غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
توافق اليوم الذكرى السنوية الـ 28 لاستشهاد القائد القسامي يحيى عياش المهندس الأول في كتائب الشهيد عز الدين القسام.
احتل العياش مكاناً بارزًا وأصبح ظاهرةً ورمزًا من رموز القضية وتاريخها المعاصر؛ لما بذله من جهود جبارة وما أحدثه من نقلة نوعية في عمل المقاومة الفلسطينية.
وكان العيّاش ليفخر لو كان حيًا بما أنجزه تلاميذه النجباء من بعده، فمهندسو القسّام ومطورو العمل العسكري أهدوا فلسطين منظومة صواريخ أشدها قوّة وابعدها مدى وأكثرها إيلامًا “صاروخ العيّاش” الذي يبلغ أقصى مدى له 250 كم، ووزن رأسه المتفجر 250 كغم.
ولمحاسن الأقدار تتصادف ذكراه الثامنة والعشرين، بعد يومين من استشهاد رفيق دربه صالح العاروري – رحمهما الله – وقد ترافقا في طريق ذات الشوكة لبناء قوة القسام التي هي عليها اليوم، حيث تروي زوجة أبو البراء العياش عن علاقة الراحلين الكبيرين ببعضهما وتأثيرها على العمل الجهادي في فلسطين.
واحتفى نشطاء التواصل الاجتماع ومحبو البطل القسّامي يحيى العياش في ذكراه الثامنة والعشرين مستحضرين عملياته البطولية وبصماته العظيمة في تطوير العمل العسكري في مقاومة الاحتلال حتى أصبحت بصمة العياش يرمز لها بـ “سقف الباص الطاير” لشدة العمليات التي قادها ضد الاحتلال وشراستها.
وتداول نشطاء التواصل الاجتماعي رسائل العياش لأمّه: يحيى عياش: “أمي العزيزة الغالية لم أستطع فعل شيء لأجلك، وأنت تعرفين أني أنا أيضًا في سجن، ولكنه كبير، وعزائنا الوحيد أن ما أصابنا هو في سبيل الله…”.
وأكد نشطاء التواصل أنّ بصمات العياش ما زالت ظاهرة في كل تفجير وكل صاروخ، فالرعب الذي تركه لدى الصهاينة ما زال مسموعاً في صراخ الجنود في غزة، يطاردهم كلما حاولوا الاقتراب من غزة، وكأنّ “عياش لم يُغلق الهاتف بعد “.
سيرة المهندس
ولد يحيى عبد اللطيف عياش في 6 مارس 1966م لأسرة فلسطينية بسيطة زرعت في نفسه الإيمان والشجاعة حفظ القرآن الكريم مبكرًا وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في قرية رافات قرب مدينة سلفيت شمالي الضفة الغربية.
وتخرج عياش عام 1991 من جامعة بيرزيت من قسم دراسة الهندسة الكهربائية بتفوق وحاول بعد تخرجه السفر إلى الأردن لإتمام دراسته العليا ورفض الاحتلال طلبه وعلق على ذلك “يعكوف بيرس” رئيس المخابرات حينها قائلاً: “لو كنا نعلم أن المهندس سيفعل ما فعل لأعطيناه تصريحًا بالإضافة إلى مليون دولار”.
وتزوج ابنة خالته ورزق منها طفله الأول براء وكان حينها مطاردا وقبل استشهاده بيومين فقط رزق بابنه الثاني الذي أسماه “عبد اللطيف” تيمنا باسم والده.
مسيرة جهاد
انضم المهندس عياش مبكرًا للحركة الإسلامية في فلسطين حتى أُعلن تأسيس حركة حماس ونشط خلال الانتفاضة الأولى في صفوف كتائب القسام لينفذ أول تجربة لصناعة عبوة مفخخة بأحد كهوف الضفة بداية عام 1992 ويغدو المهندس الأول في صناعة المتفجرات.
وبدأت مطاردته وأصبح مطلوبا للاحتلال عندما اكتشف الاحتلال الإسرائيلي سيارةً مفخخة في منطقة رامات أفعال في “تل أبيب” المحتلة وأشار بالاتهام إليه كأحد مدبري العملية.
