحيطة.
وشدّد على أنّ الناس لن يبرحوا مدينتهم رغم الإبادة، مؤكداً أنّ الاحتلال يشنّ حرباً على كل شيء في قطاع غزة، فلا يكاد يمرّ يوم واحد من أيام هذه الإبادة دون أن يكون للمساجد نصيب من التدمير والقصف الصهيوني، في شتى أنحاء القطاع.
حرب دينية
وفي كلمة سابقة له، تطرق المتحدث باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، إلى تعمّد الاحتلال استهداف المساجد، حتى دمّر معظمها، وتسبب في وقف الأذان الذي هو إشعار بدخول وقت الصلاة.
وقال أبو عبيدة: “نرى من واجبنا الجهادي والديني أن نُعلم ملياري مسلم في العالم أنّ العدو الصهيوني وخلال مائة يوم، دمر معظم مساجد قطاع غزة، ودنّس وأحرق وجرّف تلك التي وصلت إليها آلياته على الأرض، وأوقف الأذان والصلاة، في حرب دينية واضحة، استكمالاً لما بدأته عصابات الصهيونية الدينية من حرب على المسجد الأقصى”.
وطال التدمير الصهيوني المسجد العمري الكبير وسط مدينة غزة، في شهر ديسمبر الماضي، وهو أحد أقدم المساجد في التاريخ وأكثرها عراقة.
وأوضحت وزارة السياحة والآثار حينها أنّ تدمير الاحتلال الإسرائيلي للمسجد العمري في قطاع غزة، يعتبر جزءا من مخططه لطمس وتدمير التراث الوطني الفلسطيني.
وأضافت، في بيان لها، أنّ هذا التدمير هو اعتداء مباشر على الممتلكات الثقافية الفلسطينية وهو مخالف لكل المعاهدات والاتفاقيات الدولية بما فيها اتفاقية لاهاي لعام 1907، وجنيف الرابعة لعام 1949، واتفاقيات اليونسكو حول حماية الممتلكات الثقافية.
وشدّدت الوزارة على أنّ تدمير المسجد العمري، الذي تبلغ مساحة فنائه 1190 متراً مربعاً، يُعدّ جريمة بحق التراث، حيث يُعتبر هذا المسجد أحد أهمّ المواقع الأثرية والدينية في قطاع غزة، وارتبط تاريخه بمئات السنين، حيث تأسّس بدايةً على شكل دير بيزنطي في القرن الخامس الميلادي، ثم تحول إلى مسجد ليكون جزءاً من النسيج الثقافي للشعب الفلسطيني، وهو شاهد على ارتباط الإنسان الفلسطيني بأرضه.
وأضافت الوزارة أنّ هذه الجريمة تضاف إلى جرائم أخرى ارتكبها الاحتلال الاسرائيلي في عدوانه على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فقد دمّر قبل ذلك مجموعة من المواقع والمعالم الأثرية، مثل ميناء غزة القديم، وكنيسة برفيريوس، ومسجد جباليا، والعديد من المباني التاريخية والمتاحف وغيرها.
مجازر في المساجد
ولا تستهدف إسرائيل المساجد وهي فارغة من المصلين، فقد وثّقت تقارير صحفية قصف طائرات الاحتلال مساجد على رؤوس المصلين في مناطق متفرقة من قطاع غزة، أدّت إلى ارتقاء مئات المصلين شهداء.
المواطن منير أبو العطا (65 عاماً) أوضح لمراسلنا أنّ طائرات الاحتلال أغارات على مسجد السلام في دير البلح، في الرابع عشر من أكتوبر الماضي، عقب انتهاء صلاة المغرب مباشرة.
وأوضح أنه غادر المسجد قبل الغارة بقليل، إلا أنّ نجليه الوحيدين عليّ ومصطفى كانا في المسجد لحظة قصفه، ما أدى لارتقائهما رفقة 25 مصلياً.
وأشار إلى أن المسجد تدمّر بشكل كامل فوق رؤوس المصلين، واستغرقت عملية انتشال جثامين الشهداء أياماً طويلة، قائلاً: أخرجنا جثث أبنائي على فترات ومراحل، كانت لحظات رعب ووجع لا يوصف.
تدمير المساجد في سياق الإبادة
يقول الكاتب والأكاديمي الفلسطيني، الدكتور محمد الرنتيسي، لقد دمّر الصليبيون العديد من المساجد، كما دمّر البريطانيون العديد من المساجد في الهند، ولكن تدمير 533 مسجداً في قطاع صغير المساحة مثل قطاع غزة هو سابقة في تاريخ الاعتداءات على المساجد خلال الحروب أو الصراعات المسلحة، وهو ما يؤكد أنّها عملية ممنهجة، ونابعة من إصرار ونية مبيّتة.
وأكّد في مقال له رصده المركز الفلسطيني للإعلام أنّ تدمير المساجد يرتبط أيضاً بمسار الإبادة الجماعية التي اتُّهمت اسرائيل بها في محكمة العدل الدولية، حيث جرى تدمير المساجد أيضاً في الإبادة الجماعية في حرب البوسنة.
وأوضح الرنتيسي أنّه ما من شكّ أن الاحتلال الإسرائيلي يدرك أهمية المسجد ومكانته في حياة الفلسطينيين، وأنه جزء لا يتجزأ من هويتهم، ففيه يقيمون صلواتهم، وفيه تصنع هوية الإنسان الفلسطيني المقاتل، ومنه يتخرج الحافظون والحافظات لكتاب الله، وفيه يُصدَح بالحق، وفيه يتمّ تعليم الصبر والثبات ورفض الظلم، وكلّ القيم العليا، ولهذا قرر الاحتلال استهداف المساجد التي يرى أنها مصانع للقيم والإرادة.
وتساءل الإعلامي في قناة الجزيرة القطرية، أحمد منصور، في منشور على حسابه على منصة إكس قائلاً: “حينما تتعمد إسرائيل هدم مساجد المسلمين بشكل مباشر.. أما يُؤكِّد هذا أنها حرب دينية ضد الإسلام والمسلمين؟”.
وفي مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، وبعد انسحاب جيش الاحتلال منها بعد أكثر من 4 أشهر من الهجوم البري الشامل، أكد مراسل المركز الفلسطيني للإعلام أنّ الاحتلال لم يترك مسجداً إلا وعاث فيه فساداً وتدميراً.
وأوضح أنّ المساجد جميعها دُمّرت بشكل كامل أو جزئي، ما يعني عدم صلاحيتها للعبادة، مشيراً إلى أن المواطنين وفي إرادة تحدٍّ يقيمون الصلاة على أنقاض مساجدهم المدمّرة، ويُعلون صوت الأذان فوق أزيز الطائرات.
“}]]