حماس في ضيافة أردوغان.. ودائرة التصعيد في المنطقة تتّسع

[[{“value”:”

استقبل الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان (20 أبريل/نيسان الجاري) وفدًا قياديًا من حركة حماس، بقيادة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، في إسطنبول بعد أيام فقط من زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان للدوحة والتقائه بوزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وإسماعيل هنية، في وقت أعلن فيه الرئيس التركي (17 الشهر الجاري) أن “حركة حماس تقوم بالضبط بما كانت تقوم به القوات الوطنية في تركيا خلال حرب الاستقلال”، مضيفًا: “بالطبع، نحن ندرك أن قول هذا له ثمن.. وحتى لو بقي طيّب أردوغان وحده، سأبقى مدافعًا عن فلسطين، وأنقل صوت الشعب الفلسطيني ما بقيت حيًا”.

هذا اللقاء هو الأوّل من نوعه بعد معركة “طوفان الأقصى”، وبعد مضي أكثر من ستة أشهر من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وبعد غياب ملحوظ للدور التركي في الأزمة القائمة باستثناء موقف مهم وَصَف فيه الرئيس التركي حماس، في بداية المعركة، بأنّها حركة تحرّر وطني، مع إرسال المساعدات الإنسانية إلى مصر، لتنتظر كما العديد من المساعدات، الإذنَ والموافقة الإسرائيلية للدخول بعد التفتيش والتدقيق الأمني، في وقت كان يُعتقد بأن سقف القيادة التركية والرئيس أردوغان سيكون أعلى مما كان بكثير، لا سيّما مع استمرار المجازر والإبادة الجماعية بشكل متوحّش في قطاع غزة.

خلفيات الموقف التركي
يُطرح السؤال الآن؛ ما هي خلفيات التغيّر في الموقف التركي خطابيًا؟ وهل التقدّم في الموقف التركي يمكن أن يحمل معه تغيّرًا جوهريًا لصالح الفلسطينيين ولقطاع غزة أم أنها مجرد علاقات عامة؟

بالنظر إلى مجريات الأحداث خلال الستة أشهر الماضية، يمكن ملاحظة العديد من التطورات التي شكّلت دافعًا للموقف التركي “الجديد” ولحراكه المستفِز للجانب الإسرائيلي، حيث وصف وزير خارجية الاحتلال كاتس لقاء أردوغان بهنية بأنه “عار” على أردوغان، ومن هذه المتغيرات ما يلي:

أولًا: صمود الشعب الفلسطيني، وقدرة المقاومة على إفشال كافة أهداف الاحتلال، أدّيا إلى تغيّرٍ ما في نظرة العديد من الدول تجاه قدرة حركة حماس والمقاومة الفلسطينية على البقاء رقمًا صعبًا في المعادلة السياسية والقضية الفلسطينية، حيث كان تقدير العديد من القوى والدول، مع بداية معركة “طوفان الأقصى”، أن حماس علّقت حبل مشنقتها بيدها، بعد أن أعلنت إسرائيل الحرب عليها بدعم أميركي وغربي مطلق ومفتوح عسكريًا وأمنيًا وسياسيًا وإعلاميًا، على قاعدة السؤال البَدَهِي؛ من له القدرة على مجابهة إسرائيل في المنطقة، حتى يستطيع أن يصمد أمام قوّة المنظومة الغربية مجتمعة بقيادة واشنطن؟!

لكن ثبات الشعب الفلسطيني والمقاومة وحركة حماس وكتائب القسام في الميدان ولأكثر من ستة أشهر، غيّر المعادلة وقلب معايير ومحددات مواقف الدول، التي باتت تسلّم بفكرة بقاء حماس، وعدم قدرة إسرائيل على شطبها أو إلغائها، وهو ما ذهبت إليه تقديرات أجهزة الاستخبارات الأميركية، والعديد من صانعي السياسة الدولية، بل إن المعارك في غزّة ثبّتت حركة حماس والمقاومة عنوانًا للنضال الفلسطيني، ولمسيرة التحرّر الوطني، وحوّلتها إلى أيقونة وطنية ورمزٍ للحرية في نظر الشعب الفلسطيني، وعموم الشعوب العربية والإسلامية، وحتى في نظر العديد من شعوب العالم.

ثانيًا: نتائج الانتخابات البلدية في تركيا كان لها أثر كبير أيضًا على مستجدات الموقف الرسمي في أنقرة، فقد اعترف الرئيس أردوغان في أول لقاء له مع قيادة حزب العدالة والتنمية بُعيد هزيمة الحزب في الانتخابات البلدية، أن الشعب التركي لم يكن راضيًا عن دور الحكومة وموقفها من الأحداث في غزة، وما قدّمته للشعب الفلسطيني من مساعدات، في إشارة إلى أن الشعب التركي عاقب الحزب بالتصويت لخصمه حزب الشعب الجمهوري والأحزاب الأخرى؛ كحزب الرفاه الجديد، مؤكّدًا الرئيس أردوغان ضرورةَ تغيير الحزب سياساتِه تماهيًا مع رغبات الشعب حتى لا يفقد الحزب شعبيته ويذوب في قادم الأيام، وهو ما يفسّر جزءًا من خلفيات التحرك نحو حركة حماس التي تحظى بتأييد شرائح مُعتبرة في الشعب التركي، الذي تربطه بالقدس علاقة خاصة، ويرى في القدس أحد أهم عناوين المعركة الجارية بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي.

