[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
على وقع مجزرة مدرسة التابعين في حي الدرج وسط مدينة غزة، فجر أمس والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من مائة مواطن وإصابة العشرات أكثرهم من النساء والأطفال، يتبادر إلى أذهان كل مراقب أسئلة عن أسباب ارتكاب الاحتلال مثل هذه الجرائم الوحشية بحق النازحين، وعن دلالات استهداف مراكز الإيواء من مدارس ومستشفيات، وذلك بعد أن صارت كل المنازل في قطاع غزة موضع استهداف من قبل طائرات وجنود الاحتلال.
لم تكن تكبيرةً يصيح بها أحد المقاومين وهو يقاتل الغزاة المحتلين، بل كانت تكبيرة إحرامٍ تلك التي همس بها المصلون النازحون في مدرسة التابعين، لكنها كانت علامة ينتظرها القتلة المُحلّقون في السماء بطائراتهم الأمريكية التي أعدّها الجيش النازي آنفًا، حاملاً معها قنابله الثلاثة التي تزن كل واحدة منها نحو ألفي رطل من المتفجرات، وما هي إلا أن بدأ النازحون صلاتهم حتى باغتهم القتلة بما يحملون من صواريخ الموت ليتحول المسجد إلى بركة من الدماء وقطع من الأشلاء؛ إذ لم يُعرف أيُّ عضو ينتمي إلىِّ أي جسد.
كل موضع شبر في قطاع غزة لم يعد بمأمن من غدر الاحتلال الإسرائيلي وصواريخه، فليس المكوث في المنازل شرطًا للاستهداف؛ بل حيث ما وُجد فلسطيني في أي بقعة من القطاع تتحرك شهية الاحتلال لقصفه بما يملك من آلات الفتك والدمار؛ فجُل السكان تركوا منازلهم بأوامر الاحتلال إلى مراكز الإيواء التي يزعم أنها آمنة، لكن الأمن سرعان ما يتحول إلى حالة من الهلع وسط القنابل الملقاة والأشلاء المتناثرة.
تهجير سكان غزة كان هدفًا استراتيجيًّا للاحتلال منذ بداية الحرب، لكن الطريق إلى تحقيقه كان لا بُد أن يكون محفوفًا بجثامين النساء والأطفال حتى لا يكون لهم خيار آخر، فلم تُعجب الاحتلال مشاهد بقاء النازحين داخل حيز القطاع، فأمعن تدميرًا وقصفًا لكل مكان ينزحون إليه، حتى بلغ عدد المراكز المستهدفة 183، من بينها 162 مدرسة مأهولة بالنازحين، شاملة مدارس حكومية وأخرى تعود لوكالة “أونروا” التابعة للأمم المتحدة.
ومنذ بداية الشهر الجاري قصفت قوات الاحتلال 12 مدرسة وارتكبت مجازر فيها راح ضحيتها 178 شهيدًا ومئات الجرحى؛ بينما تجاوز عدد الشهداء الذين ارتقوا داخل المدارس منذ بدء الحرب أكثر من 1190 شهيدًا.
سرعان ما يبادر الاحتلال عقب كل جريمة يرتكبها إلى الزعم بوجود “مسلحين” في موضع الاستهداف، في حين لم يستطع إثبات ذلك في أي مرة يرتكب فيها مذبحة ضد المدنيين العُزّل، بل يكتفي بإصدار البيانات لتبرير جريمته وتسويق روايته، بينما تنفي كل كتائب المقاومة وجود أي من مسلحيها بين المدنيين، ويعضد ذلك النفي شهادات النازحين أنفسهم، الذين يؤكدون خلوّ أماكن نزوحهم من المقاومين بل ومن أي سلاح، لا سيما وأن كثرة المستهدفين من النساء والأطفال.
من جهته أبدى سامي أبو زهري، رئيس الدائرة السياسية لحركة حماس في الخارج، سخريته من بيان جيش الاحتلال الذي زعم وجود 19 مسلحًا بين النازحين في مدرسة التابعين، قائلاً: “إذا كانت الصواريخ ذكية فقد قتلت 100 فكيف إن لم تكن ذكية؟ كم كان سيُقتل؟ هذه أسطوانة وتبرير جاهز دائمًا لدى الاحتلال، بأن هناك مقاتلين من حماس موجودين في المكان الذي قصفوه، هذه أكاذيب يستخدمها الاحتلال بشكل دائم”.
وأضاف أبو زهري في حديث لشبكة الجزيرة: “إذا كان هناك مقاتلون، فأين هو السلاح؟ ومَن هم هؤلاء المقاتلون الذين يتحدث عنهم؟ وإذا كان هناك مقاتلون، فهل الـ 100 الذين استشهدوا مقاتلون؟ هل الأطفال والنساء مقاتلون؟ أي قانون دولي يسمح لهذا الاحتلال بقتل هذا العدد؟”.
وأكد القيادي في حماس أن الاحتلال يستخدم مجزرة جديدة لـ”شطب وقتل أكبر قدر من شعبنا الفلسطيني، والضغط على البقية بهدف التهجير القسري لقتل القضية الفلسطينية.
ولم تكن المستشفيات في قطاع غزة أكثر أمنًا من غيرها، فهي إلى جانب كونها خدمة صحية، فإنها تاوي المئات من النازحين منذ بداية الحرب، ولذلك قام الاحتلال باستهدافها وأخرجها كلها من الخدمة، ولاحقا عاد عدد منها (4) للعمل الجزئي؛ حيث استهدف 36 مستشفى وقرابة 160 مركزًا للرعاية الصحية، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
وأبرز جرائم الاحتلال في استهداف المستشفيات تمثلت في قصف المستشفى المعمداني في شهر نوفمبر الماضي، ما أدى لاستشهاد نحو 500 مواطن وإصابة مئات آخرين، وحاول الاحتلال في البداية نفي مسؤوليته عن الجريمة وإلصاقها بالمقاومة، إلا أن روايته تم تكذيبها من كافة الجهات، ما اضطره للاعتراف بها لاحقًا، وكذلك استهدف مستشفى الشفاء مرتين، وتم مداهمتها وإخراجها من الخدمة واعتقال طاقمها الطبي، وكل ذلك تحت مزاعم وجود مسلحين داخل هذه المستشفيات.
تفنيد أكاذيب الاحتلال لا يحتاج إلى جهد أو شهود، بل يكفي متابعة كافة جرائمه ليتبين أن روايته ما هي إلى محاولة فاشلة لتبييض يديه الملطختين بدماء الأبرياء، وأكبر مثال على ذلك استمراره في سياسة التجويع ضد المدنيين، والتي لم يُتعب نفسه في تبريرها، بل يتباهى بذلك دائمًا منذ بداية الحرب؛ حيث يمنع دخول المساعدات الغذائية والطبية ويدمر محطات المياه والكهرباء ما يجعل الحياة في قطاع غزة، لا سيما في الشمال، شبه مستحيلة.
فتصريح وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش بأن “تجويع مليوني فلسطيني حتى الموت في غزة عادل وأخلاقي”، يؤكد أن نهج القتل والتدمير وكافة سبل التنكيل بالفلسطينيين لا يتوقف على وجود مقاومين، بل هو سياسة معتمدة من رأس الكيان الصهيوني مدعومًا من الصهيونية الدينية التي تدعو دائمًا إلى قتل الأطفال وتجويع الأهالي.
“}]]