تل السلطان.. حيٍّ راقٍ قَصَده النازحون وسَحَقهُ المحتلون

[[{“value”:”

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

إذا كنت ممن زار مخيم تل السلطان شمال غرب مدينة رفح، الواقعة جنوب قطاع غزة، فإن من الصعب عليك تصديق ما آلت إليه أوضاعه اليوم بعد قرابة العام من العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة عمومًا، وبعد زهاء 130 يومًا من الاجتياح البري الواسع لمدينة رفح الفلسطينية على وجه الخصوص؛ حيث تحوّل المخيم إلى ما يشبه مدينة أشباح، بسبب تدمير قوات الاحتلال كل معالمه واستهدافه كل ركن فيه.

يُعدّ مخيم تل السلطان من أكثر المخيمات اكتظاظًا بالسكان؛ رغم أن عمره لا يتجاوز 24 عامًا منذ إنشائه، ويحتوي على مشافٍ ومدارس ومؤسسات تابعة لوكالة أونروا، وهو من المناطق المحاذية للحدود المصرية، وهذا ما جعله موضع استهداف من قبل قوات الاحتلال، التي تعتبر معبر رفح وكل الخطوط المحاذية لمصر، سببًا مباشرًا لهزيمتها في السابع من أكتوبر الماضي، وفقًا للمزاعم الإسرائيلية.

مع بدايات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عقب السابع من أكتوبر الماضي، كان الاستهداف المباشر على مدينة غزة والشمال، وبعض المدن الوسطى؛ حيث كثّف الاحتلال قصفه على المناطق المحاذية لغلاف غزة التي وقعت فيها أحداث طوفان الأقصى، وترتّب على ذلك بدء نزوح سكان الشمال والوسط إلى جنوب قطاع غزة في مدينتي خانيونس ورفح، واستمرت طائرات الاحتلال بإلقاء المنشورات التحذيرية للسكان بأن يتركوا منازلهم متوجهين نحو ما أسموها “مناطق آمنة”، وكان من بينها مخيمات مدينة رفح التي منها مخيم تل السلطان.

شهد مخيم تل السلطان -الذي كان يُعدّ أرقى أحياء مدينة رفح- اكتظاظًا كبيرًا نتيجة نزوح الآلاف من سكان المناطق المستهدفة إليه؛ حيث امتلأت شوارعه بالخيام، وازدحمت أسواقه بالباعة، لكنه مع ذلك لم يكن آمنًا بشكلٍ كامل؛ حيث ارتكب فيه جيش الاحتلال عدة مجازر في الشهور الأولى للحرب، لكنه مع ذلك كان أكثر أمانًا من مناطق الشمال.

ومع دخول العدوان شهره السابع، نفذ جيش الاحتلال مخطط اقتحام مدينة رفح التي كان يقطنها في ذلك الوقت أكثر من مليون ومائتي ألف مواطن، أكثرهم من النازحين؛ حيث بدأ الجيش بالدخول التدريجي إلى المدينة في السادس من شهر مايو/أيار، ليبدأ فصل دموي جديد من فصول معاناة سكان قطاع غزة.

مجازر عديدة شهدتها مدينة رفح ومخيماتها، والتي من بينها مخيم تل السلطان، وذلك منذ الاجتياح البري للمدينة، وكان من أكثرها بشاعة المجزرة التي وقعت في الـ 27 من أيار/مايو؛ فيما عُرفت بمحرقة الخيام؛ حيث أودت بحياة العشرات حرقًا وإصابة المئات، نتيجة الغارة الإسرائيلية التي وقعت في “مخيم السلام الكويتي” الواقع في حي تل السلطان، ما أدى إلى تحويل الخيام والملاجئ إلى رماد.

النيران الإسرائيلية تحرق خيام النازحين في رفح مودية بحياة العشرات بينهم أطفال ونساء #الشرق #الشرق_للأخبار pic.twitter.com/X8M1pJfNRr

— Asharq News الشرق للأخبار (@AsharqNews) May 27, 2024

توالت الاستهدافات الإسرائيلية على حي تل السلطان شاملة كافة المرافق من مياه وكهرباء ومشاف ومدارس، حتى بلغ حجم الدمار في البنى التحتية ما يزيد عن 90% منها، وبدأ النازحون -بل والسكان الأصليون- في النزوح من الحي إلى وسط القطاع وشماله وبعض مناطق الجنوب في مدينة خانيونس.

