كان خان يونس محطة تجارية تصل بين صحراء النقب وساحل البحر، وبين الشام ومصر، فيه حجرات للمبيت وحظائر للدواب وبئر ماء وساقية للسبيل وحانوت كبير “سوبر ماركت” لشراء الزاد وأدوات الرحلة، وكان حصناً آمناً لا يستطيعه اللصوص والأوغاد وقطاع الطرق؛ وفيه حامية فرسان كبيرة من 40-100 فارس، وأربعة أبراج مطلّة، ومنصات إطلاق سهام ومدافع، ومسجد له مئذنة في أعلى البرج.
في عام 789هـ/1387م أقام الأمير المملوكي يونس النوروزي هذا الخان على شكل قلعة حصينة وحوّله إلى مجمع حكومي كامل السيادة فيه قاعات اجتماع وغرف إدارية، وجعل المنطقة حوله جاذبة للمزيد من الاستقرار.
رقّاه السلطان الظاهر برقوق أول ملوك المماليك الشركسية إلى رتبة دوادار، وتعني ممسك الدَّوَاة، وهذا يعني أنّ الأمير يونس أصبح بمثابة الكاتب الأول في الدولة، المسؤول عن المراسلات السلطانية في ديوان الإنشاء، وهي رتبة عالية من رتب وظائف الدولة، وكان اهتمامه بخان يونس يعني اهتمام الدولة كلها، ولهذا فإن خان يونس تبقى منه قلعة تسمى اليوم قلعة برقوق ما تزال شاهدة.
لم تكن عناية المماليك بهذه المنطقة غريبة، فقد تعاقبت جميع حكومات مصر في كل عصور التاريخ على تأمين الشريط الجنوبي من ساحل فلسطين لأنه المدخل الطبيعي لأيّ عدوان يأتي من الشرق، ولأنه صمام الأمان لمصر.
موقع هذا الخان كان نعمة على أهله كموقع المدينة الأكبر إلى شماله “غزة”، ولكنه في مواسم كثيرة كان مفتاح الحرب عليها على طول خط النعمة بين الهلال الخصيب ووادي النيل، وهاك عشرات العناوين الكبيرة التي تروى في الحقب الصليبية والأيوبية والمملوكية والعثمانية وحملة نابليون… في تلك المنطقة العصيّة على غير أهلها.
أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 كان قطاع غزة تحت الإدارة المصرية، وكان للجيش المصري لواءان في الشمال وآخر في الجنوب وتحديدا في خان يونس “اللواء 86 الفلسطيني”، وبعد أن قام الجيش المصري بالانسحاب من سيناء تكتيكياً عُزل القطاع فانقضّ العدو على الخان، واستسلم الحاكم الإداريّ لكن اللواء 86 رفض الاستسلام حتى آخر طلقة، وتكبّد العدو خسائر كبيرة لكنه عبَر بدباباته وسط مواجهة عنيفة وحرب شوارع، وارتكب العدوّ مجزرة انتقامية هائلة بالمئات، وكان أكثر القتل في المستشفيات وبالطائرات وبتصفيات مباشرة.
في حرب عام 1967 قصف العدوّ الخان بشراسة بالغة، وارتكب مجزرة بالآلاف، وقصف مستشفى ناصر الحكومي، ودمر غرفة العمليات وعنابر المرضى وقتل أكثر من 100 مريض وطبيب وممرض داخله.
أدخل العدوّ وادي السلقة في شمال الخان ضمن مخططات مشروع البحر الميت – البحر المتوسط عندما كان يسيطر على القطاع في الثمانينات، ولكنه فشل في إخضاع المنطقة وأهلها لمشروعه.
في أواخر الثمانينات كلف العدوّ 4 فرق عسكرية مرابطة في الإستاد وأرض الأغا شرقاً وفي الغرب والشمال الغربي لمواجهة غضبات أهل خان يونس وطلعاتهم.
سكان منطقة الخان من العائلات العربية القديمة من جذام وطيء والأزد وقبائل يمانية وعشائر كردية وتركمانية وشركسية…، ثم انضم إلى هذه العائلات آلاف العائلات اللاجئة والنازحة من أراضيها عام 1948، ويمتازون جميعاً بأنهم كآبائهم “كانت لهم آثار في الفرنجة الصليبيين مشهودة، وكانوا يوصلون بريد الحرب ويجهّزون عدّتها، ولاسيما من الخيل والسلاح”.