غزة/PNN- دخلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مرحلة جديدة مع تواتر تقارير عن إعادة تموضع وانتشار للقوات الإسرائيلية شملت العديد من المناطق التي كانت قد انسحبت منها قبل أسابيع.
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إنه ينظر بخطورة بالغة لانتقال إسرائيل إلى “مرحلة إفراغ مدينة غزة من سكانها عنوة وبقوة السلاح في إطار جريمة التهجير القسري والإبادة الجماعية المتواصلة في القطاع منذ 7 (تشرين الأول) أكتوبر الماضي”.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنه تلقى إفادات توثق إجبار الجيش الإسرائيلي عائلات فلسطينية مكونة من عشرات الأفراد، غالبيتهم من النساء والأطفال، على النزوح القسري إلى وسط وجنوب قطاع غزة بعد اقتحام منازلهم ومراكز إيواء لجأوا إليها يومي الأربعاء والخميس الماضيين.
وذكر المرصد أن عمليات التهجير عنوة جرت بعد إعادة قوات الجيش الإسرائيلي معززة بآليات عسكرية مداهمة مناطق واسعة في مدينة غزة، لاسيما أحياء تل الهوى، ودوار أنصار، والشيخ عجلين، وإجبار من تبقى من عائلات فيها على النزوح قسريا.
وقال المرصد الأورومتوسطي، إن إحصاءاته الأولية تفيد بنزوح مليون و995 ألف فلسطيني من مناطق سكنهم، من بينهم كثيرون نزحوا عدة مرات، حيث اضطرت عائلات بأكملها للتنقل مرارا وتكرارا دون أن تجد ملجأ آمنا لها.
وشدد المرصد على أن قوانين الحرب تحظر تحت أي مبرر استهداف المدنيين عمدا وتعتبر تهجيرهم قسريا انتهاكا جسيما يرقى إلى حد جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.
يأتي هذا بينما نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، السبت إنذارا جديدا لسكان قطاع غزة يدعوهم فيه إلى ضرورة النزوح إلى رفح عبر شارع الرشيد البحر ، الذي قال إنه سيظل مفتوحا أمام الانتقال من شمال القطاع إلى جنوبه حصرا خلال سبع ساعات حددها من الصباح حتى العصر.
وتنسجم الإجراءات الإسرائيلية مع إصرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على المضي قدما في حربه المعلنة ضد حركة حماس، على الرغم مما يواجهه من انتقادات داخلية وخارجية حتى من أقرب حلفائه.
فالحرب المستمرة للشهر الرابع لم تحقق أيا من أهدافها المعلنة حتى الآن، بحسب مراقبين، فهي لم تقض على حركة حماس ولم تستطع جعل إسرائيل في مآمن من الصواريخ التي لا تزال تطلق من القطاع، ولم تتمكن حتى من تحرير الرهائن المحتجزين في غزة.
ومع ارتفاع فاتورة تلك الحرب اقتصاديا، وفي ظل انتقادات بعض وزراء مجلس الحرب الإسرائيلي نفسه لقرارات نتنياهو، وسخط أهالي الرهائن ومطالبتهم برحيله تزداد الضغوط على الرجل الذي يفقد كل يوم نصيبا كبيرا من الدعم الذي حظي به في بداية الحرب حتى من قبل الولايات المتحدة، الحليف الأقوى والأقرب لإسرائيل.
فالخلافات الأمريكية الإسرائيلية عادت لتطفو على السطح من جديد بشأن حرب غزة، بعدما أثار رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي تصريحات الرئيس الأمريكي بشأن إقامة دولة فلسطينية بعد انتهاء الحرب، عاصفة انتقادات من قبل مسؤولين أمريكيين.
وقال نتنياهو عبر حسابه على موقع إكس: “لن أتنازل عن سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة على كل الأراضي الواقعة غرب الأردن”، وذلك بعد تأكيد مكتبه على رغبته في سيطرة أمنية إسرائيلية على قطاع غزة.
