غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
غيّبت صواريخ الاحتلال الإسرائيلي الخميس 7 ديسمبر 2023، صوتًا من أقوى الأصوات الأكاديمية الوطنية المنافحة عن القضية الفلسطينية، وبات الدكتور رفعت العرعير واحدا من أكثر من 17 ألف شهيد فلسطيني ارتقوا في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة.
والدكتور رفعت العرعير (44 عامًا)، أكاديمي فلسطيني، من مواليد غزة، وحصل على درجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي من جامعة بوترا بماليزيا عام 2017، ويعمل عضوا في هيئة التدريس بقسم اللغة الإنجليزية بالجامعة الإسلامية بغزة.
كما أن الشهيد هو أحد أعمدة القسم الإنجليزي في المركز الفلسطيني للإعلام، ومؤسس ومشرف قسم الإعلام الاجتماعي (سوشيال ميديا) فيه.
وارتقى العرعير رفقة أخيه وأخته وأولادها الأربعة ، في جريمة إبادة جديدة تُضاف إلى جرائم هذا الاحتلال النازي المستمرة.
رائد اللغة الإنجليزية
ويعد العرعير أحد أبرز وأهم معلمي اللغة الإنجليزية في غزة، ويطلق عليه كثير من الأكاديميين لقب “رائد اللغة الإنجليزية”، وقد حرص منذ بدء العدوان على القطاع، كما كل عدوان، على فضح جرائم الاحتلال بحق القطاع وإيصال صوت غزة إلى العالم الخارجي.
وتميز الشهيد بقدرته المتميزة على إيصال صوت فلسطين إلى الإعلام الغربي والعالمي، ويُعتبر من أفضل من تحدث عن السردية الفلسطينية ودحض رواية العدو الصهيوني باللغة الإنجليزية، وله كتاب Gaza Writes Back باللغة الإنجليزية. كما أجرى العديد من المقابلات واللقاءات الصحافية المميزة مع وسائل إعلام غربية متعددة .
وعلق صحفي إسرائيلي يدعى موشي يائير عبر منصة إكس، على اغتيال العرعير، قائلا: إن “سبب اغتيال الأستاذ الجامعي رفعت العرعير هو التقارير التي كان ينشرها باللغة الإنجليزية عن الانتهاكات التي تحصل في غزة، وكانت تتداولها المنظمات الغربية، هذا سبب قلقاً لحكومة نتنياهو”.
كما عرف عن العرعير كتاباته العميقة عن غزة باللغة الإنجليزية ونشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الترويج للقضية الفلسطينية وفنون مخاطبة الغرب، وهو أحد مؤسسي مشروع “نحن لسنا أرقامًا” we are not numbers لتعليم الأطفال الكتابة بالإنجليزية قصصا تحت الحرب في غزة.
سأقاوم الجنود بما أملك
وبعد بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل شهرين، تداول مستخدمو التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا للدكتور العرعير، يتحدث في حوار مع قناة BBC بالإنجليزية عن قسوة الوضع الذي يعيشه أهل غزة.
وقال في المقطع: إن “الوضع قاتم جدا، ليس عندنا حتى الماء.. لا أملك إلا قلمي”.
وتابع: “ماذا تريد إسرائيل منّا؟ هل تريد منا أن نرتكب انتحارا جماعيا؟.. لكننا لن نقدم على ذلك”.
وأضاف متأثرا وقد خنقته العبرات: “أنا شخص أكاديمي وأصلب شيء عندي في المنزل هو قلم السبورة، وإني سأرميه على الجنود الإسرائيليين إذا حاولوا اقتحام منزلي، ولو كان ذلك آخر شي أفعله”.
ولفت إلى أن الجميع في غزة لديهم نفس الشعور، لأنهم عاجزون وليس لديهم شيء يخسرونه.
نشاط في التأليف والرواية
وقد أصدر العرعير عام 2015 كتاب Gaza Writes Back ، جمع فيه كتابات فلسطينيين من قطاع غزة، أغلبهم من طلبته، عاشوا الألم والمعاناة بحذافيرها لينقلوها إلى العالم الغربي بلغته.
وحسبما تحدث العرعير سابقا لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”، فقد انتشر الكتاب في أمريكا وعدد من دول العالم للكشف عن حجم المعاناة التي عاشها أهالي غزة خلال عدوان عام 2014 بوجهٍ خاص وما يعانونه من الاحتلال والحصار بوجهٍ عام. وجاء الكتاب في 330 صفحة وقد تضمن 6 فصول.