بعد مجزرة المسجد الإبراهيمي الشّريف في الخليل عام 1994 عزم المهندس على التخطيط لتنفيذ عمليات استشهادية في قلب الاحتلال وكان أولها عملية العفولة التي نفذها المجاهد رائد زكارنة وأودت بحياة ما لا يقل عن ثمانية صهاينة وجرح العشرات ثم عملية الخضيرة التي نفذها عمار عمارنة وقتل فيها سبعة صهاينة وجرح العشرات.
وتولى يحيى عياش قيادة الجناح العسكري في كتائب الشهيد عز الدين القسام في الضفة وقطاع غزة وقام بالتخطيط المباشر والمشاركة أحيانًا بعمليات عسكرية أسر جنود سيارات ملغومة عبوات ناسفة عمليات استشهادية.
وتركز نشاط القائد في مجال تركيب العبوات الناسفة من مواد أولية بسيطة ومواد متاحة ومتوفرة بكل سهولة في الأراضي الفلسطينية ويعدُّ أول من أدخل إلى ساحة الصراع سلاح (الاستشهادي) ذلك السلاح الذي شكل أعقد المشاكل الأمنية التي واجهتها المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية منذ قيام كيان الاحتلال على أرض فلسطين.
وتنقل عياش بين الضفة وغزة وحاول أن ينشئ جهازًا عسكريًّا قويًّا تتحقق فيه اللامركزية بحيث لا يرتبط العمل العسكري بشخص واحد يتوقف باستشهاده أو اعتقاله كما عمل على إنشاء خلايا عسكرية متفرقة وغير معروفة لبعضها البعض.
المطلوب الأول
سلسلة العمليات الاستشهادية التي آلمت الاحتلال جعلت من القائد المهندس أخطر المطاردين للاحتلال والمطلوب الأول له وسخر مئات العملاء لاغتياله.
وعُرِفَ الشهيد بخفة حركته وسرعة بديهته وخبرته العسكرية التي أذهلت قادة الاحتلال العسكرِية وصفوه بكثير من الألقاب “الثعلب العبقري الرجل ذا الألف وجه الأستاذ المهندس العقل المدبر الفذ صقر الكتائب..” فقد كانوا معجبين إعجابًا شديدًا بعدوهم الأول كما كانوا يصفونه.
وبلغ الهوس الإسرائيلي ذروته حين قال رئيس وزراء الاحتلال حينها “رابين”: “أخشى أن يكون جالسًا بيننا في الكنيست”.
استشهاد القائد
بعد مسيرة حافلة بالجهاد والمقَاومة الموجعة للاحتلال الإسرائيلي اغتيل القائد في 5 يناير عام 1996 في بيت لاهيا شمال قطاع غزة وذلك باستخدام عبوة ناسفة زرعت في هاتف نقال كان يستخدمه أحيانًا ليمضي المهندس يحيى عياش بعدما أَدى الأَمانة ليخرج في جنازته نحو نصف مليون فلسطيني في قطاع غزة وحده.
شيّع عياش مئات آلاف الفلسطينيين في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة فيما شيّعه تلامذته على طريقتهم الخاصة لينفذوا سلسلة عمليات الثأر المقدس التي هزت قلب كيان الاحتلال.
وكانت باكورة العمليات الاستشهادية عبر العمليتين اللتين نفذهما الاستشهاديان إبراهيم السراحنة ومجدي أبو وردة من مخيم الفوار قرب الخليل وتواصلت العمليات حتى بلغ عدد قتلى الاحتلال نتيجتها ما يقارب 48 إسرائيليًّا.
صوت بعد 24 عامًا
وفي تسجيل صوتي يكشف لأول مرة منذ قرابة 24 عامًا كشف الإعلام الإسرائيلي في 24 نوفمبر 2019 النقاب عن تسجيل صوتي للمكالمة الهاتفية التي دارت بين الشهيد ووالده خلال اللحظات الأخيرة التي كانت سببا في استشهاده بواسطة هاتف نقال.
واجتاحت حينها الكثير من المشاعر الممزوجة بالفخر بهذا التسجيل الصوتي الذي ظهر فيه صوت الشهيد القائد عياش التي لطالما سمعوا عنه وعن بطولاته وكان مما كتبه نجله الأول براء: “اليوم ولأول مرّة سمعت صوت والدي”.