وجاء هذا الموقف غداة إعلان البيت الأبيض عن تفاصيل اتصال هاتفي هو الأول منذ نحو شهر بين بايدن ونتنياهو، تردد أنه تناول الحلول الممكنة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، والتي رأى الرئيس الأمريكي أن أحد هذه الحلول قد يتضمن دولة منزوعة السلاح.
إلا أن مكتب نتنياهو قال في بيان: “خلال محادثته مع الرئيس بايدن، أكد رئيس الوزراء نتنياهو مجددا على سياسته التي تنص على أنه بعد تدمير حماس يجب أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية على غزة لضمان أنها لن تمثل تهديدا بعد الآن على إسرائيل، وهو ما يتعارض مع مطلب السيادة الفلسطينية”.
وفي هذا الصدد، قال السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز عبر حسابه على موقع إكس إن نتنياهو أكد رفضه قيام دولة فلسطينية “وسيواصل حربه المدمرة ضد الفلسطينيين الأبرياء، ويمنع الإمدادات اللازمة للحيلولة دون حدوث مجاعة جماعية، الآن يجب علينا أن نوضح موقفنا… كما يجب على الرئيس بايدن أن يعلن بوضوح وبصوت عال رفضه سياسات حكومة نتنياهو المتطرفة”.
ويرى مراقبون أن الإدارة الأمريكية ربما تبحث عن حل ينهي هذه الحرب من أجل إحراز بعض النقاط لصالحها في ظل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، لاسيما في ظل تزايد التنديد الشعبي دوليا بما تقترفه القوات الإسرائيلية في غزة.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن نتنياهو يسعى لـ”استرضاء أعضاء ائتلافه اليميني الحاكم بتكثيف الحرب ضد حماس، بينما يعارض دعوات ضبط النفس من جانب الولايات المتحدة، أقرب حليف لإسرائيل”.
وردا على تصريحات نتنياهو الرافضة لإقامة الدولة الفلسطينية ، دعت الرئاسة الفسلطينية واشنطن إلى “الاعتراف بدولة فلسطين، وليس فقط الحديث عن حل الدولتين، وهذا هو الوقت المناسب للقيام لذلك”.
وقال الناطق باسم الرئاسة الفسلطينية نبيل أبو ردينة إن “حكومة الاحتلال غير معنية بالسلام والاستقرار، وما زالت ترفض الاعتراف بحقيقة أن السلام لن يتحقق دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967″، مؤكدا أن “الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن حقوقه المشروعة، وعن القدس ومقدساتها، وعن إقامة دولته الفلسطينية المستقلة مهما طال الزمن”.
كما أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال قمة حركة عدم الانحياز في أوغندا السبت أن “الجميع يجب أن يعترف بحق الشعب الفلسطيني في بناء دولته”، وووصف أي “إنكار” لهذا الحق بأنه “غير مقبول”.
وقال غوتيريش إن “رفض قبول حل الدولتين للإسرائيليين والفلسطينيين، وكذلك إنكار حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة، أمر غير مقبول”، مضيفا أن “هذا من شأنه أن يطيل إلى أجل غير مسمى أمد نزاع أصبح تهديدا كبيرا للسلم والأمن العالميين، ما يؤدي إلى تفاقم الاستقطاب وتشجيع المتطرفين في جميع أنحاء العالم”.
وشدد الأمين العام للأمم المتحدة على “وجوب اعتراف الجميع بحق الشعب الفلسطيني في بناء دولته”.
وما بين بحث نتنياهو عن تحقيق “النصر الكامل” وضرورة التأكد من أن “حماس لم تعد تمثل تهديدا” لأمن إسرائيل، تتواصل الحرب ليس فقط في غزة ولكن على جبهات عدة أخرى، وتتزايد معها المخاوف من اتساع رقعة الصراع وانزلاق المنطقة المشتعلة بالفعل إلى دوامة من الفوضى ربما يخرج الكل خاسرا فيها.