تضييق وتحريض
ورصد مراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” حملة تحريض إسرائيلية بحق العرعير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، استمرت لعدة سنوات، بفعل نشاطه الكبير في نشر السردية الفلسطينية ودحض روايات الاحتلال فيما يتعلق بالجرائم التي تنفذ ضد أبناء شعبنا الفلسطيني.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، تعرض رفعت العرعير لإغلاق حسابه على تويتر بحجة مخالفة المعايير، حيث كان يعد من أكثر الحسابات الفاعلة باللغة الإنجليزية، فقد بلغ عدد متابعيه نحو 90 ألفا، بينهم كثير من السياسيين والصحفيين والمفكرين والناشطين حول العالم.
ورأي العرعير آنذاك، أنَّ فضح جرائم الاحتلال، وتغطيته المستمرة والمكثفة للوضع في فلسطين تحت الاحتلال، والمطالبة بحق الفلسطينيين في العيش بحرية وكرامة ومقاومة الاحتلال، هي أسباب حذف حسابه.
العرعير شاعرا
وكتب الشهيد العرعير آخر قصائده مطلع نوفمبر، يقول في مطلعها: إذا كان يجب أن أموت، فلا بد أن تعيشوا، لترووا قصتي وتبيعوا ما تبقى من أشيائي.
نعي واسع
ونعى المركز الفلسطيني للإعلام بكل الحزن والأسى والفخر والاعتزاز أحد أعمدة القسم الإنجليزي في الموقع، مؤسس ومشرف قسم الإعلام الاجتماعي (سوشيال ميديا) فيه، الدكتور الشهيد رفعت العرعير، الذي ارتقى شهيداً رفقة أخيه وأخته وأولادها الأربعة ، في جريمة إبادة جديدة تُضاف إلى جرائم هذا الاحتلال النازي المستمرة.
ونعت عدة حسابات لنشطاء ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي العرعير، مؤسس حملة “نحن لسنا أرقام”، بعد استشهاده جراء القصف الإسرائيلي الذي أودى بحياة عدد آخر من عائلته بينهم شقيقته وأبناؤها الأربعة.
ونشر الإعلامي حسام يحيى كلمات للدكتور رفعت قال فيها: “عندما نكتب عن الشهداء، يجب أن نذكر أن الاحتلال قتلهم. يجب أن لا نترك الفعل للمجهول”.
وتابع يحيى: “الاحتلال الإرهابي قتل د.رفعت العرعير أستاذ الأدب الإنجليزي، الذي كان يترجم قصص حياة الشهداء بالإنجليزية ليقرأها العالم”.
كما نعى الإعلامي والناشط الفلسطيني أدهم أبو سلمية د. رفعت مسترشدا بمقولة شهيرة للراحل: “سنقاوم حتى للنهاية فليس لدينا ما نخسره”.
وقالت فريدة عصام في تدوينة على فيسبوك: إسرائيل استهدفت الأستاذ الدكتور رفعت العرعير، الأكاديمي والكاتب الفلسطيني الذي علمنا عن فلسطين، وعلمنا وهو يواجه الإبادة كيف نبقى أقوياء، وكيف نورث الأمل، وكيف نسخر من الاحتلال وعالمنا المنكوب. علمنا نحكي عن قصص الشهداء وقصص غزة. العالم خسر الآف ويخسر كل يوم من أنبل وأجمل البشر. لن ننساك.
وقال الإعلامي الفلسطيني محمد منصور: فقدت غزة اليوم واحدًا من أهم، إن لم يكن أهم صوت باللغة الإنجليزية وتصدير السردية الفلسطينية إلى العالم”.
استهدافات واغتيالات مركزة
ويأتي اغتيال العرعير ضمن قائمة استهداف الاحتلال الصحفيين والأكاديميين، كان من بينهم رئيس الجامعة الإسلامية في غزة سفيان تايه الذي استشهد مع عدد من أفراد عائلته، السبت 2 ديسمبر/كانون الأول، في غارة جوية إسرائيلية استهدفت مخيم جباليا شمال القطاع.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على قطاع غزة، خلّفت حتى الخميس 17 ألفا و177 قتيلا، و46 ألف جريح، ودمارا هائلا بالبنية التحتية و”كارثة إنسانية غير مسبوقة”، بحسب مصادر رسمية فلسطينية وأممية.