تسريبات خطيرة نشرتها صحيفة “هآرتس” العبرية؛ بأن مروحية مقاتلة تابعة لجيش الاحتلال هي القاتلة (قصفًا من الجو)، لـ 364 مستوطنًا من “الحاضرين” الحفلَ الموسيقي (4400 شخص)، المُقام بالقرب من مستوطنة “ريعيم” في الأراضي المحتلة بغلاف غزة، أثناء عملية “طوفان الأقصى” (7 أكتوبر/ تشرين الأول). “هآرتس”، استندت إلى “تحقيقات أولية” لشرطة الكيان الصهيوني، أفادت بإقلاع الطائرة من قاعدة “رامات دافيد”، وقصفت المستوطنين، والمقاتلين معًا، بقنابل حارقة لا تتوفر لـ “حركة حماس”، وبما يفسّر وجود 200 جثة متفحمة لمقاتليها في المكان. تتوافق هذه التسريبات لتحقيقات الشرطة، مع “المشاهد” التي انتشرت لمئات السيارات المتفحمة في شوارع مستوطنة “ريعيم”، والطرق المرتبطة بها، وتشي بأنها نتاج قصف جوي حارق؛ بما ينسف الرواية التي روجها الكيان الصهيوني عن استهداف حماس روادَ الحفل (المدنيين)، وقطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء.
قتل المستوطنين بنيران الطيران الحربي.. لماذا؟
هل قتْل المستوطنين جرى عمدًا.. أم على سبيل الخطأ، حسب إفادة “هآرتس”، نقلًا عن التحقيقات الشرطية الأولية؟. وإذا كانت هذه المجزرة للمستوطنين بالخطأ فعلًا.. فلماذا وقع الطيران الحربي للكيان في هذا الخلل الكبير، وقتل مستوطنيه بـ “نيران صديقة”؟. ربما تكون إغارة الطيران الحربي على رواد الحفل الموسيقي، نتيجة طبيعية للصدمة التي ضربت جيش الاحتلال، والرعب الذي طال أفراده يوم “الطوفان”، فكان القصف هستيريًا، عشوائيًا، ومن ثَم أسفر عن هذه المجزرة للمستوطنين- وربما يكون معهم إسرائيليون آخرون- بطريق الخطأ (كما أفادت الشرطة). احتمال آخر، بتعمُد القصف؛ تفعيلًا، ونفاذًا لقاعدة معمول بها في جيش الكيان الصهيوني، بقتل الأسرى مع آسريهم، كلما كان ذلك مُتاحًا.. يؤكد هذا، فظاعة القصف الجوي الغاشم الذي مارسه جيش الاحتلال، ضد قطاع غزة؛ رغم خطورته على أسراه العسكريين، والمحتجزين لدى المقاومة. يُرَجِح هذا الاحتمال مُجَددًا، زلة لسان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، مع بداية قصف غزة، بإمكانية احتساب “المحتجزين والأسرى” ضمن الضحايا.. لتتكثف عليه لاحقًا، ضغوط عائلاتهم والشارع الإسرائيلي، والإدارة الأميركية، ودول المحتجزين الأجانب، ليناور، ويضمّ “تحرير الأسرى”، إلى أهداف العدوان على القطاع.
مقبرة هرتزل العسكرية.. وقتلى الاحتلال في معارك غزة
ثمة تسريب آخر، سابق لما نشرته “هآرتس” عن القصف الجوي للمستوطنين.. حيث كشف مدير “مقبرة جبل هرتزل” العسكرية ديفيد أورن باروخ، في مقطع فيديو (السبت)، عن استقبال المقبرة جنازة أو اثنتَين كل ساعة من قتلى الجيش في معارك غزة، ودفن جثث 50 جنديًا خلال الـ 48 ساعة السابقة لبث الفيديو، بما يعني اعترافًا بفداحة الخسائر البشرية لجيش الاحتلال في معركة غزة. هل نشر هذه التسريبات عن استهداف المستوطنين بالطيران، وجنائز قتلى الجيش في غزة.. مقصود ومُغرض.. أم أنه مُجرد تداول للمعلومات؟ المجتمع الإسرائيلي يتمتع بقدر كبير من حرية التعبير، والصحافة.. بَيدَ أنّ هذه الحرية غير مطلقة في حالات الحروب، ومنها هذا العدوان على غزة الذي يسميه الكيان الصهيوني “حربًا”. هنا، تبسط الرقابة العسكرية بجيش الاحتلال، هيمنتها، وتفرض قيودًا على كل “وسائل الإعلام”، وهذه الأخيرة تلتزم (قانونًا)، بهذه القيود، ولا تملك منها فكاكًا. لذا، فمن الطبيعي للرقابة العسكرية بجيش الاحتلال، أن تكون قد وافقت على تمرير ونشر هذه المعلومات عن قتل المستوطنين، وجنائز قتلى الجيش.