ثالثًا: الرد الإيراني على قصف القنصلية في دمشق والخشية من الحرب الإقليمية الموسّعة وتداعياتها؛ فدخول طهران على خط المواجهة بشكل مباشر وعبر أراضيها وبضربة صاروخية كبيرة ونوعية؛ ردًا على اعتداء الاحتلال على قنصليتها في دمشق، كاد أن يدفع بالإقليم إلى حرب واسعة، دفعت واشنطن للتدخل المباشر لمنع تل أبيب من الرد الكبير المُستفِز لطهران؛ خشية جرّها والمنطقة إلى حرب ستكون لها تداعيات هائلة على المنطقة والعالم أمنيًا واقتصاديًا، لا سيّما أنّ واشنطن حريصة على إبقاء بوصلتها الإستراتيجية نحو مواجهة الصعود الصيني، والتقدم الروسي في أوكرانيا وشرق أوروبا.

أدركت أنقرة أن الوقوف بعيدًا عن مجريات الحدث لن ينقذها من تداعياته، فهي تقع في قلب الجغرافيا السياسية المتوتّرة بمجاورتها إيران، والعراق، وسوريا، ومشاطأتها فلسطين ولبنان عبر شرق المتوسّط الذي ستتحول مياهه إلى نار تحرق الأخضر واليابس إن وقعت الحرب، هذا ناهيك عن تضرر مصالح تركيا الاقتصادية في المنطقة ومع دول الشرق الأوسط، بالإضافة لما يمكن أن تواجهه من ارتدادات أمنية وعسكرية إن توسّعت دائرة النار والاشتباك، وتدخّلت العديد من الدول الأوروبية والشرق أوسطية في الصراع بشكل مباشر.

هذا الواقع دفع أنقرة والرئيس أردوغان بعد 72 ساعة من الرد الإيراني على تل أبيب، إلى الخروج بموقف جديد منحاز إلى الشعب الفلسطيني ولحركة حماس، واستقبال قيادتها في إسطنبول في رسالة مزدوجة تعني؛ وقوف تركيا مع فلسطين عند الضرورة، وتطلعها في ذات الوقت وقبل فوات الأوان، للعب دور سياسي يمكن أن يساعد في لجم التصعيد الذي يهدّد أمن المنطقة، لا سيّما أن الرئيس أردوغان يتحضّر لزيارة واشنطن ولقاء الرئيس الأميركي جو بايدن الشهر المقبل، ما يُتيح الفرصة للضغط من أجل وقف العدوان على غزة، والبحث في الأفق السياسيّ.

حماس تأمل
تنظر حركة حماس بإيجابية إلى الموقف التركي الذي ترى فيه انحيازًا إيجابيًا لتطلعات الشعب الفلسطيني وحقه في الحرية والاستقلال، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، كما ترى فيه حالة خاصة بتشبيه أردوغان حركة حماس بالقوى الوطنية التركية التي أخذت على عاتقها الدفاع عن الأناضول، وسعت لتحرير أراضيها من الاستعمار، وإقامة الدولة التركية بعد الحرب العالمية.

تعتقد حماس أن أنقرة بوزنها السياسي والاقتصادي وبعلاقاتها في الحلف الأطلسي ومع المنظومة الغربية ومع روسيا والصين، قادرة على لعب دور متقدّم وممارسة الضغط؛ لأجل وقف العدوان على غزة، ولإدخال المساعدات والإعمار..، ناهيك عن قدرتها على لعب دور إيجابي في الحالة الفلسطينية الداخلية، والدفاع عن الموقف الفلسطيني بحدّهِ الأدنى المتمثّل في إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس في الضفة والقطاع.

وهو الموقف الذي تتبناه أنقرة، ويمكن أن تبني عليه مع العديد من الدول الأوروبية القلقة من سياسات الاحتلال، وحتى مع واشنطن، رغم أن الأخيرة تستخدم فكرة الدولة الفلسطينية كإدارة للصراع وليس للحل وفق المنظور الإسرائيلي، ومع ذلك فإن هذا يشكّل فرصة لتركيا لتنشيط دبلوماسيتها، للوقوف في وجه التغوّل الإسرائيلي؛ دفاعًا عن الشعب الفلسطيني وقضيته، وعن المقاومة وحركة حماس بصفتها حركة تحرر وطني وليست “داعش” أو حركة “إرهابية”، كما تهدف إسرائيل وتروّج، وهذا يساعد بخلق توازن مهم في المشهد ويعزّز الرواية الفلسطينية.

مع أن تحرك تركيا جاء متأخرًا إلا أنه لم يأتِ بعد فوات الأوان، وما زالت الفرصة سانحة لاستثمار قدراتها وقوّتها خدمةً لمصالحها الداخلية والخارجية عبر البوابة الفلسطينية، وخدمةً للقضية الفلسطينية عبر علاقاتها السياسية والاقتصادية الواسعة، فالصراع في المنطقة مع الاحتلال الإسرائيلي إن لم تتم معالجته بما يُنصف الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، سيبقى قائمًا ويتحرك على صفيح ساخن، ولن تنجو منه المنطقة ودولها التي باتت اليوم تستشعر خطورة المرحلة، وخطورة بقاء الاحتلال واستمرار سياساته الفاشية التي لن تقف تداعياتها عند حدود فلسطين التاريخيّة.

“}]] 

المحتوى ذو الصلة