[[{“value”:”
المركز الفلسطيني للإعلام
رغم الاضطرابات السياسية التي حدثت في عالمنا على مرّ العقود الماضية، وما تبعها من تغيرات في الولاءات والتحالفات، استمرت العلاقات السياسية الفريدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، بحيث أصبح في الوعي الجمعي أنّ علاقتهما أشبه ما تكون بعلاقة الأمّ بطفلها المدلّل.
وربما تحدث في بعض الأحيان أزمات بين البلدين، ولكن يتم حلها فوراً، وبأسلوب هادئ، أو كما وصفها هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في وصفه لخلاف سابق: “كان مثل خلاف عائلي”.
وأثار امتناع الولايات المتحدة في 25 مارس/ آذار الماضي، عن استخدام حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدعو لوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة خلال شهر رمضان، تساؤلات عن حقيقة الخلافات بين واشنطن وتل أبيب، رغم أن القرار كان مجرد حبر على ورق ،وجاء بعد استخدام الفيتو 3 مرات ضد قرارات تدعو لوقف النار.
وتعدّ هذه المرّة الثانية التي لا تستخدم فيها الولايات المتحدة حق الفيتو لمصلحة حليفتَها إسرائيل في الأمم المتحدة، منذ عام 2016، حين امتنعت عن عرقلة مشروع قرار دولي يُطالب دولة الاحتلال بوقف الاستيطان في الضفة الغربية وشرقي القدس المحتلتين، ويؤكد عدمَ شرعية المستوطنات المقامة عنوة على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.
المفارقة أنه في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن خلافات بين واشنطن وتل أبيب على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يستمر الدعم الأمريكي بالسلاح الذي يستخدم لذبح الفلسطينيين.
دعم أمريكي غير محدود
يتناول الكاتب محمود علوش في مقال على موقع الجزيرة نت، وتابعه “المركز الفلسطيني للإعلام” طبيعة هذه العلاقة بين أمريكا وإسرائيل، مؤكّداً الحقيقة التي لا يمكن إغفالها، وهي أنّ إدارة الرئيس جو بايدن التي عرقلت على مدار الأشهر الستة الماضية من الحرب العديد من مشاريع القرارات التي تُطالب بوقف الحرب، ومنحت إسرائيل غطاءً دبلوماسياً كاملاً ودعماً عسكرياً غير محدود؛ لا يُمكن أن تتغيّر ببساطة بمُجرد انتقادها للهجمات الإسرائيلية على المدنيين، وسماحها لمجلس الأمن بتمرير قرار يُطالب بوقف إطلاق مؤقت للنار.
ويشير الكاتب في هذا السياق إلى نُقطتين في السياسة الأميركية تجاه الحرب:
النقطة الأولى، أنّ الولايات المتحدة ليست مُجرد حليف لإسرائيل يحميها من الضغط الدولي، بل “هي شريك لها في الحرب”، مبينًا أنّ جانباً كبيراً من الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل في حربها على قطاع غزة، تأتي من الولايات المتحدة، فقد أرسلت أكثر من 230 طائرة شحن، و20 سفينة محملة بالأسلحة إلى إسرائيل منذ اندلاع الحرب حتى أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي فقط.
ويضيف الكاتب علوش، لا يوجد ما يُشير إلى أنّ عمليات تصدير الأسلحة تراجعت منذ تلك الفترة، وحتى في الوقت الذي انفجرت فيه التوترات بين واشنطن وتل أبيب. ولم يكن بمقدور إسرائيل مواصلة هذه الحرب حتى الآن، لولا الدعم العسكري الأميركي على وجه الخصوص.
أما النقطة الثانية التي ذكرها الكاتب، فتتمثل في أن الخلافات الإسرائيلية الأميركية الحالية، ليست حول الحرب بحد ذاتها، بقدر ما “تتعلق بالأزمة بين إدارة بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي”، والتي ظهرت قبل اندلاع الحرب من جانب، وبمعارضة إسرائيل للتصور الأميركي لمستقبل غزة والصراع الفلسطيني الإسرائيلي في اليوم التالي لنهاية الحرب، من جانب آخر.