تهيئة الشارع الإسرائيلي للأسوأ القادم.. ومستنقع غزة
نأتي للسؤال: لماذا.. وما الهدف من تسريب هذه المعلومات، التي تُلحق ضررًا بسمعة جيش الاحتلال في نظر مواطنيه؟ هذه “التسريبات”، ذات “هدف مزدوج”؛ فهي دالة على رغبة في تهيئة الشارع الإسرائيلي للأسوأ القادم، بعد سقوط “جيش الاحتلال” في مستنقع غزة، مراوحًا مكانه، تقدُمًا وتراجعًا في مناطق محدودة، ورخوة، بعد 45 يومًا من الإبادة لغزة بشرًا وحجرًا، دون انتصار يُذكر. من هذه الزاوية، فقد يكون “نتنياهو”، وراء التسريبات لتعليق مسؤولية الهزيمة المتوقعة في غزة- إلى جانب قتل المستوطنين- برقبة قادة الجيش؛ تحسبًا للمُساءلة المُنتظرة لاحقًا، عن الفشل الاستخباري والعسكري في عملية “طوفان الأقصى”، وما بعدها.
بيانات “أبو عبيدة”.. وأوهام نتنياهو وأسلافه شارون ورابين
وَفقًا لمشاهد جرى بثها صورًا ومقاطع للفيديو، وبيانات الناطق العسكري لكتائب القسام الحمساوية “أبو عبيدة”، والفصائل الأخرى، وقراءة خبراء عسكريين لمعارك غزة، فالمرجح تدمير المقاومة قرابة 300 آلية مدرعة: (دبابات، وعربات نقل جنود، وجرافات)، بما مفاده سقوط نحو 900 ضابط وجندي إسرائيلي، ما بين قتيل وجريح. هذه الخسائر الكبيرة في صفوف وعتاد “جيش الاحتلال”- مع فشله بعد 24 يومًا من التوغل البري، في إنجاز “الأهداف” بعيدة المنال، التي روجها “نتنياهو”، بمحو حماس وتحرير الأسرى بالقوة- جعلته عالقًا أعلى الشجرة. من هنا، وبالعودة لـ “التسريبات”، فإن نتنياهو ربما أراد بها، درجًا أو سُلمًا للنزول من فوق الشجرة التي صعد إليها متغطرسًا، متوهمًا الإتيان بما لم يقدر عليه أسلافه الأوائل، أمثال: أرييل شارون، و”إسحاق رابين” الذي تمنّى لو استيقظ يومًا ووجد “غزة” وقد ابتلعها البحر، وغيرهما، ممن هزمتهم هذه البقعة المقاومة.
مسلك جبان لا تعرفه الجيوش
نتنياهو”، الذي أرغى وأزبد، ها هو، وحكومته يوافقون- حسب ما أفادت هيئة البث الإسرائيلية مساء أمس (الإثنين)- على صفقة محدودة لتبادل بعض الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، بعدد من المحتجزين المدنيين لدى حماس. إتمام هذه الصفقة- إن عاجلًا أو آجلًا- يعني عمليًا هزيمة نتنياهو، و”جيش الاحتلال” المُزود بأحدث منتجات التكنولوجيا والأسلحة الأميركية، والدعم السياسي والمادي الغربي. قتل المدنيين، والمرضى في المشافي والنازحين، ليس من البطولة ولا أعمال الحرب في شيء.. بل، هو مسلك جبان، خسيس لا تعرفه الجيوش، تمارسه العصابات الهمجية والمتوحشة، فيما قبل المدنية والتحضر.