[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
تشهد الضفة الغربية المحتلة تصاعداً في عمليات المقاومة ضد الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، ما أدى إلى مقتل وإصابة العديد منهم. توزعت هذه العمليات بين إطلاق نار ودهس وطعن، واستهدفت نقاط عسكرية ومستوطنات مختلفة وأدت إلى مقتل 50 إسرائيلياً منذ بدء حرب الإبادة على غزة.
وجاء عملية الدهس قرب قاعدة غليلوت العسكرية شمالي تل أبيب، اليوم الأحد 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، كواحدة من أكثر العمليات قوة منذ بدء حرب الإبادة على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ليس فقط لناحية عدد القتلى والمصابين من الجنود حيث قتل 6 منهم أصيب 50 آخرين، بل أيضاً من حيث موقع التنفيذ قرب قاعدة عسكرية تضم مقرات الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، بما في ذلك “موساد”، ووحدة 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية.
وهذه النوعية في العمليات الفردية غير المنظمة لم تقتصر على العمليات الفدائية فقط، بل ظهرت أيضا بتصدي المقاومين لاقتحامات جيش الاحتلال للمناطق الفلسطينية، وإعدادهم المسبق باستخدام العبوات المتفجرة محلية الصنع وغيرها من وسائل المقاومة.
وحسب إحصائية فلسطينية، فقد شهدت مناطق الضفة الغربية المحتلة خلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي 168 عملية إطلاق نار، وأربع عمليات دهس وطعن، و130 إلقاء لعبوات وزجاجات حارقة استهدفت جنود الاحتلال في مناطق عدة.
وتشير إحصائية مركز معلومات فلسطين (معطى) إلى أنه ومنذ الحرب على غزة، نُفذت 63 عملية نوعية من بينها 23 عملية دهس، و40 عملية طعن، عدا عن 1840 عملية إطلاق نار، أسفرت عن مقتل 50 جنديا ومستوطنا، وإصابة 379 آخرين.
وتشكّل العمليات الفردية التي ينفذها الشبان الفلسطينيون تحدّياً صارخاً للاحتلال، الذي يسعى بممارساته الوحشية ضد الفلسطينيين أن يثنيهم عن تنفيذ هذا النوع من العمليات، متناسيا أنَّ الممارسات الوحشية لجيشه، والمجازر المرتكبة بحق قطاع غزة منذ أكثر من عام، وفق مقال نشرته مدون العرب في 15 يوليو 2024، أكد أيضاً أن تلك المجازر ما هي إلا وقود لهذه العمليات الفدائية، وهي المحفز الأول للفلسطينيين الباحثين عن خير وسيلة للدفاع عن أرضهم، دون الاكتراث بتبعات هذا النوع من العمليات الفدائية التي تنفذ إما بصورة فردية أو وفق بنية تنظيمية.
عملية غليلوت ووحدة الهوية
وتقول كاتب المقال هديل رشاد، إن “الهدف الأول لمنفذي العمليات هو الدفاع عن وطنهم، وزعزعة الأمن في الداخل المحتل، والسعي لإيصال رسالة لدولة الاحتلال وقاداتها بأنَّ الشعب الفلسطيني وحدة واحدة، لا يبعده جدار فصل عنصري، ولا يقسمه تعدد الهويات الممنوحة وفق تصنيفات الاحتلال بغرض شرذمة وتفكيك وحدة الصف الفلسطيني في داخل فلسطين والأراضي المحتلة”، وهو ما أكدت عليه عملية قاعدة غليلوت العسكرية شماليّ تل أبيب، فالمنفذ الشهيد رامي ناطور من سكان مدينة قلنسوة في الداخل الفلسطيني المحتل، الذي أثارت-وبعيدا عن حالة السكون والاستكانة الحالية إزاء ما يجري في غزة-انتفاضته إبان معركة سيف القدس عام 2021، ما اعتبر، إسرائيلياً، التهديد الاستراتيجي الأخطر الذي كشفته المعركة في حينه، ودفع حكومة الاحتلال إلى وضع الخطط وتشكيل وحدات خاصة من الجيش والشرطة والشاباك، لمواجهة تداعيات هذا الخطر في المستقبل.
ومع تبدل المشهد السياسي والأمني الإسرائيلي بعد عملية طوفان الأقصى، تعمق عودة العمليات الفدائية الفردية المخاوف الأمنية من عودة مشاهد العمليات الاستشهادية إلى العمق الإسرائيلي والأسواق التجارية، والحافلات، ومراكز الترفيه، لاسيما بعد عملية تفجير الشاحنة في تل أبيب في 18 أغسطس/آب الماضي بعملية تفجير شاحنة في تل أبيب بعبوة ناسفة، تبنتها كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس.