وبهذا المعنى، يؤكّد الكاتب أنّ واشنطن دعمت، ولا تزال، الأهداف العريضة التي وضعتها إسرائيل في هذه الحرب، لكنّها لم تعد قادرة على مواصلة تحمل تكلفة الصمت عن الآثار الكارثية التي تُسببها الحرب في غزة.
وأقر حقوقيون دوليون ومسؤولون أمميون أن الاحتلال الإسرائيلي يرتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وهي واحدة من أبشع الجرائم في تاريخ البشرية، وفي إطار هذه الجريمة فإن أكثر من 120 ألف فلسطيني باتوا بين شهداء وجرحى ومفقودين، والبقية باتوا نازحين ومشردين في خيام، في وقت دمرت فيه أكثر من 60 % من مباني القطاع.
ضغط على استحياء
يوضّح الكاتب علوش أنّه إذا كان تحول الموقف الأميركي تجاه إسرائيل الآن مُصمماً، كما تُظهر واشنطن، للضغط على تل أبيب؛ لمنع اجتياح شامل لمدينة رفح، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المنكوبين في قطاع غزة، فإنه “كان بمقدور إدارة بايدن منع حصول هذه الكارثة من الأساس” لو أظهرت من البداية الخطوط الحمراء التي تضعها الآن أمام إسرائيل.
وتبنى بايدن من اليوم الأول للحرب وعلى مدى الأشهر التالية أكاذيب نتنياهو على انتهاكات مزعومة في هجوم 7 أكتوبر، في حي ن غض النظر عن المذابح ضد المدنيين وحاول التشكيك في أعداد الضحايا الفلسطينين والمدنيين منهم، قبل أن يبدأ بالاعتراف بذلك ولكنه برر كل ذلك بأنه في سياق حق كيان الاحتلال المزعوم للدفاع عن النفس، وهو أمر لا أساس له وفق القوانين الدولية.
ويخلص الكاتب علوش إلى أنّ واشنطن تصوغ تحول موقفها من منطلق مصلحة إسرائيل في إيجاد مخرج للحرب قبل حاجة الفلسطينيين لذلك.
ويبين أنه حتى في الوقت الذي امتنعت فيه واشنطن عن عرقلة مشروع قرار مجلس الأمن الدولي الأخير، فإنَّ امتناعها عن التصويت، وإن أرجعته إلى أن مشروع القرار لا يُدين حركة حماس، يعكس كيف أن الولايات المتحدة “لا تزال مُترددة في إظهار موقف يضغط بشكل لا لبس فيه على نتنياهو لإنهاء الحرب”.
أمّا عن موقف إسرائيل تجاه القرارات الدولية، فيوضح الكاتب أنّ إسرائيل التي تتعامل بازدراء مع الأمم المتحدة وتحدّت على مدى عقود من احتلالها القرارات الدولية، لن تستشعر الحرج بقدر يدفعها إلى تغيير نهجها في الحرب.
لهذا يؤكّد الكاتب أنّ الوسيلة الوحيدة التي ستضغط عليها لتغيير نهجها، تمتلكها الولايات المتحدة وحدها، وهي التهديد الصريح بوقف تصدير الأسلحة والمساعدات الاقتصادية لتل أبيب. ويشير مع ذلك إلى أنّ مثل هذا السيناريو لا يؤخذ حتى الآن على محمل الجد في واشنطن.
ويضرب الكاتب مثلاً بموقف كامالا هاريس نائبة بايدن التي لوّحت مؤخراً بعواقب أميركية على إسرائيل في حال قررت المُضي قدماً في شن هجوم على مدينة رفح، لكنّها لم توضح على وجه الدقة طبيعة هذه العواقب. مستأنفاً أنّ الضغط الأميركي الحالي على إسرائيل قد ينجح في منع حدوث مذبحة أخرى في رفح، لكنّه لن يؤدي بأي حال لمعالجة آثار الكارثة التي تسببت بها الحرب الإسرائيلية على غزة.
