[[{“value”:”
“فضّ الاعتصام بالقوة”. … متى كانت آخر مرّة سمعت هذه العبارة في واحدةٍ من المدنِ المنكوبةِ بالاستبداد قبل أن تسمعها الآن في تعاطي السلطاتِ الأميركية مع اعتصاماتِ طلّاب الجامعات؟ … ربّما كان ذلك قبل ثلاث سنوات في الخرطوم، حينما أقدمتْ قوّات الأمن على اقتحامِ ما اشتُهر باسم “اعتصام القيادة العامة” لترتكب مجزرةً مُروّعة بحقِّ المعتصمين المطالبين بالحرية، في عمليةٍ داميةٍ ناقشَ خططها رئيس المجلس العسكري السوداني، عبد الفتاح البرهان، في القاهرة، ونفذها بدعمٍ من السعودية والإمارات، حسب خبير عسكري سوداني لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني في ذلك الوقت.
قبل الخرطوم، كانت القاهرة في يومٍ حزينٍ من أغسطس/ آب 2013، حيث وقعت كبرى مذابح الفضِّ بالقوّة، التي فتحت الطريق أمام كلَّ هذا الخضوع العربي للإرادةِ الصهيونية، بعد أنْ قرّر العرب الرسميون وضع كلِّ أشكالِ المقاومة، للاحتلال كانتْ أم للاستبداد، عدوًاً استراتيجيًا أوّل، فيما صار العدو التاريخي صديقاً، وحليفاً، وشريكاً سياسياً وتجاريّاً، في ظلِّ رعايةٍ ووصايةٍ أميركيتين لإعادة صياغة الشرق الأوسط بما يتناسب مع المشروع الأميركوصهيوني في المنطقة.
عمليةُ شيطنة اعتصامات طلّاب الجامعات ومحاولة تصويرها تهديدًا للسلام الاجتماعي، والتحريض عليها باعتبارها شكلًا من أشكالِ معاداة السامية، تبدو منقولة حرفيًا من أرشيف قتل مشاريع الثورات ضدَّ ثنائية الطغيان والاحتلال في بلدانٍ تُصنَّف من دولِ العالم الثالث، غير أنّ ما يسترعي الانتباه أكثر هذا التقاطع بين منطلقاتِ وآليات فضِّ اعتصامِ الطلّاب، وبين مثيلتها في ما يجري التخطيط له في غزّة ورفح، أو بالأحرى فضِّ مشروع المقاومة بهما، إذ يتركّز الجهد كلّه في محاولةِ اختلاق تناقضٍ بين الشعب الفلسطيني الواقع تحت العدوان والحصار والمقاومة التي وُلِدَت من صلبِ هذا الشعب. وفي هذه النقطة تحديدًا تُمارس مصريّة الأصل، رئيس جامعة كولومبيا، نعمت شفيق، مع الطلّاب المعتصمين ضدَّ الاحتلال والعدوان، الدور ذاته الذي يقوم به رئيس سلطة التنسيق الأمني، محمود عبّاس، مع حركاتِ وفصائلِ المقاومة الفلسطينية، بالتحريض المستمر ضدّها، وتمنّي القضاء عليها، واعتبارها من خارج الإجماع الوطني الفلسطيني حتى تنفتح أمامه كلَّ السكك لتوسيعِ نطاق سلطته التي ترضى عنها واشنطن وتل أبيب.
الشاهد أنّ كلّ مُعطيات اللحظة الراهنة تقول إنّ حصار مشروع المقاومة يمضي بالتوازي مع محاولةِ تجفيف منابع الغضب العالمي ضدَّ الاحتلال وداعميه، وبشكلٍ خاص ذلك الغضب المتصاعد في جامعات الولايات المتحدة والعالم، إذ تُكثّف واشنطن من طلعاتها الدبلوماسية في المنطقة، فيحضر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بجولةٍ جديدةٍ لتسويق ما سماه “العرض السخي” الذي لا يمكن أن ترفضه حماس، كما يحضر رئيسه، بايدن، هاتفيًا باعتباره مدير عام الشرق الأوسط، ليوّجه كلَّ الأطراف بضرورةِ التوصّل إلى صفقةٍ تنتهي بتحرير الأسرى الصهاينة.
مدهشٌ أن يبقى أحد مقتنعًا بفرضيةِ أن يكون جو بايدن هو الشخص المناسب لرعايةِ أيّ اتفاق مُنصفٍ في الصراع، بينما كلُّ تفاصيل المشهد تؤكد أنّه الذئب، أو مُدرِّب الذئاب، وليس الراعي الذي يمكن أن يُرجى منه خير، بالنظر إلى سوابقه العديدة في القتالِ في المحافلِ الدولية ضدَّ أيّ قرارٍ، أو إجراءٍ قانوني دولي يُوقف الجريمة الإسرائيلية، إِنْ في مجلس الأمن بالفيتو الرافض لمشروع قرار الاعتراف بدولةٍ فلسطينية، أو في محكمة العدل والجنائية الدولية، وقبل ذلك كلّه من خلال الميزانية ومخازن السلاح الأميركية المفتوحة، دعمًا للعدوان العسكري الصهيوني.
بايدن وتابعوه لا يعترفون بحقّ الشعب الفلسطيني في مقاومةِ احتلاله، لذا كان الأمر صادمًا حين رأيتُ بعينيّ، وسمعتُ بأذنيّ، وزير الخارجية المصري، سامح شكري، يقول: “هناك احتلال.. إذن هناك مقاومة، حقًا يكفله القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني”. قالها في جلسةِ أسئلةٍ، أو بالأحرى مساءلةٍ، يُديرها الصهيوني الصريح الصحافي الأميركي، توماس فريدمان، في العاصمة السعودية الرياض.
هنا يبدو سامح شكري معارضاً لسامح شكري، ذلك أنّ هناك تلالاً من تصريحاته السابقة ضدَّ المقاومة واتهامها بأنّها ليست في إطارِ المشروع الوطني الفلسطيني، فماذا حدث، أو السؤال الأخطر هو: ماذا سوف يحدُث لكي ينقلب سامح على شكري؟.
“}]]