وتضمن المقطع المصور للشهيد المنفذ جعفر منى وهو في طريقه إلى تنفيذ العملية، مشاهد من عمليات استشهادية سابقة نفذتها المقاومة الفلسطينية في العمق الإسرائيلي، مثل عملية القدس عام 2001، وعملية تل أبيب عام 1994، وعمليتي صفد وعمانوئيل الثانية اللتين وقعتا عام 2002، مع صور منفذي هذه العمليات.
التأثير والمرونة
وما يجعل العمليات الفردية أو الاستشهادية المنظمة ذات تأثير عال، هو المرونة الكبيرة التي يتمتع بها المنفذون باختيار زمان ومكان التنفيذ وفي الحركة والقدرة على التخفي، كما يُعد تصنيع ونقل المتفجرات اللازمة للعمليات الاستشهادية أسهل بكثير من الأسلحة التقليدية، ويعتمد بشكل كبير على مواد ذات استخدام مزدوج متوفرة في الأسواق.
والأهم أن هؤلاء الفدائيين يصعب التنبؤ بتحركاتهم أو حتى قرارهم تنفيذ تلك العمليات، فأغلبهم لا يمتلك سجلات أمنية لدى الاحتلال، وبالتالي لا عنوان لهم لاتخاذ قرارات أمنية استباقية لمهاجمتهم أو توقيفهم، وهو أمر يجعل منظومة أمن الاحتلال وجمهوره تحت ضغط نفسي واستنفار أمني عال.
ويرى الكاتب أحمد الحيلة أنه وعلى الرغم من كثافة العمليات الأمنية الإسرائيلية، تمكّنت المقاومة الفلسطينية من النموّ كمًا ونوعًا، وانتشرت داخل الضفة بشكل يقلق الاحتلال، حيث تعتبر الضفة الغربية خاصرة رخوة في أمن الاحتلال، وكانت تاريخيًا مصدرًا للعمليات الفدائية/ الاستشهادية في قلب المدن الإسرائيلية، التي توقّفت لسنوات، لكنّها عادت مجددًا في ظلّ استمرار الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
تكيف واستقرار للواقع
ويلفت الحيلة أنه حتى مع كثافة العمليات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، كما جرى في عملية المخيمات الصيفية وما بعدها من عمليات تتم بالتنسيق مع أجهزة أمن السلطة، “ستنجح في أحسن الحالات في إضعاف المقاومة في الضفة بشكل مؤقت، لكنها قد تفشل في تحقيق أهدافها”.
ويرهن الكاتب السياسي ذلك بتمكن المقاومة الفلسطينية من إدارة المعركة على امتداد جغرافيا الضفة التي تشكل 17% من مساحة فلسطين التاريخية، وبالاعتماد على خلايا صغيرة نائمة و”ذئاب منفردة”، كما حدث في عملية مهند العسود في ترقوميا شمال غرب الخليل، حيث تمكن بمفرده من قتل ثلاثة ضباط إسرائيليين بإطلاق 11 رصاصة فقط.
وإذ ينبه الحيلة إلى أن الأجواء الحالية حتى مع استمرار حرب الإبادة على غزة لا تقود إلا إلى تفجّر الأوضاع في الضفة الغربية، يؤكد أـن “صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، رغم الظروف الصعبة، وإبداع المقاومة الفلسطينية في القتال، يمثلان مصدر إلهام ودافعًا لاستنهاض المقاومة في الضفة الغربية”.
ويضيف: “عندما تثبت المقاومة في الضفة أقدامها، فإن عليها أن تتكيف مع الظروف الجغرافية والديمغرافية للضفة، فالنموذج الناجح للمقاومة في غزة، لا يقتضي استخدام الأساليب ذاتها، بل نهوض الهمّة واستقراء الواقع”.
على جانب آخر، تبرز العمليات الفدائية القادمة من الحدود الشرقية الأطول مع الاحتلال، عبر عمليات فردية يبادر إليها شبان أردنيون عبر الحدود، عكست فيها عملية معبر الكرامة التي نفذها الشهيد ماهر الجازي في الثامن من سبتمبر/ أيلول، وعملية البحر الميت في 18 أكتوبر/ تشرين الأول للشهيدين حسام أبو غزالة وعامر قواس، أثر عملية طوفان الأقصى في فتح جبهات جديدة لطالما عبرت سلطات الاحتلال عن مخاوفها الأمنية منها.
“}]]