من منّا في هذا الوطن الجريح لا ينتظرُ المسرّات لتُضمّد شيئًا من جراحه؟ إلّا أنّه يظلُّ يبحثُ عنها كمن يبحث في سراب، ففي وطني يُحرمُ الطفلُ من لعِبِه، يُنتشلُ من تحت أنقاضٍ انقضّت عليه بفعل أسلحةٍ فتّاكةٍ في أثرها جبانةً بفعلها، لا تُبقي ولا تذر من بشرٍ أو شجرٍ أو حجر. يُنتشلُ وبيديه لُعبةً غطّاها الرُكام. أمّا من نجى فتمنّى لو لم ينجُ. فلم يعُد في الحياة حياة. فرُبّما يُتِّم أو فقد شيئا من أطرافه. فتنقلب المفاهيم لديه، ليرى الفرحة بعينٍ تقَرُّ عند رؤية أحد ذويه لازال حيًّا، أو عند رؤية أحدهم حُرًّا بعد أن حكمت بفرقته عنه زنازين مُقيتة فلم يلبث فيهم من عُمُره إلّا سنين، أو عند عودته لمنزله الّذي هُجّر أو نزح منه. إن لم يكُن قدم هُدِم أصلًا، إلّا أنّه يمضي حاملًا معه أحلام الصِغَر لِتكبُر معه، وقد تكون أحلام والديه الّذين لطالما حلِموا برؤيته خرّيجًا ناجحًا في تخصُّصٍ ما.
فيُكملُ تعليمه مُجتهدًا، آمِلًا أن يُحقق حُلمَ والديه. ليتفاجأ حين يصل العام المفصلي (الثانوية العامّة) بعُدوانٍ شرِس يُسلبه آخر آماله بعد أن سلب أغلى ما يملُك. إبادةً جماعية في قطاع غزّة تحرِمُه و أكثر من ٣٩ ألف طالبًا وطالبة من التقدُّم لامتحانات الثانوية العامّة، منهم ٤٣٠ ارتقوا شهداء، وآخرون نزحوا وهُدّمت بيوتهم لتنهدم وترتقي أمام أعينهم فرحةً كانت ستروي ظمأ أرواحهم الّتي تاقت انتظارًا للفرح.
ولأنّ هذا الوطن كالبُنيان يشُدُّ بعضه بعضًا، إن اشتكى منه جُزءًا واحدًا تداعت له سائرُ الأجزاء؛ فإنّ الضفّة الغربية الّتي ارتقى ٢٠ من طلبة الثانوية العامّة فيها منذ بدء العدوان، انتكست فرحة طلبتها الناجحون وكانت منقوصةً بلا فرحة قطاع رغم حصاره كان يُنجِب في كُل عام طلبة متفوّقون على المستوى المحلي والعربي والعالمي. وفي فرحةٍ ظْلماء أفقدنا الظُلماء بدرنا.
فهل يعود هذا البدر ليُنير ويُغيث الناس بعد أشهُرٍ عِجاف؟ وهل ينجلي ليلٌ طال ظلامُه وظُلّامه؟ لتُشرِقَ شمسٌ فوق أماني شعبٌ يُحبُّ الحياة اذا ما اتسطاع إليها سبيلًا؟