غزة / PNN – في إطار ما يُسمّى “خطة الجنرالات” الرامية لإخلاء شمال قطاع غزة من سكّانه، صعّد الجيش الإسرائيلي خلال عمليته العسكرية المتواصلة على محافظة الشمال منذ 23 يوما، من الاستهداف المتعمّد لمراكز الإيواء والمستشفيات، والمقرات الخدماتية.
تنوع هذا الاستهداف بين “القصف المباشر وإطلاق النيران في محيط تلك الأماكن، أو حصارها بالنيران عبر طائرات “كواد كابتر” مسيّرة، أو بالآليات العسكرية والجنود، ومنع دخول إمدادات الطعام والمياه والأدوية إليهم، وصولا إلى اقتحامها واحتجاز واعتقال من بداخلها، وقتل بعضهم والتنكيل بآخرين”، بحسب ما يؤكد المواطنون في القطاع.
يأتي ذلك في إطار مساعي الجيش الإسرائيلي، لإفراغ محافظة الشمال من سكانها، الذين رفضوا الاستجابة لإنذارات الإخلاء، عبر إعدام فرص الحياة، وتدمير البنى التحتية، ووقف تقديم الخدمات الإنسانية فيها.
ومنذ 5 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بدأ الجيش الإسرائيلي بإرسال إنذارات متكررة لأهالي المحافظة بالنزوح إلى المناطق الجنوبية، وذلك عبر بيانات أو برمي مناشير ورقية أو عبر طائرات “كواد كابتر”، حيث رفض الآلاف الاستجابة.
ومنذ ذلك الوقت، يتعمد الجيش الإسرائيلي استهداف العشرات من مراكز الإيواء، ومقرات تقديم الخدمة الصحية والطبية، والتي كان أبرزها مستشفيات “كمال عدوان والإندونيسي والعودة”.
وأما مراكز الإيواء المستهدفة، فيقع أبرزها في مناطق “بلدتي بيت حانون وبيت لاهيا ومشروعها، ومخيم جباليا والنزلة والفالوجا وحي الصفطاوي والتوبة.
وكانت إسرائيل قد بدأت في الخامس من الشهر الجاري، عمليات قصف غير مسبوق لمخيم وبلدة جباليا، ومناطق واسعة شمالي القطاع، قبل أن يعلن جيش الاحتلال في اليوم التالي، بدء اجتياحه لها بذريعة “منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة”، بينما يؤكد الأهالي في القطاع، أن إسرائيل ترغب في احتلال المنطقة، وتهجير سكانها، لتنفيذ ما بات يُعرف باسم “خطة الجنرالات”.
وتهدف “خطة الجنرالات” إلى “تحويل كامل المنطقة الواقعة شمال ممر ’نتساريم’ (أنشأته إسرائيل وسط القطاع)، أي محافظتي غزة والشمال، لمنطقة عسكرية مغلقة. وأعد الخطة عسكريون إسرائيليون سابقون، وتقضي بـ”إجلاء السكان خلال أسابيع قليلة، وفرض حصار على المنطقة، لدفع المسلحين بمدينة غزة للاستسلام أو الموت”، وفق ما أفادت تقارير إسرائيلية.
وتشمل تفاصيل الخطة، بحسب التقارير، إحكام “الحصار على شمال قطاع غزة، وقطع المساعدات الإنسانية عن مئات الآلاف من الفلسطينيين داخله، ومنعهم من الحصول على الطعام والشراب، واعتبار من سيبقى داخله مقاتلين، ما يعني إمكانية استهدافهم وقتلهم بعد إعلان المنطقة عسكرية مغلقة’”.
في إطار سعيه لتعطيل المنظومة الخدماتية والصحية، اقتحم الجيش الإسرائيلي، صباح الجمعة، مستشفى “كمال عدوان” الذي كان يضم نحو 600 شخص بين مريض وجريح، ومرافقيهم وطواقم طبية، وفق ما أوردته وزارة الصحة في غزة.
ويعد مستشفى “كمال عدوان”، المقر الوحيد الذي واصل تقديم الخدمة الصحية بحدها الأدنى لأهالي محافظة الشمال، بعدما أخرج الجيش الإسرائيلي خلال عمليته العسكرية مستشفيي “الإندونيسي” و”العودة” عن الخدمة، إثر فرض حصار مشدد عليهما.
وبعد استهداف وحصار، اقتحم الجيش الإسرائيلي، فجر الجمعة، بآلياته العسكرية ساحة المستشفى، بعد تجريف أسواره واستهداف ساحته، وأمر كل المتواجدين في مبانيه بالخروج بمن فيهم المرضى، بينما فصلت النساء عن الرجال وتم التحقيق معهم.
هذه العملية التي استمرت لمدة يومين، خلّفت شهداء ومصابين، ودمارا واسعا داخله وخارجه، حيث دمر جيش الاحتلال، خلايا الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، كما دمر المولد الرئيسي، فضلا عن تدمير 3 سيارات إسعاف وأخرى للنقل، وفي محيطه أحرق الجيش منازل وممتلكات مواطنين.
وأفادت وزارة الصحة بغزة، السبت، بأن الجيش، اعتقل الكادر الطبي داخل المستشفى من الرجال، إضافة لجرحى ومرضى كانوا يتعالجون فيه.
وبهذه العملية أخرج الجيش كافة مستشفيات محافظة الشمال عن الخدمة بشكل كامل، حيث بات مصير الجرحى والمرضى بمحافظة الشمال “النزيف والموت” دون أن يتمكنوا من تلقي أي خدمة طبية، وفق ما أفاد به مصدر طبي.