وازداد المشهد قتامة بالسيطرة الإسرائيلية الكاملة على محور فيلادلفيا وتدمير معبر رفح البري، والذي كان يشهد متنفسًا لسكان القطاع كاملا لا سيَما المناطق المحاذية له في مدينة رفح وحي تل السلطان، وانعدمت هالك عبارة “المناطق الآمنة”، حتى المدارس والمشافي التي يؤوي إليها من لا خيام لهم، صارت من أولويات الاستهداف الإسرائيلي بشكل مستمر.

🔻 تدمير أحد المدارس في حي تل السلطان في #رفح pic.twitter.com/iUnBwVn66Y

— المرصد العسكري ⧨ (@Military_OSTX) September 1, 2024

ووفقاً للقاعدة 35 من القانون الدولي الإنساني، المتعلقة بمناطق المستشفيات والسلامة والمناطق المحايدة، فإنه يحظر توجيه هجوم ضد منطقة أنشئت لإيواء الجرحى والمرضى والمدنيين من آثار الأعمال العدائية.

وتنص اتفاقيتا جنيف الأولى والرابعة على إمكانية إنشاء مناطق الاستشفاء والسلامة، بالإضافة إلى ذلك، تنص اتفاقية جنيف الرابعة على إمكانية إنشاء مناطق محيّدة، يهدف كلا النوعين من المناطق إلى إيواء الجرحى والمرضى والمدنيين من آثار النزاع.

ويحكم القانون الدولي الإنساني سير الأعمال العدائية، ومهما كانت شرعية قرار استخدام القوة، يجب على جميع الأطراف الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، حسب ما ورد في تقرير لمنظمة “هيومان رايتس واتش”.

من جانبه، قال تريستينو مارينييلو، المحامي في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، إن الهجوم على المنطقة الآمنة يظهر أن إسرائيل لا تزال تتجاهل محكمة العدل الدولية، مضيفًا: “إن هذه الصور المروعة التي تصل من رفح تظهر أن السلطات الإسرائيلية تتجاهل تمامًا التدابير المؤقتة الملزمة التي أصدرتها محكمة العدل الدولية”، حسب ما ورد في تقرير لموقع الجزيرة الإنجليزية.

وقال كريس جونيس، المتحدث السابق باسم الأونروا، إن القضاة الثلاثة في الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية “مرعوبون مثل بقية العالم” بشأن الهجوم الإسرائيلي على رفح. “لا يوجد استثناء لاتفاقية الإبادة الجماعية. لا توجد أعذار”. وقال إن هذه جريمة من الجرائم.

“غارات مكثفة على تل السلطان غربي مدينة #رفح جنوب قطاع #غزة

آخر المعطيات الميدانية مع مراسل #الميادين أحمد غانم👇 #فلسطين #طوفان_الأقصى pic.twitter.com/njNLznjvDI

— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) September 12, 2024

وقال دانييل ماتشوفر، المحامي الدولي، إن المحكمة الجنائية الدولية يجب أن تصدر المزيد من مذكرات الاعتقال في أعقاب هجوم تل السلطان.

وكتب على موقع X: “هناك حاجة عاجلة إلى تقديم طلبات إضافية إلى غرفة المحكمة الجنائية الدولية من قبل المدعي العام كريم خان لإصدار أوامر اعتقال بحق سلسلة القيادة الإسرائيلية بشأن هذه الجرائم الدولية الموثقة جيداً”.

وقالت فرانشيسكا ألبانيز، المحامية الدولية والمقررة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إن القصف الإسرائيلي كان “تحديًا صارخًا للقانون والنظام الدوليين”.

وكتبت على موقع X: “لن تنتهي الإبادة الجماعية في غزة بسهولة دون ضغوط خارجية: يجب على إسرائيل أن تواجه العقوبات والعدالة وتعليق الاتفاقيات والتجارة والشراكة والاستثمارات، فضلاً عن المشاركة في المنتديات الدولية”.

ورغم تلك الإدانات الدولية والأحكام القضائية، واصل جيش الاحتلال استمرار عدوانه على السكان المدنيين والأحياء السكنية، مخلّفًا دمارًا هائلاً في حي تل السلطان إلى أن حوّله أثرًا بعد عين ولم تعد الحياة فيه ممكنة؛ حيث تم مسحٌ شامل لمعظم المربعات السكنية فيه.

“}]] 

المحتوى ذو الصلة