دوافع مصلحية
ويشدّد الكاتب على أنّ الدوافع الأساسية التي ضغطت على بايدن لتبني موقف متغير إزاء الحرب تكمن في جانب في سعي بايدن إلى استقطاب أصوات الديمقراطيين التقدميين والعرب في الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر/ تشرين الثاني، وفي جانب آخر بالحد من المخاطر المتزايدة التي تواجهها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ بسبب هذه الحرب.
وفي إجابة صريحة على سؤال ما إذا كانت الولايات المتحدة قد غيّرت نهجها بالفعل، يوضح الكاتب أنّ “هذا التحول في موقف إدارة بايدن لم يرتقِ بعد إلى المستوى الذي يضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب”.
صحوة متأخرة
يشير الكاتب إلى أنّ فشل الولايات المتحدة على مدى عقود طويلة في دفع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى مرحلة الحل، لعب دوراً في انفجار حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وأنّ الساسة الأميركيين بدؤوا يُدركون بشكل متزايد المسؤولية التي تتحملها واشنطن في هذا الصراع.
ويؤكّد الكاتب في مقاله أنّ إدارة بايدن قد بدأت تبني مشروع حل الدولتين من جديد، ولكن أيّ مسار من هذا القبيل لا يُمكن أن يُكتب له النجاح إذا لم تتوفر الظروف المناسبة له. منوهاً أنّ الحديث هنا ليس عن الحاجة إلى إنهاء الحرب على غزة فحسب، بل عن التطرّف الذي يُهيمن على السياسة الداخلية في إسرائيل أيضاً، وعن الاستيطان الإسرائيلي الذي أحدث تغييراً كبيراً في الديمغرافيا الفلسطينية بطريقة تجعل من المستحيل تحقيق دولة فلسطينية دون إزالة هذا الاستيطان.
وباستثناء تمرير إدارة الرئيس السابق باراك أوباما مشروع قرار في مجلس الأمن لإدانة الاستيطان الإسرائيلي، يشدّد الكاتب على أنّ شيئاً لم يتغير على الأرض، وأنه من غير المتصور أن تتمكن إدارة بايدن في الفترة القصيرة المتبقية للانتخابات الرئاسية من أن تعمل على إحداث تحول في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يُحقق حل الدولتين.
ويؤكد الكاتب في ختام مقاله أنّ نتنياهو “يسعى لشراء المزيد من الوقت من أجل مواصلة هذه الحرب إلى أطول فترة مُمكنة”، وأنّ إدارة بايدن “تسعى كذلك لشراء المزيد من الوقت من أجل التغطية على دورها الكارثي في هذه الحرب”، بدلاً من ممارسة وسائل الضغط الأكثر تأثيراً على إسرائيل لوقف عدوانها.
الحقيقة تبدّد الوهم
وعلى الرغم من قرار مجلس الأمن الدولي الداعي لوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وبالرغم من إعلان واشنطن مخاوفها من هجوم إسرائيلي متوقع على رفح يمكن أن يهدد حياة أكثر من مليون فلسطيني، فقد أجازت الولايات المتحدة في الأيام القليلة الماضية إرسال قنابل وطائرات مقاتلة بمليارات الدولارات إلى إسرائيل.
فقد نقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين في البنتاغون ووزارة الخارجية أنّ حزم الأسلحة الجديدة تشمل أكثر من 1800 قنبلة من طراز “إم كيه 84” تزن ألفي رطل، و500 قنبلة من طراز “إم كيه 82” تزن 500 رطل.
وأوضح مسؤول أميركي أنّ وزارة الخارجية وافقت على أن تنقل لإسرائيل 25 طائرة مقاتلة ومحركات من طراز “إف-35 إيه” تقدر قيمتها بنحو 2.5 مليار دولار.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ إدارة الرئيس جو بايدن وافقت على شحنة الأسلحة الجديدة دون إخطار الكونغرس ودون الإعلان عنها للرأي العام.
“}]]