جاء ذلك بعد أيام من توقف خدمات الدفاع المدني بالمحافظة، حيث قال الناطق باسم الجهاز، محمود بصل، إنهم توقفوا عن تقديم الخدمة بشكل كامل في شمال قطاع غزة، مساء الأربعاء، بعدما اعتقل الجيش الإسرائيلي 5 عناصر وأصاب 3 آخرين.
وأضاف: “توقف الخدمة مع وجود آلاف المواطنين في الشمال ينذر بكارثة، ويعني أن المصاب برصاص إسرائيلي أو شظية ناجمة عن انفجار صاروخ، سيظل ينزف حتى يموت، لعدم وجود من ينقذه”.
وطالب بصل المجتمع الدولي بـ”تمكين طواقم الدفاع المدني والإسعاف والمستشفيات من العمل بشكل حر في شمال القطاع، لحاجة المواطنين هناك إلى هذه الخدمات”.
وكثف الجيش الإسرائيلي خلال هجومه المتواصل على الشمال من استهداف ومحاصرة مراكز الإيواء، وإجبار النازحين بداخلها على مغاردتها، والنزوح لخارج المحافظة.
وعاش النازحون بمراكز الإيواء الواقعة في محيط مستشفى “الإندونيسي” هذه التجربة، ففي ليلة 17 من الشهر الجاري، باغتت آليات إسرائيلية مراكز الإيواء في تلك المنطقة، وحاصرتها مع بزوغ الفجر ومن ثم اقتحمتها.
وأفاد شهود عيان بأن الجيش الإسرائيلي أنذرهم بإخلاء المراكز على الفور، وأجبرهم تحت تهديد السلاح على النزوح القسري، عبر ممر حدده لهم عبر شارع “صلاح الدين”، وزعم أنه آمن.
وخلال الاقتحام، اعتقل الجيش الإسرائيلي عددا من الرجال، الذين لا يزال مصير بعضهم غير معروف حتى اليوم.
وتقول ملاك المصري (26 عاما) عن تلك اللحظات: “كنا نظن أننا آمنون في تلك المراكز، لأن كل تحركات الجيش كانت بالمناطق الغربية بمخيم جباليا، ونحن نتواجد بالمناطق الشرقية الشمالية، لكن الجيش الإسرائيلي يصرّ على استهداف كل مراكز الإيواء”.
وتضيف: “الجيش يصر على استهداف المراكز حيث يضم كل واحد منها آلاف النازحين ومن السهل السيطرة عليهم، وإجبارهم على النزوح تحت تهديد النار والبارود”.
وتوضح المصري أن مركز الإيواء الذي كانت تقيم داخله “آوى نحو 2000 نازح ونازحة جميعهم مدنيين، ولم يطلق أحد على الاحتلال ولو طلقة نارية واحدة منه لتبرر استهدافه هو وغيره من مراكز الإيواء”.
وبحسب الشابة فإنها شاهدت صورا “نشرها جنود الاحتلال عبر حساباتهم الإلكترونية، تظهر إحراق تلك المدارس، وتحويلها لكتلة من لهب، والقضاء على كل ما فيها من مستلزمات وأغراض للنازحين”.
وأشارت إلى أن الجيش حينما أجبرهم على النزوح، منعهم من حمل كل أمتعتهم، “ما يدل على نيته المبيتة لارتكاب جريمة الحرق، وإعدام الحياة بمراكز الإيواء، وبخاصة في شمال قطاع غزة”.
بدوره يقول سامر أبو العيش، الذي كان نازحا في مركز إيواء مدرسة “أبو حسين” غربي مخيم جباليا بالشمال، إن “الجيش الإسرائيلي قصف المدرسة بالقذائف وأطلق عليها النار من طائراته المسيرة، أكثر من 10 مرات خلال عمليته العسكرية”.
ويتابع: “هناك عدد كبير من الضحايا بين شهداء ومصابين إثر الاستهداف الإسرائيلي وكذلك نشب أكثر من حريق في أروقة المدرسة ودمر عدد من الغرف”.
ويؤكد أن عملية إجلاء عائلته من مركز الإيواء هذا إلى “مدرسة خليفة”، في مشروع بلدة بيت لاهيا قبل عدة أيام، “صعبة جدا”.
ويضيف: “بعد يومين من وصولنا إلى هناك، قام الجيش بمحاصرة المدرسة، وأجبرنا على الهجرة منها قسريا، بعد أن اعتقل عددا من الرجال والشبان إلى مدينة غزة، عبر شارع صلاح الدين”.
ويتابع أن “سياسة الاحتلال في هذه العملية العسكرية واضحة، وهي تفريغ شمال قطاع غزة، وإعدام سبل الحياة فيه، وتدمير المشافي ومراكز الإيواء، ومنع المواطنين من العودة إلى الأماكن التي كانوا يقطنون فيها”.
ويقول عن ذلك: “تلك النوايا الإسرائيلية تتطلب تحركا دوليا سريعا، لوقف تلك الجرائم، لأن مراكز الإيواء نسمع دائما أنها محمية، وفقا للقوانين والاتفاقات الدولية، التي تحكم الحروب والصراعات”.
وقال مدير المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة إن “الجيش الإسرائيلي تعمد حرق خيام النازحين داخل مراكز الإيواء في محافظة الشمال خلال الأيام الماضية”.
ويتواصل التوغل والقصف الإسرائيلي لمختلف مناطق محافظة شمال غزة بالتزامن مع استمرار مساعي الجيش لإفراغ المنطقة من ساكنيها عبر الإخلاء والتهجير القسري.
وبدعم أميركي، تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، حرب إبادة جماعية على غزة خلّفت أكثر من 143 ألفا و500 شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت أطفالا ومسنين.
المصدر /عرب 48 + الانضول